لا عزاء للمعسلين في المدينة الفاضلة

لا بد ان نشكر كل من يهتم بصحه المجتمع ويخاف علي الناس من مسببات الامراض والاوبئه، علي امل ان نكون في المستقبل مثل الاسكندنافيين صحه وعافيه وقوه وحيويه.

وما اخال الاصرار علي منع شيشه المعسل في مدينة جدة الا اجتهادا يجسد اهتمام الجهات المعنيه بنا، وخوفها علينا من عبثنا بحياتنا، ولولا ذلك لما انتفضت امانه جده، وهددت انها لن تتهاون مع اي مقهي يدس الشيشه خلف ابوابه بعد اليوم، فشكرا للامانه، وليت مثل هذا الحرص يمتد الي اشياء اخري في ساحتها.

وعلي ايه حال، ورغم اتفاقنا مع القرار في المجمل، فلا ضير من محاوله التامل في بعض جوانبه، اذ ان سكان مدينه كجده كل ما فيها ملوث، برا وبحرا، وارضا وسماء، لا بد ان لديهم مناعه ضد اي تلوث جديد و«هايف» مثل دخان المعسل.. سكان جده كانت لهم عشره طويله مع اختراع غير مسبوق في التاريخ اسمه «بحيرة المسك» انتقل خيرها الي البحر الذي اصبح «بحر المسك»، ومع ذلك صمدوا وقاوموا وظلوا احياء عند ربهم يرزقون..

وليس هذا فقط ما صمد امامه سكان جده، بل انهم تعايشوا ردحا طويلا من الزمن، وما زالوا، مع تلوث البيارات المكشوفه، وصهاريج مياه المجاري، وجبال النفايات المكشوفه لايام، ودخان العوادم والمصانع والورش التي تزاحم مساكنهم، تحملوا كل ذلك، ولم ينقطع نسلهم او تنقرض سلالتهم، فهل نخشي عليهم اليوم من معسل «تفاحتين» او «عنب»؟؟ انهم ليسوا بهذه الليونه والرخاوه والميوعه، انهم اصلب من ان يتاذوا بسبب تشكيله فواكه في شكل دخان ينفثونه للتنفيس عن كرب الحياه، وتعطير الجو من الروائح غير الزكيه التي تحيط بهم..

ومن ناحيه اخري، اذا كان القرار يهدف فعلا الي تخفيف نسبه التلوث والحفاظ علي الصحه، فقد كان الاوجب منع المعسل في الاماكن المكشوفه وليس المغلقه، فالاماكن المغلقه يرتادها الشخص بارادته، وبالتالي فالقرار قراره، اما الاماكن المكشوفه فهي مشاعه للجميع، ويتضرر منها غير المدخنين غصبا عنه.

ولذلك، فقرار المنع بصيغته هذه لا يحقق غرض تخفيف التلوث او الحفاظ علي الصحه العامه.. واما ما سيحدث من تضييق علي خصوصيه المعسلين، باجبارهم علي التدخين في اماكن مكشوفه، واحتمال نشوء سوق سريه مغلقه للمعسل باسعار باهظه، فذلك شان اخر، ولا عزاء للمعسلين في المدينه الفاضله.. جده.