المحتوى الرئيسى

حسام عيتاني يكتب:أن تكون إنساناً

10/05 16:14

سنصدق ان النظام السوري علماني. وسنصدق ايضاً ان قيمه الاخلاقيه تستند الي مزيج مما رسخ فطرياً في سلوك العرب وما تركته الأديان السماوية التي امن العرب بها، خصوصاً الاسلام، علي ما كان يقول البعثيون الاوائل.

وسنفترض ان مقولات احد مؤسسي البعث، زكي الأرسوزي، في «الرحمانيه» بصفتها الحاله الشعوريه المميزه للعرب، راسخه في اذهان القياده القطريه لحزب البعث العربي الاشتراكي، وان القياده هذه تؤمن ايضاً بالدعوات الي الحداثه التي جاء بها ميشال عفلق معه بعد دراسته في الخارج. وسنقول ان كل هذه القيم هي ما يحدد اخلاق القياده السوريه في صراعها الحالي مع معارضيها «الظلاميين التكفيريين» المتعاملين مع اميركا والغرب واسرائيل لاسقاط خيار المقاومه والممانعه واباحه المنطقه لمزيد من الهيمنه الصهيونيه والغربيه.

وفوق ذلك كله، لم تجرِ تلك التجاوزات والمجازر والانتهاكات لحقوق وكرامات السوريين وغيرهم، الا كطفرات براغماتيه في سياق تحقيق الأهداف الساميه في الدفاع عن سوريه.

يفترض ان يبرر ما سبق لجمع العلمانيين واليساريين والقوميين العرب، تاييدهم لحكم بشار الاسد. «فالاصلاحات الكليه» تمضي في طريق «لا عوده عنه» وفيه، علي ما افتي وزير الاعلام السوري المفوه. فالمشكله ليست في عدد القتلي المدنيين الذين يزيد عددهم يومياً عن المئه وخمسين ضحيه، كمعدل وسط، بل في معانده الارهابيين لنهج الاصلاح والتحديث واضطرار القوات العربية السوريه الي معالجه هذا الاستعصاء بما ملكت من وسائل.

يعاكس هذا الكلام الحقيقه، معاكسه الصوره السالبه لاصلها. ومصادره حكم عائلي افتعل صراعاً طائفياً، لمقولات العلمانيه والحداثه والاصلاح، لا تنطلي الا علي من ارادها ان تنطلي عليه. ولا معني لمواقف يساريي الاحزاب المتكلسه ومن يشبههم، الا في رفضهم كل تغيير لا يرون فيه ما يحفظ لهم الفتات المرمي لهم من انظمه الاستبداد والتسلط، وما يغطي ميولهم الطائفيه المستتره.

والمشكله الاكبر مع من استورد قيم الحداثه بعد تمريرها في المصفاه الستالينيه، ان المصفاه هذه باستنادها الي فكره التغيير الثوري الجذري، جردت الحداثه من كل اعتبار اخلاقي ونسبت كل الاخلاق السابقه للثوره الي البرجوازيه والدين والرجعيه. فالاخلاق تنتمي الي البنيه الفوقيه المناط بها الهيمنه علي المجتمع. وعند حصول التغيير الجذري الثوري – لا غير – تنهار القيم السابقه لتنهض قيم المجتمع البديل. هكذا، قالت الكتب.

ولعلها ليست مصادفه ان من يساند الثورات العربيه، وخصوصاً ثوره الشعب السوري، من اليساريين، هو من اعاد النظر في ايديولوجيته وفي مسلماته النظريه ووقف موقفاً نقدياً قاسياً من التجربه السوفياتيه وما انتهت اليه. خرج هؤلاء من مقولات تبرر الغايه فيها الوسيله. ورفضوا ذبح الناس والتضحيه بمصالحهم الملموسه ومعاناتهم اليوميه كثمن مقبول لاستمرار سرديه زائفه بل كاذبه عن مؤامرات كونيه وتوازنات جيو-استراتيجيه تهون في سبيلها حياه عشرات الالاف. هنا، انقسم اليسار العربي انقساماً لا التئام بعده، بين مؤيد لـ «النظام»، كل نظام واي نظام، وبين مدافع عن المجتمع، بكل تجلياته ومعانيه.

بهذا المعنى، تعيد الثوره السوريه، اكثر من الثورات العربيه مجتمعه ربما، الاعتبار الي الوحده الاجتماعيه الاصغر، الانسان، الذي لا يستقيم اي نظام ولا تنهض اي مصلحه تتناقض مع حقوقه البديهيه وكرامته وحريته.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل