المحتوى الرئيسى

محمود تركماني:''لا مكان لي في لبنان بسبب نظامه الطائفي المعقَّد''

09/02 11:19

من منفاه في سويسرا يثري المؤلف الموسيقي وعازف العود اللبناني العنيد محمود تركماني الموسيقى الشرقية وكذلك الموسيقي الغربيه باعمال غير تقليديه تقوم بدمج العناصر التقليديه مع التجريبيه. شتيفان فرانتسن التقي الموسيقار تركماني واجري معه الحوار التالي لموقع قنطره.

السيِّد محمود تركماني، من المثير للانتباه في لبنان وجود الكثير من الموسيقيين الذين يحاولون الجمع بين التقاليد والحداثة. هل تعتبر نفسك جزءاً من هذه الحركه؟

محمود تركماني: انا انظر الي نفسي اكثر علي انَّي محارب وحيد. ولفتره طويله من الزمن لم اكن اريد ان تكون لي ايه علاقه بالتقاليد العربيه، وذلك لانَّني كنت اعتقد انَّ هذه الموسيقي متخلفه تمامًا مثل المجتمعات العربيه. وثم لاحظت انَّنا نحن الموسيقيين الشرقيين نخاف من التقاليد. ولذلك نلجا الي اللغه الموسيقيه الغربيه التي تسمح في الواقع استخدام كلِّ شيء.

مؤلف موسيقي يتجاوز التصنيفات والحدود الموسيقيه - تمتد مؤلفات محمود تركماني الموسيقيه من اوركسترا الحجره والتمثيليات الاذاعيه والفلامنكو والموسيقي الحديثه وحتي الارتجإل آلحرّ.

عندما تتحدَّث حول "الخوف من التقاليد" فهل تقصد بذلك الخوف من تغيير هذه التقاليد؟

تركماني: لا، بل المشكله انَّ معظم الموسيقيين والمؤلفين الموسيقيين لا يعرفون تقاليدهم معرفه جيده قطّ. ومن لا يعرف هذه التقاليد جيدًا لا يمكن ان يطوِّرها ويغيِّرها. وانا في المقابل كنت اعرف التقاليد جيدًا ولكنني لم اكن اريد الاهتمام بها. وبالاضافه الي ذلك لقد تم تلقيني في معهد الموسيقي في موسكو انَّ الموسيقي الشرقيه هي فلكلور لطيف ولا مكان لها في هذا المعهد. واستغرق الامر وقتًا طويلاً حتي تمكنت من التغلّب علي هذه الحواجز. وكنت اتساءل دائمًا لماذا لا يجرؤ اي مؤلف موسيقي عربي علي تاليف حفل موسيقي منفرد حقيقي يعزف علي اله موسيقه عربيه تقليديه. والكثيرون يعتقدون انَّك اذا كنت تدمج الة العود مع الاوركسترا الاوروبيه فانت مبتكر وتبني جسورًا بين الثقافات. ولكن لا توجد هنا سوي محاولات خجوله جدًا وتافهه ومزركشه ويغلب عليها الطابع الغربي.

لقد اوجدت اسلوبًا مختلفًا وعلي الفور تمت مهاجمتك في مؤتمر للموسيقي العربيه. هل يمكنك اخبارنا كيف حدث ذلك؟

تركماني: كانت تلك علي الاطلاق المره الاولي التي تجرات فيها علي الاهتمام بالموسيقي التقليديه. وقبل ذلك حقَّقت مؤلفاتي الموسيقيه التي كتبتها للرباعيات الوتريه وخماسيات بلوك فلوت واوركسترا الحجره في كلّ من القاهره والجزائر والمغرب نجاحًا كبيرًا. وما دام المرء يؤلف لهذه الآلات الموسيقية الغربيه فيمكنه ان يفعل ما يشاء. وثم جازفت بالعمل في فرقة موسيقية عربيه واستخدمت الاساليب نفسها ونفس الاهتمام وقمت باعداد العديد من "الموشحات" العربيه الاندلسيه. وقبل ذلك كان يتم استقبالي بحراره كواحد من بناه الجسور ولكن فيما بعد كانت ردود الفعل مدمِّره.

هل يعود سبب ذلك الي كون المشاركين في هذا المؤتمر يعتبرون التقاليد مقدَّسه ولا يجوز المساس بها؟

تركماني: هذه هي عقليه الخاسر. وبنظري لم يتبق من المشرق منذ طرد العرب من الاندلس شيء سوي الدين والتقاليد التي تكتنف الموسيقي والحياه الجنسيه. وعندما يقدم شخص ما علي التطرّق الي هذه التابوهات الثلاثه فعندها يشعر المرء بانَّه غير امن ويتعرَّض لهجوم. وبعد ذلك تمامًا مررت بهذه التجربه في كلّ من المغرب والجزائر والاردن. ولم اكن اريد في اخر المطاف الرقص علي انغامهم وكان ردِّي علي هذه الاهانات بعملي "يا شر موت" الذي وصفت فيه نفسي بانَّني "شرموت".

وعندها لم يعرفوا علي الاطلاق كيف يردون علي ذلك لانَّ هذه اسوا شتيمه في اللغة العربية. وعلي ايه حال انَّ "موشحاتي" تُدرَّس في المعاهد الموسيقيه في كلّ من تونس والدوحه ولكنهم يكتمون اسمي. ولم ينكشف ذلك الاَّ عندما عمل معي في وقت لاحق طالبان من هناك وكانت دهشتهما كبيره بعد ان علما انَّ هذه الاعمال من مؤلفاتي الموسيقيه. وبالتالي فانا تمكَّنت علي ما يبدو من تغيير شيء ما.

كثيرًا ما يتعرَّض محمود تركماني في العالم العربى لانتقادات شديده بسبب موسيقاه التجريبيه وحتي انَّ بعضهم اتِّهموه في المؤتمر الدولي للموسيقي العربيه في القاهره بالخيانه وقد ردَّ علي ذلك بعمله المعروف "يا شر موت".

لقد غادرت لبنان في فتره الحرب الاهليه. فهل شكَّلت في تلك الفتره المحرَّات التي تحدَّثت عنها دوفع مغادرتك بلدك؟ وهل تستطيع تصوّر العوده الي هناك في ظلِّ ظروف معينه؟

تركماني: لا اريد ان اكون شخصًا مملوءً بالحنين الي الماضي والوطن. فانا لا اري في الوقت الراهن اي مستقبل لي في لبنان ولا حتي في جميع انحاء العالم العربي. كما انَّني من اصحاب الفكر المستقل الذين لا مكان لهم هناك وخاصه في لبنان بنظامه الطائفي المعقَّد. وعلي سبيل المثال اذا كنت تريد الحصول علي وظيفه ما هناك فيجب عليك ان تاخذ بعين الاعتبار عدد الموظَّفين السنَّه والموارنه والشيعه الموجودين في دائره ما. اذ لا يتم تعيين الشخص بناءً علي قدراته بل بسبب انتمائه الي جماعه ما وتعاطفه مع احد الحمقي.

وانا افضِّل مواصله العمل ضمن اطار معيَّن في هذه البلدان او تنفيذ مشاريع فيها. وهذا لا يحتَّم عليّ ان اكون هناك بالضروره لانَّ العالم قد اصبح صغيرًا. كنت في السابق ثوريًا ومن المتحمِّسين لاغاني مارسيل خليفه اليساريه السياسيه. كما انَّني كنت شيوعيًا ولم اكن اريد تغيير العالم العربي وحده بل تغيير العالم برمَّته وجعله اشتراكيًا. وامَّا الان فانا اكافح بوسائل اخري حتي لا ادع العالم العربي يغيِّرني.

من الممكن ان يتوقَّع المرء من شخص مثلك ان يبحث عن الالهام الموسيقي في باريس او لندن... كيف تبدو الحياه بالنسبه لمفكِّر مستقل في الريف السويسري؟

تركماني: تسود في سويسرا اجواء جيده جدًا. والناس هنا متسامحون معي وحتي انَّهم يتقبَّلونني ويقدِّمون لي العمل ويساندونني في مشاريعي. وانا الان اشعر براحه كبيره في هذه القريه التي تقع بالقرب من مدينه برن ويبلغ عدد سكَّانها مائتي نسمه. وطبعًا لا احد يفهم هنا موسيقاي ولكنهم يعتقدون انَّني رجل ذكي وافعل شيئًا مفيدًا. والمدن التي ذكرتها جيِّده للاشخاص الذين يعزفون موسيقي عالميه اطلق عليها اسم "تبّوله موسيقي" مثل الموسيقى التصويرية في اعلان لماكره بينيتون فيه كلّ شيء لطيف جدًا والجميع يحبّون بعضهم.

حرب المذاهب: الصراع السعودي- الايراني علي النفوذ

مدينه لا تشبه سواها ـ بيروت في عيون اوروبيه

تعدّ اعمالك تجريبيه للغايه فهل تشعر بارتباط مع الموسيقي الجدده، الموسيقي ذات النغمه الاثنا عشريه؟

تركماني: لا علي الاطلاق، انا لا استخدم سلم النغمه الاثني عشريه ولا حتي المقامات، بل ابحث عن الموسيقي في داخلي، في لغتي الموسيقيه الخاصه. ومن الممكن ان ابدا فجاه التاليف باسلوب جديد يستطيع التعبير حسب التقنيه الانسب عن مشاعري وعن افكاري، اذ انَّني لا اريد ان اكون عقائديًا قطّ. وفي عملي "يا شر موت" اردت وبمختلف الوسائل اظهار الاهانات التي انهالت عليَّ. ولهذا السبب تسمع في هذا العمل عناصر مختلفه تمام الاختلاف، متناغمه وغير متناغمه وتجريديه ومحدَّده وكذلك ايضًا عناصر تقليديه. لقد تجاوزت التصنيفات.

اذا كنت تكتب بشكل غير مقصود وتتجنَّب العناصر المتناغمه من دون قصد، فما هي المعايير التي تعتمدها في التاليف الموسيقي؟ هل تعتمد لغه حره تمامًا ومرتجله؟

تركماني: الارتجال ايضًا جزء من عملي الابداعي، ولكنني لا احب استخدام هذه الكلمه وذلك لانَّها تشير دائمًا وبسرعه الي موسيقى الجاز. في الموسيقي الشرقيه لدينا وصف افضل بكثير هو الابتكار في اللحظه. وانا اميل الي هذا التفسير. تعلمت اثناء دراستي انَّ بوسع المرء وضع هياكل قبل البدء بالتاليف. والان اصبحت علي العكس تمامًا، اصبحت اجلس امام ورقه بيضاء او امام الحاسوب واسلّم نفسي ليداي او فمي. ومقطوعاتي الموسيقيه تتطوَّر من خلال مشاعري التي اشعر بها في تلك اللحظات مثل كره الثلج التي تتكوَّن في احجام واشكال مختلفه. والاسلوب بالنسبه لي نوع من انواع السجن.

لقد عدت من جديد الي اله العود بعد ان قطعت طريقًا طويلاً مع اله الغيتار الكلاسيكي التي درستها في موسكو. فهل ما يزال العود بالنسبه لك الاله الموسيقيه العربيه بامتياز؟

تركماني: لقد رافقني العود منذ ان كان عمري خمسه اعوام. وكرهته لانَّني كنت اعارض دائمًا وبشكل تلقائي بسبب العناد او الغباء كلَّ ما كان يحبه والدي. وكنت اريد دائمًا ان ينظر لي علي انَّي عازف غيتار، وذلك لانَّ الغيتار كان يعني بالنسبه لي العالم الجديد الليبرالي بينما كان العود يجسِّد الاغاني الابديه المفعمه بالحزن والبكاء. ولكن اله العود اله رائعه لديها لغتها الخاصه بها التي يمكن من خلالها التعبير عن شيء لا يمكن التعبير عنه بايه آلة موسيقية اخري. وكنت اتساءل هل هذه الاله الموسيقيه هي المتخلفه؟ بالطبع لا وثم ادركت نَّ الوحيد المتخلف هو انا بالذات. ومن الممكن ان تكون علاقتي بهذه الاله الموسيقيه حداثيه او معاصره، تقليديه او من الطراز القديم، ولكن ليس الاله بحدّ ذاتها.

سبق وان الفت موسيقي مسرحيه "عوده ليليث" وشاركت في انجاز تمثيليه اذاعيه اسمها "المحيط في كشتبان". وقريبًا ستصدر لك مجموعه كامله من التسجيلات الجديد. هل لك ان تعطينا فكره عن بعض اعمالك!

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل