المحتوى الرئيسى

عمر طاهر يكتب: الحفيدة المنسية «أمامة بنت زينب بنت النبي»

09/29 10:26

(1) لم يستقر بها المقام في حال واحد طوال حياتها. كانت تعرف ان ميلاد الحزن مجرد عد تنازلي لميلاد الفرح. وما بين المربعات المربكه التي كانت تتحرك في حدودها لم تذكر كتب السيرة انها اشتكت يوما ما.

(2) كانت زينب تُرضِع امامه وتحكي لها عن الجد والجده (محمد وخديجه)، تعلمها ان الحب يصنع للانسان جذورًا تمنع الايام من اقتلاعه، تحكي لها النظريه ثم تقدم اليها تطبيقًا اخر.. قصة حب امها وابيها (زينب بنت النبي وابو العاص بن الربيع). وعندما خرج الاب المشرك ليحارب الجد النبي وقفت الابنه امام باب الدار مهزومه وهي تري كل ما امنت به ينهار في لحظه، وعندما قالت لها زينب انها حرب ستخلف واحده منا، انا او انت، يتيمه، كان ان مسحت ضلعا من اضلاع المربع الذي تقف فيه لتنهار خارجه دون ان يحدها شيء.

(3) وقع الاب اسيرًا في قبضه النبي. وبعد شفاعه من الام زينب اطلق الجد سراحه، علي ان يطلِّق زوجته وتهاجر زينب وابنتها الي المدينه. في الطريق كانت زينب تفكر ان الحب الذي كَتب لزوجها حياه جديده كان هو نفسه الثمن.. فلا حب ولا حياه. فجاه انتفض البعير الذي كان يُقل امامه وامها، فوجدت احد المشركين يروعهما برمحه، سقطت الام علي الارض محتضنه ابنتها، التقت عيناها بعيني الهبار ممسكا برمحه فاشاح وجهه بعيدا، وقبل ان يهم بقتل الام نظر اليها ثم ابتعد، كانت الام مستلقيه تنزف وتبكي علي جنين كان في بطنها هو الان مجرد خيط من الدم يتشربه رمل الصحراء علي مهل. رسمت امامه باصابعها النحيله مربعًا حول الدماء ودفنت فيه شقيقها او شقيقتها لم تعرف بالضبط.

(4) بينما جدها يؤم الناس للصلاه في المدينه كانت تنعس فوق كتفه متونسه بانفاسه. يهم الجد بالسجود فيضعها ارضًا فتشعر بالخوف فتبدا في البكاء. يقوم الجد من السجود فيحملها فوق كتفه ويبدا في التلاوه من جديد.. فتنام. كانت كلمه الله اكبر تعني لها مربعًا كبيرًا به من السعاده ما يعجز الاطفال عن فهمه.. والكبار ايضا. «النبي قَبِل الهديه» وكانت الهديه هذه المره قلاده من الجزع محلاه بالذهب، عرضها النبي علي أهل بيته، فقلن انهن لم يرين احلي منها، فقال النبي: ارددنها اليَّ. امسك النبي بالقلاده وتاملها قائلا: والله لاضعنها في رقبه احب اهل البيت اليَّ. تروي كتب السيره ان السيده عائشه قالت: اظلمت عليَّ الارض خشيه ان يضعها في رقبه غيري منهن، ولا اراهن الا قد اصابهن مثل الذي اصابني. توترت الاجواء في انتظار معرفه من سينال هذا الشرف. كانت امامه نائمه ويبدو ان هذه الضجه قد ايقظتها. قفزت باتجاه حضن جدها، كان علي عينيها غمص، فمسحه بيديه ثم قبلها ووضع القلاده في رقبتها.

كان مربع الفرحه وقتها علي قدر من السعه، يستوعب كل من حضر هذه اللحظه. بعدها بايام استيقظت امامه علي صوت ابيها يدخل الخيمه عليها هي وامها، يستجير بها بعد ان طارده المسلمون في رحله عودته من الشام، وكادوا ياسرونه للمره الثانيه، دخل علي زينب يستجير بها فتجيره، اجتمع شمل الاسره دون مقدمات، ثم انفرط العقد من جديد، قال له النبي «انها لا تحل لك»، ثم ضمن له سلامه العوده الي اهله. كانت امامه تغلق عينيها كل يوم علي ملامح الاب حتي لا تنساها من جديد، كانت تستذكرها جيدا وتدقق في مواضع الشيب حتي تميزه بها، تحاول ان تتذكر لون عينيه فتفشل، فتسال امها، تاتيها الاجابه غير مقنعه، فتحدد اللون الذي يرضيها.

كان ظهور الاب ورحيله غير موجع، فقد رات في عيني امها انه سيعود. فعاد بالفعل.

اسلم الاب فرد عليه الجد زوجته. المربع الان يليق بصبيه حالمه.. خافت ان يهرب الاب مجددًا فحوطته باسوار.. ولكن من الورود. ما بين جد هي احب اهل بيته اليه، واب وام بدا حبهما صلبًا لا يهزمه شيء، عاشت امامه اجمل ايامها الي ان بدات صحه زينب في التراجع.

(5) كان الجد يشرف بنفسه علي تغسيل ابنته زينب. «غسِّلنها ثلاثا او خمسا او اكثر من ذلك بماء وسدر، واجعلن في الاخره كافورا».. قال النبي. ثم طلب منهن ان يبلغنه عندما ينتهين. وعندما فعلن خلع النبي ازاره ثم مده اليهن، وطلب منهن ان يضعنه علي جسد ابنته حتي تشعر به. وفي اللحظه التي هبط فيها ثوب الرسول علي وجه زينب كان ابو العاص يحتضن امامه ويبكيان في مكان ما.

(6) في بيت خالتها فاطمه، كانت امامه تبدا حياتها الجديده، اولاد الخاله الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم. كان الجميع يغمرها بحب كان له طعم يختلف من شخص لاخر. كان الاب يري فيها قصه حبه وكانت هي دواءه من حزنه علي رحيل الزوجه. وكان الجد يري فيها ابنته، ثم يدقق النظر فيري خديجه الزوجه وحبه الاول. وكانت فاطمه تري فيها مستقبل نساء الاسلام، كما تحلم به، فاحتضنتها بالعلم والفضيله. كانت تتنقل كفراشه بين مربعات المحبه الي ان بدات تتهاوي واحدا تلو الاخر.

ثم رحلت الخاله بعده بشهور. كانت تشكو لابيها من حزنها فلم يرد.. دققت النظر الي عينيه، فتاكدت ان امها كانت محقه عندما اخبرتها عن لونهما، كانت تعتقد طوال الفتره الماضيه ان لونهما كما تخيلت بالضبط، الي ان فوجئت انها كانت مخطئه بينما تسبل عيني والدها لينام الي الابد.

(7) كان ابو العاص قد اوصي الزبير بن العوام ان يكون ولي ابنته، فاخذها لتعيش في كنفه هو وزوجته أسماء بنت أبي بكر. كان الزبير واسماء يسعيان لمرضاه النبي ميتا كما كانوا يسعون لمرضاته حيا، وكانوا يعرفون ماذا تعني له امامه، فكانت محبتهما لها فتره نقاهه من الاحزان التي استهلكت قلبها الصغير، الي ان حان موعد الفرح من جديد. قال علي بن أبي طالب للزبير لقد اوصتني فاطمه رحمها الله بالزواج من امامه.. فكان الزواج. عاشت امامه تنهل من علم وكرم علي، وكان علي يحبها في الله ورسوله، الي ان اصبح امير المؤمنين، ثم استيقظت يوما علي مقتله.

كانت تدور حول جثمان علي حائره، لا تدري ماذا تفعل، شعرت انها لم تكن بحاجه اليه من قبل مثلما تشعر بذلك في هذه اللحظه بالذات، كانت تطوف حوله وتطوف براسها المشاهد كلها، حب ثم حرب ثم فراق ثم سعاده ثم دفء ثم موت ثم عائله جديده فموت ففراق ثم يُتْم فحزن ففرح فارمله تدور حول جسد زوجها، انهارت علي ركبتيها امام جسد علي وضعت راسها علي بطنه وبكت كما لم تبك من قبل، بينما ترفع اصبعها باشاره التوحيد.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل