المحتوى الرئيسى

إعلان حب!

10/06 09:44

المشهد الاول: المكان والزمان، سيناء قبل عده سنوات، 20كانت>كانت هي المره الوحيده التي زُرت فيها دير سانت كاترين. ذهبت بصحبه «اخويا باتريس» -كما اعتدت ان اناديه- وقد اصطحبني في سيارته السيتروان الخضراء من الاسكندريه ذهابا وايابا. كان لديّ مشروع روحي كبير هو الصلاه لله سبحانه وتعالي طوإل أليوم في المسجد والكنيسه تذللا واسترحامًا وطلبًا للمغفره. في داخل الدير يوجد مسجد صغير جميل ابيض اللون مبني علي قمه مرتفعه، تحتضن مباني الدير المسجد الصغير في اعلان حب. وها هو المعمار يتكلم! صعدت الي المسجد، لكني للاسف وجدته مغلقًا وقيل لي ان الامام غائب لبعض الوقت، وفي طريقي الي الكنيسه وقفت امام ورقه اثريه مكتوبه ومعلقه علي حائط داخل برواز زجاجي باطر خشبيه، كان ذلك عهد النبي -صلي الله عليه وسلم- لرهبان الدير.. عهد بالامان والمحبه، وحريه العباده، والحمايه، والدفاع ولو بالسيف اذا لزم الامر. تذكرتُ ان المسلمين المهاجرين الاوائل قبل سنوات قليله من ذلك العهد، كانوا قد حصلوا علي عهد مشابه من النجاشي ملك الحبشه المسيحي نفاذًا لوصيه نبينا محمد، وقد وصفه بانه «ملك لا يُظلم عنده احد!». كانت الكنيسه من الداخل بديعه مبهره ساكنه فائقه البساطه والجمال. قرات الفاتحه ثم غرقت في الدعاء لله رب السماوات والارض ان يُلقي في قلوبنا السلام والسكينه والحب، وان يغفر لنا ويرحمنا بحق انبيائه وكتبه ورسله، بحق محمد وعيسي عليهما السلام وبحق امنا العذراء مريم البتول، الي ان سمعت بعض الضجيج فالتفتت لاجد مشهدًا غريبًا يقطع السكون. سائحات اجنبيات يدخلن الكنيسه، كن يسترن اجسادهن اولا علي الباب، ويضعن طرحه علي شعرهن قبل الدخول، وفي ثوانٍ امتلات الكنيسه بالمحجبات المسيحيات! لا فرق بين مظهرهن ومظهر المسلمات، كله شبه بعضه وكانه يوم الحشر، حيث لا ينشغل الانسان سوي بنفسه رجاء المغفره، لكل امرئ يومئذ شان يغنيه. عدت الي الدعاء، استغرقت، وتحول حزن القلب الي طبقه من الدموع وانا اتمثل مشهد المهاجرين الاوائل، وفي قلب استغراقي شعرت بعينين ترقباني. التفتت لاجد احد القساوسه ينظر اليّ من بعيد دون ان اشعر، لا يزال شابا، ابيض الوجه بعينين بنيتين واسعتين ولحيه بنيه وتبدو قسمات وجهه متبسمه باستمرار، تبادلنا النظرات للحظه قبل ان يشير اليّ بالاقتراب، ودنا مني هو ايضًا لنقف علي جانبي حاجز عباره عن حبل مخملي يفصل جزءًا من الكنيسه ممنوع دخوله الا للاقباط اليونانيين، حيث يحتفظون برُفات يد القديسه كاثرين في صندوق زجاجي وحجر موسي. تبادلنا التحيه، ثم اذا به يميل عليّ ليسالني همسًا «هيّ الطائفه والمله بتاعتك ايه؟!» نظرتُ اليه مذهولا وخاطره تبرق في ذهني بسرعه الصاروخ «يا دي النيله! حاقول له ايه بس!» اجبت وقد اتسعت ابتسامتي «انا مسلم يا ابونا!»، ابتسم هو ايضا وقد فهم سبب ابتسامتي، فهمس ناظرًا في قلب عينيّ بعينين ضاحكتين تطفحان بشقاوه مصرية خالصه «زي بعضه!! تصلي معايا؟!» وجاء ردي علي الفور «ليّ الشرف يا ابونا!»، تلفت ابونا يمينًا ويسارًا ليتاكد ان احدًا لا يراه، ثم رفع الحبل بسرعه لكي استطيع المرور من تحته وكاننا عاملين عمله، تاركا خلفي باتريس الذي لم يلحظنا. اخويا باتريس من الممنوعين ايضا لانه ينتمي الي طائفه الارمن. يدي في يد ابونا نسير الي الداخل، شاهدت يد القديسه كاثرين ووقفنا للحظات امام حجر موسي، ثم جاءت لحظه الصلاه والدعاء، لم اشعر كم مر من الوقت الي ان انتهينا وسلمنا علي بعضنا، ثم قال لي ابونا همسًا «تعالَ، ساخرجك من الباب الخلفي!» وهكذا سربني ابونا من باب صغير، ولم ينسَ ان يتلفت يمينا ويسارا قبل ان يشير اليّ بالخروج وكاننا عاملين عمله! خرجت ثم التفتت خلفي لالقي علي ابونا نظره اخيره قبل ان يغلق الباب لاجده واقفا خلفه ينظر اليّ بابتسامه. نظرت اليه مودعًا وانا اشعر اني احبه من اعماق قلبي وبانه اخي وحبيبي وقطعه من روحي. وما هي الا خطوات حتي وجدت باتريس تائها يبحث عني ليفاجا بصياحي فيه وكاني هبطت عليه من السماء «يا خيبتك يا خيبتك، انتا ماتدخلش، انا بقي.. دخلت!».

المشهد الثاني: منذ زمن بعيد جدًا كنت اعيش وحدي في بيتي بالاسكندريه، وكان ان انتقل امجد صديقي العزيز ليقيم معي لعده اشهر، ناكل ونشرب ونذهب ونعود سويًّا. جلسنا علي الارض نتفرج في استغراق علي الفيلم العبقري «الناصر صلاح الدين» القائدين حسام واسماعيل.. وعيسي العوام، وبكينا سويا علي المسجد والكنيسه والقدس التي ضاعت (الي حين)، كان اليوم التالي هو عيد ميلاد سيدنا المسيح، كنت وامجد نستعد للذهاب الي كنيسه سان مارك اخر شياكه لابسين اللي عالحبل! في اثناء نزولنا علي السلم شعرت بتانيب ضمير مفاجئ فهتفت اناديه «امجد!» فالتفت اليّ متسائلا، فقلت له «فاتتني صلاة العيد السنه دي علشان راحت عليّ نومه، اقوم اصلي معاك في الكنيسه؟!» ابتسم امجد بخبث بريء قائلا «ياللا زيّ بعضه، يمكن ربنا يهديك!» فصحت مستنكرا وانا اضحك «امششششي!» كان صوت ضحكنا عاليا ازعج احد الجيران فخرج ينظر الينا بتكشيره لا تفرِّق بين مسلم ومسيحي! هربنا بسرعه وانا اقول له «ياللا يا ابني لا تحصل فتنه طائفيه في بير السلم!».

المشهد الثالث: في بيتي في دبي اتفرج ملتاعا علي شريط اخبار الحكومه يطلب من المصريين حمايه جيشنا الباسل من «المتظاهرين من الاقباط»!! دعوه صريحه الي القتل. نظرت ملتاعا الي النار والدخان في ماسبيرو. اقشعر بدني وتثلجت اطرافي وانا اسابق الزمن للمطار ثم الي مصر. تهبط الطائره لاجري علي ماسبيرو، وتحت النار وفي قلب القبح كانت هناك دماء مايكل، ومينا دانيال. في الليله التاليه ذهبتُ الي ميدان التحرير، لاجد عددا قليلا من البشر، مسلمين ومسيحيين يهتفون كالغرباء «مسلم، مسيحي.. ايد واحده!» لمحت من بينهم سيده محجبه تهتف بحماس شديد، اقتربت منها لاجدها تلك النواره، النواره النجم، وفي اسمها قاسم منها، جلست صامتا بجوار شاب صغير بشعر اسود فاحم وجسد شديد النحافه، بعد فتره مددت يدي لاسلم عليه قائلاً «انا اشرف» فرد علي قائلا «اعرف، وانا مينا» فتره من الصمت، ثم رايته يتامل في وجهي، واذا به يحاول ان يواسيني قائلا «ماعلهش، ماتزعلش!» نظرتُ اليه مذهولا ثم صحت في وجهه «يا ابني هوّ انتا مابتاكلش؟! حتتجوز ازاي كده؟» ضحكنا، واخذته في حضني وكانه ولدي وانا اهمس له من كل قلبي «سامحني يا ابني!» وجاءني رده بيده وهي تربت علي ظهري.

المشهد الاخير: المسيحيون يطردون من ديارهم ويقفون بالطوابير امام السفارات الاجنبيه، قلبي يقطر دما. لقد كان اول ضابط مصري استشهد في حرب اكتوبر علي الاطلاق هو اللواء شفيق متري سدراك في يوم 10 اكتوبر 1973، وكان يقود فرقه مدرعه تابعه للفرقه 16 القطاع الاوسط من سيناء، استشهد لانه لم يطق صبرا علي قواته، فتركها واندفع وحده الي الامام عده كيلومترات يقاتل الي ان استشهد. وها هم المسيحيون اليوم ينفذون نصائح الدعاه المتبارين في القبح بعد ان كفرونا جميعًا، خصوصًا ذلك العبقري الذي قال «اللي مش عاجبه شرع الله يركب طياره ويمشي!». ليس حزنًا علي مصر التي يتغير وجهها الي وجه متطرف قبيح، وليس حزنا علي الوحده الوطنيه اياها، ولكن حزنا علي المسيحيين مباشره دون اي سبب اخر، اما مصر، فهي اليوم ليست الا مسرحًا يتقاتل فيه الكل مع الكل، سيناء، السلفيون، الاخوان، الاحزاب، القوي السياسيه، اللجنه التاسيسيه، ومصريون في الشوارع يطلقون النار علي بعضهم بعضا.. كله عايز كله بما لا يخالف شرع الله!! «عاركه» مفتوحه وكان مصر كلها تحتاج الي خرطوم من الماء البارد! والرئيس مشغول يشحت علينا من بلاد الارض طلبا للمال من اللي يسوي واللي.. لقد كانت مصر هي البقعه الوحيده علي الكوكب التي فهمت يومًا قبل كل العالمين معني الايه الكريمه «يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثي وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم»، كان شعب مصر قاهر التتار مهد حضارات البشر اجمعين، هو معلم الانسانيه علي بقعه ارض تتوسط العالم وتعانق فيها الماذن ابراج الكنائس نفاذا لوصايا الله وعهود نبيه محمد، كانت مصر النموذج والحضاره والعظمه والحب كله، فهل مصر اليوم افله حقا؟ هل تغرب اليوم شمس مصر؟ لا والله! ستعود! اخوتي المسيحيين، لقد صلينا في قلب الثوره في ميدان التحرير تحت حمايه اياديكم المتشابكه ضد قتله لا دين لهم.. فالي اين انتم اليوم ذاهبون؟ انادي كل مصري مسلم له جار مسيحي بعد ان يفرغ من قراءه كلماتي ان يطرق باب اخاه ويقبل راسه ويؤمّنه مثلما امّن نبينا قبل زمن طويل رهبان الدير، حوشوهم، كلموهم ان لا يتركوا، قولوا لهم انكم تحبونهم، هذا هو اعلان حبي لكم، لا تتركونا، لا تتركوا مصر، فان رحلتم.. فقدتْ مصر اعز ما تملك! «الحريه لضابط الصاعقه محمد وديع».

اتصل بنا | شروط الاستخدام | عن الموقع

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل