المحتوى الرئيسى

في أصول الشخصية الوطنية المصرية‏(2)‏

09/02 01:19

مع زمن الفتح العربي الاسلامي لمصر كان المصريون قد فقدوا الشعور بمصريتهم‏;‏ وصاروا في العصر الاسلامي لا يعون انهم اصحاب قوميه خاصه‏.

لانهم قد صاروا- في ظل المسيحيه, وبخاصه في ظل الاسلام- يميزون بين الناس علي اساس عقيدتهم الدينيه قبل كل شئ, كما زعم الدكتور صبحي وحيده في كتابه في اصول المسأله المصريه.

لكن طاهر عبد الحكيم في كتابه عن الشخصيه الوطنيه المصريه يجتهد في قراءته لتاريخ مصر المسيحيه; فيختلف مع الراي السابق للدكتور صبحي وحيده ويتفق مع راي حسين فوزي في سندباد مصري, ويسجل ان تحول المصريين عن دياناتهم القديمه الي المسيحيه كان شكلا من اشكإل آلمقاومه ضد الظلم الاجتماعي, ومظهرا من مظاهر المقاومه الوطنيه ضد الحكم الاجنبي. فقد كان المصري في اسفل السلم الاجتماعي يعلوه اليهودي, والاغريقي يعلو اليهودي, والروماني يعلو الجميع, وكلهم كانوا ينظرون الي المصري باحتقار!! فجاءت الكنيسه المصريه لتقدم باساقفتها ورهبانها القياده الوطنيه المفتقده, ولتقدم اطارا مذهبيا للصراع ضد الرومان كمحتلين وكمستغلين. فكانت حملات الاضطهاد التي وصلت الي ذروتها في عهد دقلديانوس الذي عرف باسم عصر الشهداء.

ويورد عبد الحكيم ما خلص اليه المؤرخ والمستشرق الغربي كريستوفر داوسون من ان الكنيسه المصريه كانت تمثل القوميه المصريه, وانه اذا كان علي راس الطبقات الحاكمه اسياد اجانب جلسوا علي عرش فرعون, فان المصريين كان لهم بطريركهم الذي يتزعم الكنيسه المصريه, والذي تلتف حوله جميع القوي الوطنيه المصريه. وقد برز نضال الكنيسه المصريه في الانتفاضات الشعبيه والفلاحيه التي قادها الرهبان, والتي اتسع مدي احداها حتي تحولت الي ما يشبه الثوره الشامله. لكن عبد الحكيم يقترب مجددا من الاتفاق مع صبحي وحيده, اذ يؤكد انه رغم كل ما انجزته هذه الثوره في مجال تاكيد الشخصيه الوطنيه المصريه, فانها لم تتجه اتجاها جديا لطرد المحتلين, واكتفت بان اصبحت الكنيسه المصريه وكل ملحقاتها اطارا قوميا للمصريين; يحفظ لهم شخصيتهم القوميه المتميزه والمستقله عن الحكام الاجانب ويحصنهم ضد نفوذ وتاثير حضارتهم الاجنبيه.

وقد عاد الصراع فتجدد بين الكنيسه المصريه وسلطات الاحتلال الرومانيه( البيزنطيه) حينما حاول الامبراطور هرقل فرض صيغه مذهبيه توفيقيه وارسل قورش كحاكم وكبطريرك في ان معا كي يفرض المذهب الجديد بالقوه. وفي مواجهه مسعي هرقل جمع البطريرك بنيامين الاكليروس والشعب ونظم امور الكنيسه الوطنيه من بعده, واوصي الجميع بالمقاومه حتي الموت, ثم نزح الي الصحراء ليقود المقاومه من مخبئه هناك. وبعد عشر سنوات من المقاومه بقياده بنيامين, ومع القمع والاضطهاد علي يد قورش, جاء عمرو بن العاص بجيشه العربي الاسلامي لفتح مصر. ويري عبد الحكيم ان الكنيسة القبطية قد لعبت بدرجه ما نفس الدور الذي قام به كهنه امون من قبل في نهايه العصور الفرعونيه; حينما رحبوا بالاسكندر لتخليصهم من الفرس, ونصبوا بطليموس الاول فرعونا من نسل الالهه في مقابل المحافظه علي املاكهم ورد ما نهبه الفرس منها. ففي مقابل تعهد عمرو بن العاص بتامين الكنيسه القبطيه علي مصالحها واملاكها وحقوقها الدينيه قرر كبار رجال الكنيسه الاتفاق مع العرب, وعاد البطريرك بنيامين من مخبئه في الصحراء.

وفي قراءته لتاريخ مصر الإسلامية يسجل عبد الحكيم انه خلال السبعه قرون الاولي بعد الفتح العربي الاسلامي كانت الغالبيه العظمي من المصريين قد تحولت من المسيحيه الي الاسلام, واضمحلت اللغة المصرية( القبطيه) لتحل محلها اللغة العربية. وتوالت علي مصر دول عديده, استقل بعضها بمصر, وشهد بعضها ازدهارا في التجاره والحرف والزراعه, وجلب سياسات بعضها خرابا ودمارا اقتصاديين واوبئه ومجاعات. وكان لبعضها امجاد عسكريه في صد غارات الصليبيين والمغول, وجعل بعضها من القاهره عاصمه لامبراطوريه واسعه, وانحط بعضها بمصر الي مستوي الولايه التابعه, او انزلها الي درك من التفسخ والتحلل. ولكن تظل هناك حقيقه اساسيه وهي ان كل حكام هذه الدول كانوا من غير المصريين في كل جهاز الدوله العسكري والاداري, مع استثناءات محدوده.

وبدءا من الفتح العربي الاسلامي لمصر مر نحو الف عام لم تتبلور خلالها اي قياده وطنيه مصريه, باستثناء قيادات الانتفاضات والتمردات الفلاحيه, التي بقيت اهم مظهر من مظاهر استمراريه الشخصيه الوطنيه المصريه, الي ان ظهرت فئه علماء الازهر كقياده وطنيه في النصف الثاني من القرن السابع عشر. ويري عبد الحكيم وبحق ان الفتره من الفتح العربي الاسلامي وحتي ظهور حركه علماء الازهر قد شكلت صعوبه خاصه امام الباحثين المصريين, الذين انقسموا ازاءها الي مدرستين. مدرسه تؤكد استمراريه التاريخ المصري, وتزعم احيانا ان مصر الحديثه لا تزال فرعونيه في الجوهر, وان ما طرا عليها من تغييرات لم يمس الا القشور. ومدرسه ثانيه تذهب احيانا علي حد الزعم بان مصر العربية الاسلاميه- او علي الاقل مصر الحديثه- مقطوعه الصله بما قبلها.

ومن القائلين بفرعونيه مصر الدكتور محمد حسين هيكل, الذي طالب في مقدمه كتابه تراجم مصريه وغربيه بدراسه تاريخ مصر كتاريخ مستقل لامه مستقله, ومريت بطرس غالي الذي دعا في كتابه سياسه الغد الي دراسه موحده للتاريخ المصري من اوله لاخره, وايجاد الصله بين عصوره التي تكون سيره واحده لامه واحده, والدكتور طة حسين, الذي راي ان ثقافه المصريين امتداد للحضاره اليونانيه الرومانيه, كما سجل في مستقبل الثقافه في مصر, وفي المقابل راي احمد حسن الزيات مؤسس مجله الرساله ان مصر المعاصره تقوم علي ثلاثه عشر قرنا من التاريخ العربي نسخت ما قبلها, واعلن الدكتور عبد الوهاب عزام ان اركان الثقافه المصريه الحديثه عربيه; سواء من ناحيه الادب او التاريخ او الفكر او المثل العليا.

وابتداء من خمسينيات القرن العشرين بدات تظهر محاولات فكريه تعكس قدرا من الحيره مصدرها الاقرار بان تعريب مصر وانتشار الإسلام فيها قد احدثا انقطاع في التاريخ المصري, من جهه, والاقرار باستمراريه التاريخ المصري, من جهه اخري. وهكذا, سجل صبحي وحيده ان المصريين بعد الفتح العربي تغيروا ماديا ومعنويا الي حد ذهب بكثير من معالم حضارتهم وشعورهم بوحدتهم كامه وانهم لم يعودوا يعون انهم اصحاب قوميه خاصه. لكنه عاد فاستدرك قائلا ان هذه التغيرات لم تقض علي مقومات الوحده القوميه المصريه; لانها مقومات طبيعيه, وهي بذلك ازليه لا تتحول!! وسجل حسين فوزي ان تعريب مصر ودخول الاسلام فيها قد احدثا تحولا كاملا في حياه مصر فصلها فصلا تاما عن تاريخها السابق علي الفتح الاسلامي, وان المصري المسلم ينظر الي الاسلام كاساس لحضارته, ويعتبر العصور السابقه علي الاسلام كانها تاريخ شعب اخر انتهي امره. لكنه عاد فاكد ان الشعب المصري اليوم هو نفس الشعب منذ سته الاف سنه!! وللحديث بقيه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل