المحتوى الرئيسى

توكل كرمان تدعو إلى تدخل تُركى لحماية الشعب السورى | المصري اليوم، أخبار اليوم من مصر

10/12 22:00

توكل كرمان هي اول امراه عربيه تحصل علي جائزه نوبل للسلام (2011) لدورها المشهود في اشعال ثوره شعبيه سلميه، ضد الطاغيه اليمني علي عبدالله صالح، الذي جثم علي صدور الشعب اليمني اكثر من ثلاثين عاماً. وحينما يُسطر المؤرخون تاريخ اليمن، فان ابرز شخصياته علي الاطلاق، هما امراتان، الاولي هي بلقيس ملكه سبا، والثانيه هي توكل كرمان، صاحبه نوبل.

وقد التقيت توكل كرمان، مؤخراً بمدينه اسطنبول (8-10/10/2012)، حيث شاركنا في مؤتمر عن الربيع العربي للديمقراطيه. وقد خاطبت كرمان المؤتمر في جلسته الختاميه بحديث مُلهم ويشتد حماساً. وركزت توكل في الجزء الاول من حديثها علي اهميه ان تثق المراه العربيه والمسلمه بنفسها، وتنتزع حقوقها الانسانيه والسياسيه بيديها، ولا تنتظر ان يمنحها الرجال تلك الحقوق، والا طال انتظارها! وفي مُقدمه هذه الحقوق، حقها في المُشاركه السياسيه. وليكن هدفها هو المُساواه الكامله، اي بخمسين في المائه من الوظائف العامه، ومن المقاعد في كل المجالس التمثيليه- من المحليات الي البرلمان. فحتي اذا لم يتحقق هذا الهدف في سنه، او خمس، او عشر سنوات، فانه سيتحقق خلال عشرين او خمسين عاماً. المهم ان تثابر النساء العربيات والمسلمات. ففي النهايه لابد ان يستجيب لهن القدر. وكان لسان حال توكل كرمان يستدعي الابيات الخالده للتونسي ابي القاسم الشابي: اذا الشعب يوماً اراد الحياه... فلابد ان يستجيب القدر، ولا بد لليل ان ينجلي.. ولابد للقيد ان ينكسر.

ان مسيره حياه توكل كرمان تؤكد هذه المقوله، فما ضاع حقٌّ وراءه من يُطالب به. فقد نشات توكل عبدالسلام كرمان، في احد الأقطار العربية الاشد تخلفاً، والاكثر فقراً في الوطن العربي وفي العالم. ثم ان اليمن مُجتمع قبلي عشائري تقليدي، لا يُرحب كثيراً لا بالانفتاح علي العالم، ولا بالتقدم الانساني. ورغم ذلك ثابرت الفتاه توكل حتي اكملت دراستها، الي ان تخرجت في جامعة صنعاء، وكانت والدتها، رغم اميّتها، خير سند لها، ومن خلالها تشرّبت توكل روحاً طموحاً، وعملت بالصحافه، وانضمت الي العديد من منظمات حقوق الإنسان. ثم اسسّت هي منظمه «صحفيون بلا اغلال» (Journalists without Chains). ومن خلال عملها الصحفي جعلت توكل كرمان من قضايا حقوق الانسان عموماً، وحقوق المرأة خصوصاً، رساله حياتها. وذاع صيت توكل في وطنها اليمن، وفي العالم. ورشّحها كثيرون، دون علمها، لجائزه نوبل. وفوجئت هي، في مثل هذا الوقت من العام الماضي، بفوزها بالجائزه.

قد لا تكون توكل كرمان اهم او اشهر شخصيه نسائيه عربيه، فقد سبقها بقرن كامل من الزمان رائدات نسائيات اخريات- مثل هُدي شعراوي، وصفيه زغلول، وسيزا نبراوي، ونوال السعداوي، وفاطمه المرنيسي، واسيا جبار. ولكن هؤلاء الرائدات نشان في النصف الشمالي للوطن العربي، الذي كان الاكثر قُرباً من اوروبا، عبر البحر المتوسط، بل انهن نشان في بُلدان كانت قد تاثرت بالفعل بما يحدث في اوروبا، سواء من خلال البعثات الدراسيه الي اوروبا التي ارسلها محمد علي من مصر، او داوود باشا من العراق، او خير الدين من تونس. فقد عاد هؤلاء المبعوثون وساهموا في مشروعات طموحه لبُلدانهم، بدايه بالتعليم الذي شمل البنات. ناهيك عن الاحتلال المُباشر لمصر والسودان بواسطه بريطانيا، ولبُلدان المغرب العربي بواسطه فرنسا، وليبيا والصومال بواسطه ايطاليا.

ولكن النصف الجنوبي من الوطن العربي، الذي يشمل اليمن والجزيرة العربية، لم تمسه هذه الموجه النهضويه المُبكره. اي ان المناخ الاجتماعي الثقافي الحضاري الذي نشات في ظله توكل كرمان لم يكن مواتياً بالمره لظهور هذه الشخصيه الفذه. او بتعبير اخر، بينما كانت الرائدات النسائيات العربيات من جيل هُدي شعراوي يسبحن مع تيار الحداثه وروح العصر، كانت توكل كرمان تسبح ضد التيار في مجتمعها اليمني.

المهم لموضوع هذا المقال ان هموم توكل كرمان، لم تعد مقصوره علي وطنها الاصغر في اليمن، بل اتسعت هذه الهموم لتشمل الوطن العربي الاكبر، من الخليج الي المُحيط، ولذلك كانت الصيحه المُدويه لتوكل كرمان، علي ضفاف البسفور، هي: «يا شعوب العالم انقذوا الشعب السوري.. ايها المسلمون انقذوا اطفال ونساء سوريا.. ايها العرب تدخلوا سياسياً وعسكرياً اذا لزم الامر، لوقف المذابح في دمشق وحلب واللاذقيه، وحماه وادلب»!

ولان مؤتمرنا (منتدي اسطنبول السنوي الثالث) كان في تركيا، فقد خصّت توكل كرمان الشعب التُركي باحدي صيحاتها. فتركيا تُلاصق شمال غرب سوريا، وبينهما عده مئات من الكليومترات من الحدود المُشتركه. ثم ان تركيا عضو بارز في مُنظمه المؤتمر الإسلامي، والامين العام لهذه المنظمه وهو اكمال الدين احسان اوغلو تركي الجنسيه. وقد استقبلت تركيا بالفعل اكثر من رُبع مليون لاجئ سوري.. اسوه باعداد مُماثله استقبلتها البُلدان العربيه الثلاثه الاخري، ذات الحدود المُشتركه مع سوريا، وهي لبنان والاردن والعراق. واستندت توكل كرمان في ندائها للشعب التركي علي سوابق التدخل العسكري، الذي يسمح به ميثاق الأمم المتحدة، مثلما حدث في رُبع القرن الاخير في يوغسلافيا، ورواندا، والكويت، والعراق.. ولم يفت توكل كرمان ان تذكّر مُستمعيها في مُنتدي اسطنبول بان التدخل الدولي لانقاذ حياه المدنيين في كل تلك الحالات جاء مُتاخراً، بعد ان فقد الالاف حياتهم، ولا ينبغي ان ننتظر اكثر من ذلك يوماً واحداً او حتي دقيقه واحده.

ان حرب بشار الاسد علي شعبه تجاوزت عاماً كاملاً، وقد حصدت تلك الحرب بالفعل ما يزيد علي الثلاثين الفاً. وهو العدد الاكبر بين ضحايا ثورات الربيع العربي. فهو يفوق مجموع الضحايا الذين سقطوا في تونس وليبيا ومصر والبحرين واليمن مُجتمعين. وهو يفوق عدد من قتلوا من الشعب السوري في كل حروبه مع اسرائيل.

وفي حديث مع توكل كرمان، حول دعوه تدخل اجنبي في شان عربي، مثلما تطالب هي تركيا ان تفعل في سوريا، قالت صاحبه نوبل: مع اعتزازي بعروبتي، الا ان الاعتبار الانساني عندي يعلو علي الانتماء القومي.. وهي كانت تُفضل ان تستطيع الجامعة العربية او مُنظمه المؤتمر الاسلامي، القيام بتلك الرسالة الانقاذيه.. ولكن حيث ان ذلك لم يحدث الي تاريخه، فهي لم تعد تهتم بجنسيه او لون من يقوم بهذه المُهمه من اجل انقاذ اطفال وامهات سوريا.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل