المحتوى الرئيسى

جميل مطر: رؤساء جمهورية وسياسيين كبار فى الولايات المتحدة تعاقدوا مع حكومات دول أصغر فور خروجهم من السلطة ..

10/10 09:16

لم اسمع او اقرا ان ونستون تشرشل او كليمنس ميترنيخ او جوزيبي غاريبالدي او اوتو فون بسمارك او شارل ديجول راح، بعد ان انهي مهمته او تخلي عن وظيفته، يلف علي دول العالم يعرض نفسه علي حكامةا ومترفيها للعمل عندهم مستشارا او خبيرا للعلاقات العامه. الان نسمع ونقرا عن زعماء ورجال دوله سابقين خدموا في قمه السلطه في دول عظمي لسنوات غير قليله، يعملون الان بالساعه او اليوم لقاء اجر او مكافاه، او يتعاقدون لمدد اطول كخبراء اتصال ووسطاء ومرطبي اجواء وكاتمي اسرار.

نعرف عن رؤساء جمهوريه وسياسيين كبار في الولايات المتحده تعاقدوا مع حكومات دول اصغر فور خروجهم من السلطه. قد لا يري كثيرون ان مثل هذا التصرف سلوك معيب. يقولون اننا نعيش في عصر زاد فيه خضوع البشر والعقائد والقيم كافه لبريق الماده، وبخاصه بين هؤلاء الذين اعماهم بريق النفوذ والسلطه. لم يعد مثيرا للانتقاد مثلا قبول هنري كسينجر او جيمس بيكر او غيرهما من كبار المسئولين الامريكيين تقديم استشارات وكتابه تقارير لحكومات اجنبيه لقاء مبالغ ماديه.

الغريب في الامر ان دولا كثيره، ومنها الدول ذاتها التي تشتري هذه التقارير والمعلومات «السريه» والاستراتيجيه تحرم علي دبلوماسييها وقادتها العسكريين العمل في نشاط مماثل بعد خروجهم من الخدمه. تفترض هذه الدول انه ما زال لدي هؤلاء القاده من الدبلوماسيين والعسكريين مخزون من المعلومات الدقيقه التي لا يجوز ان تنتقل الي مسئولين في دوله اخري.

يبدو علي كل حال ان عائد هذا النوع من العمل صار مجزيا، وبخاصه في ظروف الوفره النفطيه والنقديه في العالم العربى، الي حد ان كثيرين من رجال الدوله في امريكا باتوا يرتبون خلال وجودهم في وظائفهم الرسميه علاقات شخصيه وقويه مع مسئولين في دول اجنبيه علي امل ان يقبلوهم كمستشارين بمكافات هائله بعد انتهاء خدمتهم.

اذكر اننا، قبل عقدين او اكثر، كنا ننتقد هذه التصرفات، ربما لاننا كنا نفكر في سياق قيم مختلفه وفي ظل سياسات امنيه متاثره بظروف الحرب الباردة وقصص الجاسوسيه ومتاثرين بقيم الوطنيه والنزاهه.

يبدو الامر الان لاغلبيه المراقبين طبيعيا. انا لا اراه كذلك. لا افهم ان يقضي رجل دوله او زعيم سياسي مرموق سنوات عديده في السلطه يضغط بكل الوسائل، ومنها اقصي وسائل العنف كالحرب والحصار، ليقنع شعوبا ونخبا سياسيه في دول اخري بضروره اسقاط الاستبداد وحكم الطغاه والتمسك بالحق في حريه التعبير والمساواه والعدالة الاجتماعية واقامه الديمقراطيه والتزام الشفافيه، وما ان تنتهي علاقه هذا الزعيم بالسلطه في بلده الا ونراه ضيفا مقيما او زائرا في قصور الحكام المستبدين والطغاه الذين سبق ان انتقد اداءهم الدكتاتوري وهاجم فساد حكمهم. نراه هناك عزيزا مكرما، يقدم النصيحه بعد المشوره عن كيفيه «اسكات» الشعوب الجائعه والمقهوره والغاضبه. نراه يشارك في رسم الخطط التي تضمن، حسب رايه، تحسين صوره هؤلاء المستبدين والطغاه وفي الوقت نفسه تشويه صوره الشعوب «المتخلفه التي ترفض ان تتقدم»!

خدعونا هؤلاء الساسه الغربيون العظام الذين تحولوا مستشارين لحكام مستبدين في افريقيا والشرق الأوسط ووسط اسيا. يتصدر القائمه توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الاسبق، الرجل الذي ورث عن السيده مارجريت تاتشر مهمه او رساله التبشير بالديمقراطيه في العالم الإسلامي والتزم كلاهما توظيف «الرئيس» الامريكي في خدمه هذه الرساله النبيله. وظفوا رونالد ريجان في مرحله ثم جورج بوش ووليام كلينتون في مراحل اخري. هكذا مهد كلاهما الطريق المؤديه الي واحده من اسوا حروب التاريخ. حرضاهما ضد صدام حسين ونظامه الاستبدادي. اذكر، ولا شك يذكر متوسطو العمر بينكم، بل احفظ عن ظهر قلب، عبارات من خطب عديده للسيد توني بلير تنضح بالحقد والكره ضد الاستبداد «الصدامي» والدكتاتوريه البعثيه وتبرر الحرب التي دمرت العراق وقتلت مئات الالوف بحجه الحاجه الانسانيه للقضاء علي حاكم مستبد وبناء صرح ديمقراطي في دوله من دول الشرق الاوسط.

نكتشف الان، حسب روايه مجله New Republic المرموقه في الولايات المتحده، وهي المجله التي تتوجه للنخب الثقافيه ونخب السلطه والحكم، نكتشف ان توني بلير كان يخدعنا. لم يكن يكره الاستبداد والمستبدين بدليل انه يعمل حاليا لدعم استبداد نزار باييف رئيس قازاخستان المؤبد. انتقي من تفاصيل ما نشرته المجله اقل القليل. يقول كاتب المقال ان توني بلير متعاقد مع حكومه نزار علي خدمات واستشارات تعزز استبداد الرئيس وحكومته مقابل مبلغ 13 مليون دولار. ثم كتبت جريده فاينانشيال تايمز البريطانيه ان ثروته تقدر الان بمبلغ 30 مليون دولار تراكمت ثمنا لمشورات ونصائح قدمها لحكومات في وسط اسيا مثل قازاخستان واذربيجان وحكومات عربية عديده كثير منها متهمه بالممارسات القمعيه واهدار الحقوق السياسيه والفساد، فضلا عن انه يحصل علي راتب ثابت قدره اربعه ملايين دولار سنويا من احد البنوك الامريكيه الكبري ليوثق صلات البنك بسياسيين عرب، وراتب ثابت اخر من حكومه الكويت.

يتداول بعض الصحف الغربيه في روايات عن علاقه توني بلير بالعقيد القذافي وعن سته اجتماعات عقدها بلير مع العقيد وهي الاجتماعات التي اثمرت ما يطلقون عليه في هذه الصحف عباره «حلف جيواستراتيجي طرفاه القذافي وبلير». كان الظن الخائب لدينا وامثالنا من مستهلكي الشعارات القوميه والوطنيه و «الجماهيريه» ان الرجلين نقيضان بل عدوان لدودان. انكشفت هذه العلاقه السريه بتفاصيلها المذهله حين وقع الاطلاع علي وثائق المخابرات الليبيه خلال الثوره. انكشف ايضا ان بلير ساعد سيف الإسلام القذافي في كتابه الاطروحه التي قدمها لجامعه لندن للحصول علي درجه الدكتوراه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل