المحتوى الرئيسى

على شاشتنا محجّبة

09/06 18:27

ابرزت الصحف العربيه قرار تعيين مذيعه محجبه لتقرا الاخبار في التليفزيون المصري واعتبرته خبرا مهما، حتي ان صحيفة الشرق الأوسط السعوديه نشرته علي اربعه اعمده في قلب صفحتها الاولي (يوم الاثنين 3/ 9).

افهم ان القرار كان حدثا استوقف كثيرين، اذ استُقبِل بالحفاوه من البعض والدهشه والامتعاض من اخرين، والحيره من جانب فريق ثالث؛ ذلك ان ظهور محجبه في التليفزيون المصري ظلّ من المحرمات منذ نشا التليفزيون قبل نصف قرن، وظلت البرامج الدينيه هي الوحيده التي استثنيت من القرار علي مضض، تشهد بذلك السيده كاريمان حمزة التي عانت الامرّين بسبب حجابها، وسجّلت ذلك في كتابها "لله يا زمري"، وهناك اخريات ادركن ان التزامهن بالحجاب يعني علي الفور اختفاءهن من الشاشه، وتحويلهن الي مذيعات من الدرجه الثانيه، يحرم عليهن دخول استوديوهات البث.. والحظر الحاصل في التليفزيون تكرر في مواقع اخري مثل مصلحه الاستعلامات ووزاره السياحه وشركة مصر للطيران، الامر الذي شجّع بعض اصحاب المطاعم والمقاهي علي منع دخول المحجبات في محالّهم، وقيل لي ان زوجات الدبلوماسيين المصريين المحجّبات كن يعتبرن خصما من رصيدهم يؤثر علي فرصهم في الترقي وعلي العواصم التي يوفدون اليها.

من ناحيه اخري، فالعاملون بالوسط الصحفي يعرفون جيدا ان المحجبات لم يكن مرحبا بهنّ في القصر الجمهوري ابان عهد الرئيس السابق؛ لان "الهانم" كانت تمتعض من وجودهن، ويتداول البعض حكايات كثيره عن ضغوط مارستها قرينه الرئيس السابق لاقناع اخريات من زوجات المسئولين بخلع حجابهن.

عقب صدور قرار وزير الاعلام سابق الذكر تلقّيت اتصالات هاتفيه عديده سالني اصحابها عن رايي في الموضوع، فكان ردي في كل مره ان القرار بمثابه خطوه باتجاه تطبيع العلاقات بين السلطه والمجتمع؛ اذ لم يكن غريبا ان تظهر مذيعه محجبه علي شاشه التليفزيون، ولكن الذي كان غريبا حقا ان يتطور المجتمع وتزداد فيه مظاهر التدين، بحيث يصبح للحجاب حضوره القوي في جميع انحاء مصر والاغلبيه الساحقه من مؤسساتها ومرافقها، ثم لا نجد صدي لذلك في التليفزيون طوال اكثر من نصف قرن، حتي بدا منفصلا تماما عن واقع المجتمع وواجهه لبلد اخر غير مصر.

اما الاشدّ غرابه من ذلك فان يتصور البعض ان مصر المزوّره (المخاصمه لمظاهر التدين) التي تظهر علي شاشات التليفزيون هي مصر الحقيقيه، وان حظر ظهور المحجبات هو الاصل، الامر الذي دعا هؤلاء الي الامتعاض حين فوجئوا بان محجبه انضمّت الي اسره التليفزيون الرسمي، وانها ستظهر علي شاشته قارئه لنشرة الاخبار.

ليس الامر مقصورا علي التليفزيون؛ ذلك ان ثمّه شريحه بين المثقفين والسياسيين اوهمت نفسها بالفكره الاخيره، واعتبرت ظهور الحاله الاسلاميه في الساحه السياسيه المصريه بعد الثوره مفاجاه لم يتوقعوها.. وتجاهل هؤلاء حقيقه ان ذلك الظهور حدث لان الانتخابات تمّت بحريه ونزاهه، وان احتكار عناصر الشريحه المذكوره للصدارات في السابق لم يكن سببه ان لهم تاييدا شعبيا يُذكر، ولكن لان نتائج الانتخابات كانت تزوّر لصالحهم.. بمضي الوقت استعبط اخواننا هؤلاء وصدّقوا انهم وحدهم يمثلون المجتمع، وان غيرهم لم يعد له وجود او دور.. لذلك فانني افهم مبررات شعورهم بالمفاجاه والاستياء مما افرزته اجواء ما بعد الثوره.

حين اثار هذا الموضوع معي بعض الصحفيين الاجانب الذين توافدوا علي القاهره بعد الثوره، قلت انني قد استغرب ظهور ممثلي التيار الاسلامي في بلد بوذي او في الفاتيكان مثلا.. لكني لا اجد غرابه في ان يحدث ذلك في بلد مسلم ومجتمع محافظ، واعتبرت ان السؤال في هذه النقطه هو الذي يثير الدهشه ويبعث علي الاستنكار.. في حين ان السؤال الصحيح هو ما اذا كانت المذيعه تتمتع بالكفاءه التي تمكّنها من القيام بمهمتها ام لا.

الاستهجان لا يقتصر علي الذين استنكروا السماح لمذيعه محجبه بقراءه نشره الاخبار في التليفزيون الرسمي، لكنه ينسحب ايضا علي بعض الذين بالغوا في الحفاوه بالقرار الذي اعتبره ايجابيا بكل المعايير، حتي نُقل علي لسان احدهم قوله انه حين علم بالامر تاكد من ان الاسلام دخل فعلا الي مصر.. وهو تعليق ينطبق عليه قول من قال ان صاحبنا جاء يكحلها فاعماها؛ ذلك انه اعطي انطباعا بان ظهور المذيعه المحجبه بمثابه علامه فارقه في انتقال مصر من الجاهليه الي الاسلام، في حين ان القرار يصوِّب موقفا اداريا وسياسيا مغلوطا.. وحين اراد ان يمتدحه فانه انزلق الي هجاء المجتمع والحطّ من شانه، وتجاهل ان الاسلام موجود وراسخ القدم في مصر قبل تعيين السيده المحجبه، وقبل ظهور حزب الحريه والعداله، وقبل ان يكون للاخوان وجود علي ارض مصر.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل