المحتوى الرئيسى

عبدالعزيز حسين الصاوي يكتب:من الناصرية إلى الإسلاميين

09/08 12:24

كانت الناصريه مشروع ثوره مضاده بالضبط لان الانجازات التي خلعت عليها صفه الثوره، في الاستخدام العشوائي الساري لهذ المصطلح، حرمتها استيفاء شروطه الجوهريه بالمعنى المستخدم هنا: الجلاء، التصنيع، مجانيه التعليم، الاصلاح الزراعي الخ.

وقد قابَلها الانجاز المضاد المتمثل في تصفيه عناصر التنوير والعقلانيه، البيئه الحاضنه للديموقراطيه، التي ترسبت في التجربه المصريه التاريخيه منذ الحملة الفرنسية وعهد محمد علي وظهرت تجلياتها في عصر الافغاني - عبده ثم في العصر المواكب زمنياً لنشوء حركه الضباط الأحرار لدي شخصيات مثل طه حسين ولطفي السيد. ايقاف المسار الديموقراطي في تموز (يوليو) 52 ثم الغاؤه، بدلاً من تنميه عوامل تصحيحه، خلق الاوضاع التي ادت لوقوع العقل المديني، القائد الفعلي لمسيره المجتمع والنهضه، فريسه تخلف الوعي العام واللااستناره. تمظهر ذلك في تجذر الإسلام السياسي الاخواني ووليده الشرعي التكفيري في شرايين وخلايا مجتمع بناء الصناعه الحربيه والمدنيه والسد العالى وحزب الملايين الواحد، ليظهر بشقّيه كاكبر قوه سياسيه في انتخابات 2012 المفتوحه بديلاً لخلفاء النظام القابض بهيبه الزعيم مثلما بقهر اجهزه دولته.

علي ان هذا المسار اليوليوي لم يكن اختيارياً. فقياده عبدالناصر كان محكوماً عليها التحول الي اداه لنقض احلامها النبيله ووعودها الصادقه ذاتياً، وهنا تكمن التراجيديا. حينذاك كانت الديموقراطيه قرينه الاستعمار الغربي الرابض علي الارض المصريه، وممثلوها الوفديون يترنحون من ورطه تشويهيه الي اخري في ما يبدو ائتماراً بامر الملك والاحتلال بينما البنيه الايديولوجيه للنخب المرشحه بديلاً للنخب التقليديه التي اسقط الضباط الاحرار سلطتها، كانت متنافيه مع الديموقراطيه يميناً ويساراً.

من الناحيه الاخري كان نجم تيار الاشتراكيه اللاديموقرطيه يتلالا خلاباً في ارجاء الكون. انظمه فتيه بقياده الاتحاد السوفياتي تشيد المدينه الفاضله بنهج علمي ولا تبخل بالدعم للعالم الثالث. فوق كل ذلك، واكثر مضاء في استبعاد الديموقراطيه عن مجال النظر والاعتبار، كان ارتفاع الزعامه الناصريه وسياساتها فوق النقد علي روافع جاذبيتها الشعبيه الشاهقه بمميزات عبدالناصر الشخصية وتلك المكتسبه من الانجازات الماديه السريعه لنظامه ومن تجاوبه مع طموحات التنميه والوحدة العربية ومقارعه النفوذ الاميركي السائد وقتها. وفي القوه الاستثنائيه للاعلام المصري عهدذاك مقارنه بغيره، مسموعاً ومرئياً ومقروءاً، فضلاً عن تقدم صناعه السينما وشعبيه المطربين/ ات المصريين، تضاعف تاثير هذه العوامل.

والتقاء هذه العوامل المتعدده والمتباينه رفع عبدالناصر الي مرتبه نصف الاله في الخيال الجمعي المصري والعربي التي تعززت طاقتها الترويضيه للمثقفين بعدم اضطراره، مع توافر هذا الرادع المعنوي، لاستخدام العنف العاري. كل هذا، مع الحضور الملموس للانجازات والاستخبارات، الجزره والعصا، بما انشا علاقه تناسب طردي بين تنامي هيبه الزعيم وتقلص مجالات الابداع والفكر النقدي وتالياً امكانيه تلافي مزالق النموذج الناصري نحو اهتراء احشائه الداخليه، بحيث تطلب الامر هزيمه مذله وساحقه في ساحه حرب 1967 ليظهر علي الملا مدي سطحيه عمليه التغيير الناصريه. فقد بقي عمق المجتمع المصري علي ركوده، ان لم يكن ازداد تخثراً وتعفناً.

بيد ان هذا المصير الفاجع لاهم محاولات النهضه العربيه بمقياس شعبيتها/ شعبويتها وتاثيرها خارج حدودها، وليس الجذريه الحقيقيه لانجازاتها، لم يفلح في استئناف عصر النهضة الحقيقي من نقطه الافغاني - عبده وخلفائهما، لان الانتشار التحتي للتدين الاجتماعي والسياسي التقليدي تحت انف سلطه التغيير الناصريه واجهزتها افضي الي تمتين ركائز هذا التيار في العقل العام. بهذا المعني المحدد خدمت الناصريه الاسلاميين، وعطلت امكانيه النهضه الكيانيه العميقه، حيث ارادت العكس.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل