المحتوى الرئيسى

دار الإفتاء تحرم التعدي على الأضرحة

09/01 17:33

أكدت دار الإفتاء المصرية أنه لا يجوز هدم الأضرحة وخاصة أذا كانت لأحد الصالحين ، وأشارت أمانة الفتوى إلى أن من يفعل ذلك ينتهك حرمة الموتى ، وحرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً ، كما أن الصلاة فى المساجد التى بها أضرحة صلاة صحيحة ومشروعة ، بل أنها تصل لدرجة الإستحباب .

جاء ذلك فى رد دار الإفتاء على سؤال حول حكم هدم الأضرحة فى ليبيا ، وتحريم الصلاة فى المساجد التى يوجد بها أضرحة ، حيث جاء السؤال :

يقوم بعض الناس في ليبيا ممن ينتمون إلى فكر النابتة -المُلصَق بالسلف الصالح ظلمًا وزورًا وبهتانًا- بهدم قباب الأولياء والعلماء والصالحين والشهداء، ونبش قبورهم بالأيدي والفؤوس والكتربيلات الكبيرة، كل هذه الأفعال يفعلونها في جنح الليل دون علم أحد، وقد نسبنا هذا الفعل لمعتنقي فكر النابتة لأنهم الوحيدون في البلد الذين ينشرون هذا الفكر بين الناس ويقولون إن بناء الأضرحة وقباب الصالحين والأولياء كفر وضلال، وحرموا بناء المساجد عليها والصلاة في تلك المساجد، وجعلوا ذلك بدعة وضلالًا.

علمًا بأن بعض هذه القبور ينسب للصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولعلماء كبار في مجال الدعوة إلى الله، ولمرابطين على الثغور، ولشهداء استشهدوا في قتالهم للإيطاليين.

بالإضافة إلى نبشهم لقبور بناؤها محميٌّ مِن قِبَل الآثار؛ لاسيما وأكثرُها يزيد عمره عن الخمسمائة سنة، وأكثرها لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكله موثق بالصور على صفحات الإنترنت.

نرجو فتواكم بالخصوص؛ لاسيما وهم يشيعون بين العوام أنهم يهدمون الكفر والضلال.

أجابت أمانة الفتوى بدار الإفتاء على هذا الموضوع الهام وقالت :

حرم الإسلام انتهاك حرمة الأموات؛ فلا يجوز التعرض لقبورهم بالنبش؛ لأن حرمة المسلم ميتًا كحرمته حيًّا، فإذا كان صاحب القبر من أولياء الله الصالحين فإن الاعتداء عليه بنبش قبره أو إزالته أشد حرمة وأعظم جُرْمًا؛ فإنهم موضع نظر الله تعالى، ومن نالهم بسوء أو أذى فقد تعرض لحرب الله عز وجل، كما جاء في الحديث القدسي: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ومن المقرر شرعا أن مكان القبر إما أن يكون مملوكا لصاحبه قبل موته، أو موقوفا عليه بعده، وشرط الواقف كنص الشارع؛ فلا يجوز أن ينبش هذا القبر أو يزال ما عليه من البناء أو يُتَّخَذَ مكانُه لأي غرض آخر.

وأما ما يثار مِن أن الصلاة في المساجد التي بها أضرحة الأولياء والصالحين هي صلاة باطلة فقولٌ مبتدَع لا سَنَد له، بل الصلاة في هذه المساجد صحيحة ومشروعة، بل إنها تصل إلى درجة الاستحباب، وذلك بالأدلة الصحيحة الصريحة من الكتاب والسُّنَّة وفعل المسلمين سلفًا وخلفًا، والقول بتحريمها أو بطلانها قولٌ باطل لا يُلتَفَتُ إليه ولا يُعَوَّلُ عليه.

- فمن أدلة القرآن الكريم: قوله تعالى: ﴿فقالوا ابنُوا عليهم بُنيانًا رَبُّهم أَعلَمُ بهم قال الذين غَلَبُوا على أَمرِهم لَنَتَّخِذَنَّ عليهم مَسجِدًا﴾ [الكهف: 21].

وسياق الآية يدل على أن القول الأول هو قول المشركين، وأن القول الثاني هو قول الموحِّدين، وقد حكى الله تعالى القولين دون إنكار؛ فدل ذلك على إمضاء الشريعة لهما، بل إن سياق قول الموحدين يفيد المدح؛ بدليل المقابلة بينه وبين قول المشركين المحفوف بالتشكيك.

 بينما جاء قول الموحدين قاطعًا وأن مرادهم ليس مجرد البناء بل المطلوب إنما هو المسجد.

قال الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى: ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عليهم مَسجِدًا﴾: [نعبد الله فيه، ونستبقي آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد] اهـ.

وقال العلامة الشهاب الخفاجي في "حاشيته على تفسير البيضاوي": [في هذه دليل على اتخاذ المساجد على قبور الصالحين] اهـ.

- ومن السُّنّة النبوية الشريفة: حديث أبي بصير رضي الله عنه، الذي رواه عبد الرزاق عن مَعمَر، وابن إسحاق في "السيرة"، وموسى بن عُقبة في "مغازيه" ، وهي أصح المغازي كما يقول الإمام مالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم-:

ثلاثتهم عن الزُّهرِي، عن عُروة بن الزُّبَير، عن المِسوَر بن مَخرَمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهم: أن أبا جَندَلِ بن سُهَيل بن عمرو دفن أبا بَصِير رضي الله عنه لَمّا مات وبنى على قبره مسجدًا "بسِيف البحر"، وذلك بمحضر ثلاثمائة من الصحابة.

 وهذا إسناد صحيح؛ كله أئمة ثقات، ومثل هذا الفعل لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فلم يَرِد أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بإخراج القبر من المسجد أو نبشه.

كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «في مسجد الخَيفِ قَبرُ سبعين نبيًّا». أخرجه البزار والطبراني في المعجم الكبير، وقال الحافظ ابن حجر في "مختصر زوائد البزار": هو إسناد صحيح.

وقد ثبت في الآثار أن سيدنا إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر رضي الله عنها قد دُفِنا في الحِجر من البيت الحرام، وهذا هو الذي ذكره ثقات المؤرخين واعتمده علماء السِّيَر: كابن إسحاق في "السيرة"، وابن جرير الطبري في "تاريخه"، والسهيلي في "الروض الأنف"، وابن الجوزي في "المنتظم"، وابن الأثير في "الكامل"، والذهبي في "تاريخ الإسلام"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، وغيرهم من مؤرخي الإسلام، وأقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ولم يأمر بنبش هذه القبور وإخراجها من مسجد الخيف أو من المسجد الحرام.

- وأما فعل الصحابة: فقد حكاه الإمام مالك في "الموطأ" بلاغًا صحيحًا عندما ذكر اختلاف الصحابة في مكان دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:  [فقال ناسٌ: يُدفَنُ عندَ المِنبَرِ، وقال آخَرُونَ: يُدفَنُ بالبَقِيعِ، فجاءَ أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم يقولُ: «ما دُفِنَ نَبِيٌّ قَطُّ إلاّ في مَكانِه الذي تُوُفِّيَ فيه»، فحُفِرَ له فيه] اهـ، والمنبر من المسجد قطعًا، ولم ينكر أحد من الصحابة هذا الاقتراح، وإنما عدل عنه أبو بكر تطبيقًا لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُدفَن حيث قُبِضَت روحه الشريفة - صلى الله عليه وآله وسلم؛ فدُفِن في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها المتصلة بالمسجد الذي يصلي فيه المسلمون، وهذا هو نفس وضع المساجد المتصلة بحجرات أضرحة الأولياء والصالحين في زماننا.

وأما دعوى الخصوصية في ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فهي غير صحيحة؛ لأنها دعوى لا دليل عليها، بل هي باطلة قطعًا بدَفنِ سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما في هذه الحجرة التي كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تعيش فيها وتصلِّي فيها صلواتها المفروضة والمندوبة؛ فكان ذلك إجماعًا من الصحابة رضي الله عنهم على جوازه.

- ومن إجماع الأمة الفعلي وإقرار علمائها لذلك: صلاة المسلمين سلَفًا وخَلَفًا في مسجد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمساجد التي بها أضرحة من غير نكير، وإقرار العلماء من لدن الفقهاء السبعة بالمدينة المنورة الذين وافقوا على إدخال الحجرة النبوية الشريفة إلى المسجد النبوي سنة ثمان وثمانين للهجرة؛ وذلك بأمر الوليد بن عبد الملك لعامله على المدينة حينئذٍ عمر بن عبد العزيز رحمه الله، ولم يعترض منهم إلا سعيد بن المُسَيّب، لا لأنه يرى حرمة الصلاة في المساجد التي بها قبور، بل لأنه كان يريد أن تبقى حجرات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما هي يطلع عليها المسلمون حتى يزهدوا في الدنيا ويعلموا كيف كان يعيش نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصارى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيائِهم مَساجِدَ» .

فالمساجد: جمع مَسجِد، والمسجد في اللغة: مصدر ميمي يصلح للدلالة على الزمان والمكان والحدث، ومعنى اتخاذ القبور مساجد: السجود لها على وجه تعظيمها وعبادتها كما يسجد المشركون للأصنام والأوثان -كما فسّرَته الرواية الصحيحة الأخرى للحديث عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى" عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا؛ لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، فجملة «لعن الله قومًا..» بيانٌ لمعنى جَعل القبر وثنًا، والمعنى: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُسجَدُ له ويُعبَد كما سجد قوم لقبور أنبيائهم.

قال الإمام البيضاوي: [لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم؛ تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة، ويتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا، لعنهم الله ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه، أما من اتخذ مسجدًا بجوار صالِحٍ أو صلّى في مقبرته وقصد به الاستظهار بروحه ووصول أثر من آثار عبادته إليه -لا التعظيم له والتوجه- فلا حرج عليه؛ ألا ترى أن مدفن إسماعيل في المسجد الحرام ثم الحطيم، ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي بصلاته، والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمنبوشة؛ لِما فيها من النجاسة] اهـ.

وعليه: فإن إزالة أي ضريح من مكانه أو من المسجد المدفون فيه وخاصة قبور الأولياء والصالحين والشهداء والعلماء ومحو معالمه بتسويته وهدم ما فوقه -تحت أي دعوى- هو أمر محرم شرعًا، بل هي كبيرة من كبائر الذنوب؛ لما في ذلك من الاعتداء السافر على حرمة الأموات، وسوء الأدب مع أولياء الله الصالحين، وهم الذين توعد الله مَن آذاهم بأنه قد آذنهم بالحرب، وقد أُمِرنا بتوقيرهم وإجلالهم أحياءً وأمواتًا.

وبناءً على ذلك: فإننا نهيب بعموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وبالأئمة الفضلاء والعلماء الأجلاء وبالوزارات المسئولة عن الأوقاف والشئون الدينية في الدول الإسلامية إلى التنبه والتفطن إلى هذه الممارسات الشيطانية والتصدي بكل قوة لهذه الدعوات الهدامة التي ما تفتأ ترفع عقيرتها تارةً وتعبث بمعاولها تارةً أخرى زاعمة أن قبور الصالحين التي بنى المسلمون المساجد عليها شرقًا وغربًا سلفًا وخلفًا - بدءًا بنبيها صلى الله عليه وآله وسلم في روضته الشريفة بالمدينة المنورة، ومرورًا بالصحابة وآل البيت الكرام كسيدنا أبي بصير في جدة البحر، والإمام الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة بأرض مصر، والأئمة المتبوعين كالشافعي والليث بن سعد بمصر، وأبي حنيفة وأحمد ببغداد، وأولياء الله الصالحين كالشيخ عبد القادر الجيلاني الحنبلي ببغداد وأبي الحسن الشاذلي بمصر وعبد السلام الأسمر بليبيا، وعلماء الأمة ومحدثيها كالإمام البخاري في بخارى وابن هشام الأنصاري والعيني والقسطلاني وسيدي أحمد الدردير في مصر، وغيرهم ممن يضيق المقام عن حصرهم- هي من شعائر الشرك وأعمال المشركين، وأن المسلمين إذ فعلوا ذلك فقد صاروا مشركين بربهم سبحانه، ويجعلون التوسل بالأنبياء والصالحين وتعظيم أماكنهم وزيارة أضرحتهم

-وهو ما أطبقت عليه الأمة وعلماؤها جيلا إثر جيل- ضربًا من ضروب الوثنية والشرك، سالكين سبيل الخوارج في تكفير المسلمين وتفسيقهم وتبديعهم، غير عابئين بتراث الأمة ومجدها وحضارتها، فلا يعود المسلم يحس بمجد تاريخي ولا علمي ولا ثقافي ينتسب إليه، ولا يعود يرى سَلَفَه إلا شُذّاذ آفاقٍ مُضلّلين يعبدون غير الله ويشركون به من غير أن يشعروا، فينهار المسلم أمام نفسه ويصغر في عين ذاته؛ وذلك كله جريًا منهم وراء فهم سقيم لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي وردت في المشركين الذين يعبدون غير الله، لا في المسلمين الموحدين الذين يحبون الله ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأولياء الله الصالحين ويكرمونهم أحياءً وأمواتًا، وهذه كلها دعاوى الخوارج؛ يعمدون إلى الآيات التي نزلت في المشركين فيجعلونها في المسلمين، كما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في وصف الخوارج تعليقًا، ووصله الطبري في "تهذيب الآثار" بسند صحيح.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل