د. حسين عبد البصير يكتب: الفن في عصر الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث

يعتبر عصر الدوله الحديثه العصر الذهبي للفنون والثراء في مصر الفرعونية. وتاتي الاسره الثامنه عشره علي راس هذه الدوله التي كانت فتره مجيده في تاريخ مصر القديمه. واقامت مصر فيها امبراطوريه متراميه الاطراف في اسيا وافريقيا وجلبت خيرات البلدان الاجنبيه من تلك الاماكن الي البلاط المصري مما زاد من الرفاهيه والثراء والرخاء والتنوع الثقافي والعرقي في تلك الفتره. وظهر ذلك جليا في الفن المصري القديم في ذلك العصر. وفي النصوص الادبيه المصريه القديمه من ذلك العصر، صور ملوك تلك الفتره علي انهم مثال للحكمة والقوه والشجاعه.

وظهر الملوك الفراعنه في عصر الدوله الحديثه في تماثيل بطوليه ذات احجام كبيره وشيد الملوك المعابد الكبيره للالهه في مدن البلاد الكبري خصوصا في طيبه. وضمت تلك المعابد العديد من الاثار الثمينه من كل الانواع. وشهد عهد الملك تحوتمس الرابع، والد الفرعون الشمس أمنحتب الثالث، بدايه التحول والتغير في البيئه الثقافيه في الاسره الثامنه عشره نتيجه الفتوحات الحربيه المصريه في الخارج وبالتبعيه جلبت ثروات مهوله وافكار جديده وافده للبيئه المصريه مما ادي الي حدوث تلاقح ثقافي مدهش بين القيم المصريه الاصيله والتقاليد الوافده الجديده مع تدفق البضائع والبشر الي ارض مصر، ام الدنيا، والاتصال بالعالمين الافريقي والاسيوي وكذلك عالم البحر المتوسط المتنوع.

وعبر الفن المصري القديم في عصر الدوله الحديثه خير تعبير عن تلك التجديدات والتحولات الفنيه المدهشه التي ابدعتها الذائقه الابداعيه والمخيله المصريه وفقا لرؤيتها الابداعيه الخالصه فتم استيراد افكار زخرفيه عديده مثل الطائر الراكض والخط الحلزوني وسعف النخيل وغيرها. واتسم الاسلوب الفني المصري الجديد بسيوله الخطوط واستخدام الالوان بسخاء اخاذ وكذلك استخدمت اشكال فنيه جديده تميزت بالانسيابيه والاندفاع. ومإل ألفنانون الي ابراز الجانب الحسي بشكل رمزي او صريح في عدد من الاشكال التعبيريه والتصويريه القديمه والجديده علي السواء مثل الاشعار الحسيه وتماثيل النساء العاريه. وظهر هذا الاتجاه ايضا علي ملاعق الزينه والازياء وطرزها والمجوهرات. وصورت الاشكال رقيقه. وعولجت السطوح باسلوب يميل الي الحسيه الراقيه. وشاعت التماثيل الصغيره المصنوعه من مواد مختلفه، وصلقت بشكل كبير، وظهرت فيها التفصيلات، وصنعت العيون والحواجب فيها من الزجاج او الخزف وايضا طعمت. وكبر حجم التماثيل المعدنيه.

وبالنسبه للملك امنحتب الثالث وولعه غير المسبوق بالبناء والفن والعماره والتشييد، فقد اهتم بترميم ودراسه اثار اجداده من الملوك الاقدمين ملوك مصر السابقين وقلد التمثال الشهير لجده الملك خفرع في تمثال له كان موجودا في مقبرته بطيبه الغربية (والان في متحف جامعه لندن) ويظهره راكعا وكان يحمي راسه الاله حورس مثل الحال في تمثال الملك خفرع المعروف عالميا. وفي النصف الثاني من حكم الملك، اشرف الملك شخصيا - او من خلال مستشاريه المقربين - علي تعديل المباني الدينيه في طيبه واضاف اليها معبده الجنائزي الضخم في منطقه كوم الحيتان.

واقام الملك امنحتب الثالث عددا كبيرا من المشروعات المعماريه العظيمه لم يبق منها سوي القليل مثل معبده الجنائزي الكبير في طيبه الغربيه الذي لم يبق منه سوي تمثالا ممنون الشهيران اللذان كانا موجودين علي مدخل المعبد، ومعبد الالهه موت في الكرنك، والصرح الثالث بالكرنك، ومقام مونتو ومعبد ماعت في الكرنك. وقام ايضا باضافات مهمه لمعبد الاله جحوتي في هرموبوليس (الاشمونين في المنيا). غير ان اهم اثاره المعماريه الكبري الباقيه هو معبد الأقصر بلا شك، وفيه نحتت تماثيل الملك الممتازه من الجرانيت الاسود والاحمر لكن بالاسلوب التقليدي الرسمي دون ان تظهر مكنونها الداخلي الذي كان يريد الملك ارساله الي مشاهدي تلك التماثيل. وامر ايضا الملك امنحتب الثالث بتشييد اعمال ضخمه في الاقصر ومدينه هابو واماكن عديده كان من بينها نحت اكثر من خمسمائه تمثال لالهه طيبه المعروفه الربه سخمت في معبد الالهه موت بالبحيره المقدسه "اشرو" بالكرنك.

وفي البدايه، ظهر الملك علي اثار عصره في الصوره التقليديه كملك رياضي وبناء عظيم قبل ان يركز علي صورته الالهيه كي يؤكد علي مكانته العاليه في المجتمع المصري القديم. وقام مهندسه الشهير أمنحتب بن حابو بتخطيط وتنفيذ برنامج معماري ضخم يلبي رغبات وطموحات ملكه العارمه للخلود والتميز بين ملوك مصر اجمعين.

وعموما فقد تميزت ملامح وجه الملك الفنيه، خصوصا في تماثيله، بالخطوط الخارجية السميكه، والعيون اللوزيه الشكل، والشفاه البارزه، والحواجب المقوسه، والانف المحدد. ومع مرور الوقت، اصبحت الشفاه اكثر استداره، وتغير الانف قليلا، مع ميل الي التجريد، والواقعيه في التعبير. وفي العقد الاخير من حكم الملك امنحتب الثالث، مال الفن الي الاسلوب الواقعي؛ فنري الملك مصورا في تماثيل سنواته الاخيره بدينا. وايضا ظهر واجما من اثر الاجهاد والارهاق، وفي صوره بشريه. وصار التعبير الحر مصرحا به. وهناك من الدارسين من يعزو تلك التحولات الفنيه الكبيره في نهايه حكم الملك امنحتب الثالث الي تاثره بالافكار الدينيه لولده وولي عهده امنحتب (أمنحتب الرابع/اخناتون بعد ذلك) الذي ربما شارك والده الملك المسن في الحكم في نهايه فتره حكمه لبعض من السنوات غير معروف عددها علي وجه التحديد.

وفي نهايات حكم الملك امنحتب الثالث، حدث تعديل في تشكيل العيون، وفي شكل جفن العين العلوي، وتم تخطيط الحواجب بطريقه طبيعيه، واصبح الخط الفاصل بين الشفتين منحنيا مزدوجا، وتحولت الابتسامه السابقه الي تقطبيه حزينه، واصبحت الاذنان شحميتين اكثر.

وتشير الاثار الملكيه وغير الملكيه من عصر الفرعون الشمس الي اهميه زوجته الملكه تي طوال فتره حكم زوجها؛ فقد عثر علي عدد كبير من التماثيل في احجام ومواد مختلفه تصور الملكه مع زوجها، بينما تظهرها النقوش تساعده في كثير من طقوس العباده، وتشاركه في الاحتفالات خصوصا الاحتفال المعروف بـ"حب سد". ووصفها احد النصوص بانها ترافق الملك مثل الالهه ماعت حين ترافق اله الشمس رع.

ومن ابرز ملامح عصر الفرعون الشمس الفنيه ما يعرف بـ"الجعارين التذكاريه" التي انتجت في عصره بكثره لتمجد الملك وتعظم من شانه في مصر وخارجةا ولعل الملك اهداها لكبار رجال بلاطه. ومن بينها اكثر من ستين جعرانا تذكر الملك امنحتب الثالث وزوجته الملكه تي وتعرف بـ"جعارين الزواج"، وست منها تحتفل بزواجه من اميره ميتانيه، فيما يذكر حوالي اثنى عشر منها شق بحيره للراحه والاستجمام في بركه هابو (في طيبه الغربيه) اقامها الملك حبا في زوجته الغاليه الملكه تي، ومن بينها ايضا ما يمجد صولات وجولات الملك في صيد الثيران والاسود.