المحتوى الرئيسى

متحدثًا عن 30 سنة رواية وحياةواسينى الأعرج ينثر «رماد الشرق» ويحذر العرب من سايكس بيكو جديد

08/31 10:21

ما لم يكتبه الروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج حتي الان، قصته مع الكتاب المقدس الذي وجده قبل اكثر من ستين عاما في كتاب القريه، وظل لوقت طويل يقرا فيه علي انه القران وظنته اسرته يفعل، الي ان اكتشف انه كان يقرا «ألف ليله وليله»، فاحتفظ به لليوم، وبعشقه للغه العربيه التي دفعته اليها جدته الاندلسيه، فاختار ان يكتب بها عشرات الروايات البديعه، وعلي هامشها كتاباته باللغة الفرنسية التي يعدها «غنيمه حرب»، ومحتفظا في الان ذاته بعشق كبير للتاريخ الذي استلهمه في اغلب اعماله بعين الاديب وادواته، وبوعيه ان ما يبقي من كل التواريخ هو إلفة الحكايه الانسانيه.

ومنذ سبعينيات القرن الماضي للان انطلقت متواليه السيره الابداعيه للاعرج العائش بين وطنه الام وفرنسا وبين لغتيهما وتقابل الحضارتين، مدونا لسيره ابداع وحياه، حرص علي ان تكون بين يدي الكاتب المصري والعربي، فجمع في تجربه هي الاولي لكاتب عربي مجتزءات من اغلب اعماله في أنطولوجيا ضمت فصولا مختاره من سيرته الروائيه، صدرت قبل ايام عن الهيئة المصرية للكتاب، بحوار تقديمي للروائي منير عتيبه، وحملت عنوان «رماد مريم»، حول تجربته الجامعه/ المجتزاه، ومجمل اعماله ومواقفه مما يمور علي الساحه السياسيه العربيه الان التقيناه بالقاهره وجاء هذا الحوار..   

•«رماد مريم» كسيره ابداعيه مكتوبه بيد صاحبها عمل مهم جدا لكن هل تعتقد انه دورك ككاتب تجميع وتقديم اعمالك للقارئ؟

ــ بالطبع لا، لكن هذا نص خاص، اولا لانه موجه لهيئه، ثم ان الفائده من ورائه هو تقديم هذه التجربه للقارئ المصري والعربي المهموم بالاطلاع عليها، وقد حاولت قدر المستطاع ان تكون تجربه انسانيه تجسد اولا الرحله الادبيه من اول روايه الي اخر روايه، ثم تجسد المواد الاساسيه التي اشتغلت عليها ككاتب، سواء من حيث الموضوعات او حتي  من حيث البنيه الشكليه للروايه.

هذه تجربه استثنائيه تحدث ربما مره في العمر، وفضلت ان اقوم بها لان فكره الانطولوجيا سواء قام بها شخص اخر او قمت بها انا تظل فكره ذاتيه، رهينه الشخص الذي يختار النصوص واجواء النصوص، لذا فضلت ان اختارها لاني اريد ان اعبر عن رحله الـ30 سنه التي مررت بها، لاصل القارئ بكل التلونات اللغويه، والموضوعاتيه والفكريه وصولا للمحطه الحاليه، واعتقد ان القارئ عندما سيقرا هذه النصوص العشرين سيدرك او ستتكون لديه فكره عامه حول جميع الأعمال. ومن هذا المنطلق اذا شاء ان يذهب نحو العمل الادبي الذي قرا منه فصلا فقط والتعمق فيه فله ذلك، واذا اراد ان يكتفي فقط بالفصل الذي قراه فله ذلك، فهي فكره ذات طابع تعريفي، طابع انساني، طابع موده، طابع تقديم لتجربه 30 سنه للقارئ العربي.

•طابع «تربوي» ايضا.. لقد اوردت هذه الكلمه في سياق الحديث عن انطولوجيا «رماد مريم» وهي استوقفتني في الحقيقه.. ماذا كنت تعني بها؟

ــ قصدت ان تدع تجربه بكاملها في لحظه واحده مكثفه امام القارئ، بمعني انك لا تريد ان تكلف القارئ جهدا كبيرا للبحث عنك فالتجربه بكاملها موجوده ومختزله، وهذا نراه مثلا في الكتابات الغربيه، حيث تختزل الكثير من الاعمال، وتختصر او تقتطع منها فصول فقط لتقدم للقارئ في شهيه القراءه، في زمن لم تعد القراءه للاسف شيئا مهما للقارئ العربي.

وفي هذا الجانب التربوي جانب اغوائي للقارئ لكي يذهب نحو فكره من النصوص المختصره، وفيما بعد ربما يذهب للنصوص الاساسيه. وضمن الجانب التربوي ايضا اختيار اللحظات الاكثر انسانيه، الاكثر اضاءه في حياه البشر، وحتي الاكثر ماساويه، لكنها تبين الجهد الانساني والبشري في تجاوز معضلات اللحظه التي يعيشها.

•لكن الا تخشي ان تؤدي عمليه «الكبسله» هذه الي الاكتفاء بالمختارات بديلا عن النصوص الكامله؟

ــ مثلما تقولين، المختارات دائما حامله لهذا الخطر لكنك تاخذين بعين الاعتبار وضعيات معينه، وهذه الفكره في الحقيقه ليست من عندي هي فكره ابتدعها الفرنسيون عندما ارادوا ان يوصلوا الادب الكلاسيكي الي القراء، فهم يعرفون انهم لن يذهبوا نحوه الا اذا وجدوا فيه نوعا من الغوايات، لذا اختزلوا النصوص الكبيره في كتاب خاص بالادب الكلاسيكي ثم وضعوها في متناول القراء في المدارس والجامعات ثم بداوا يلاحظون ان هناك اقبالا ليس فقط علي المختارات، لكن من منطلق المختارات يذهبون نحو النصوص الكليه.

•«رماد مريم» و«مصرع احلام مريم الوديعه» نصان باسمها فضلا علي حضورها الكثيف عبر عديد اعمالك ما سر هذا الخلود لايقونه مريم؟ وهل لكل كاتب مريم تخصه بصيغه ما؟

ــ قد يكون، فهناك مقوله للكاتب الفرنسي الكبير فلوبير الذي كان عندما يسال عن عمله الشهير من هي «مدام بوفاري» يجيب ضاحكا: «مدام بوفاري هي انا»، وانا اعتقد ان في مريم عنصرين اولا عنصر الانا لانها هي نظرتك الحياتيه، والايقونه التي صنعتها لتري من خلالها تلونات الحياه المختلفه في عز جمالها، في تناقضها، وفي بشاعتها. لكن هناك بالفعل وجودا لمريم، فمريم كانت صبيه صغيره احببتها مثل كل اطفال القريه، طبعا مريم الحقيقيه لا تعرف انني صنعت منها ايقونه ولم اريدها ان تعرف، ولم احاول رؤيتها، احب ان اكتفي منها بصوره البنت الجميله ذات الشعر الطويل التي كانت تغسل القمح في الساقيه الشعبيه، في النهايه مريم هي كل ما هو طفولي ونقي ومثالي في الحياه، لكنها في النهايه صوره استعاريه ورمزيه، واخذت عنوان الكتاب منها لان كل الروايات التي اعتمدت عليها فيها شخصيتها بشكل ما من الاشكال.

•الاسلامويون الذين رحلوك الي منفاك بباريس هم الان ساده الانظمه العربيه وبديل دكتاتورياتها التي اريقت لازاحتها انهار دماء، كيف تري هذه المساله وهل ثمه مؤامره في الخلفيه؟

ــ انا رايي واضح الثورات التي قامت في البلدان العربيه ثورات حقيقيه يجب الا ننتقص من شانها بالعكس يجب ان نقدس ونقدر الشباب الذين ماتوا من اجلها، لكني اعتقد ان الشباب الذين استشهدوا من اجلها لم يكن في ذهنهم ان ياتوا بالاسلامويين مطلقا، بالعكس كانوا منتصرين للحقيقه، والحداثه وللعدل و للديمقراطيه، اما من استثمر هذه الثوره فهذه قضيه اخري خاضعه لميزان القوه الموجود في المجتمع، وهو للاسف ميزان تنقصه الثقافه السياسيه، لان أنظمة الحكم العربيه بلدت هذه الشعوب وادخلتها في دوائر لا تؤدي في النهايه الا الي الانغلاق.

•رماد الشرق عملك المقبل اسم مفجع والمفجع اكثر هي  تيمته الملحميه التي ستكون محصلتها ان يصبح العرب مثل يهود الشتات هل تدخل الثورات العربيه ونتائجها ضمنه؟.. والي اي مدي ترتبط فكرته بنظريه «سايكس ــ بيكو»؟

ــ والله انا هذا احساسي واتمني الا يكون صحيحا، العرب الان مع بدايه فكره الثورات بداوا يضعون ارجلهم في الخط الصحيح للتخلص من الانظمه السابقه، لكن في الوقت نفسه انا متاكد انهم لن يتركوا العرب يسيروا في هذا المسلك، والدليل ما يحدث حولنا فالقوي المضاده سواء اجنبيه او داخليه ستحاول ان تدمر هذه الثورات بجميع الاشكال، فانظري مثلا الي الصراعات بين القوي الدينيه السلفيه والديمقراطيين، والتي لن تقود الي شيء سوي المزيد من الحضيض، وانظري للصراعات الدينيه بين الشيعه والسنه والمسيحيين والاكراد في العراق وما تنتجه من تمزق في بنيه ونسيج المجتمع العراقي الذي ظل متماسكا لالاف القرون، وسوريا ذاهبه باتجاه كارثه، وليبيا الانظمه القبليه كلها بدات تستيقظ حتي ان امارات اعلنت، وانا اخشي ان يتم اجهاض هذه الثورات بتمزيقها، اتفاقيه سايكس بيكو مزقت الوطن العربي الي دويلات، تمزيق جغرافي، هذه المره ستكون التمزيقات اذا حدثت لا قدر الله اثنيه ودينيه ولغويه بحيث يقع نوع من التشظي في الوطن العربي، فلا تصبح هناك دوله قادره علي القيام كدوله وطنيه قادره علي حمايه نفسها.

•تتسم لغتك بشده الشاعريه والرهافه كيف يمكنك الحفاظ علي هذه السمه في اطار التنقل بين اللغتين العربيه والفرنسيه؟

ــ انا اعتبر اللغة العربية مكسب بالنسبه لي، كان يمكن ان اكون فرانكوفونيًا وكفي، لكنني اخترت الذهاب نحو اللغه العربيه، وبذلت جهدا مضاعفا لكي اتحصل بقوه علي هذه اللغه اذن العلاقه بيني وبين هذه اللغه علاقه عشقيه، علاقه حب وليست علاقه توريث، فانا لم ارث العربيه وورثت الفرنسيه اكثر، وبالتالي يحتم علي هذا الحب ان اجعل منها لغه بهيه حتي اعشقها انا اولا قبل ان يحبها القارئ، لذا كان عليّ ان ابذل جهودا مضنيه حتي اجعل منها لغه تمس القارئ في عمقه، 

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل