المحتوى الرئيسى

فلنترك قميص عثمان ونتذكر كبد حمزة

08/29 12:53

لعلك قرات عشرات المرات عن مقتل الصحابي الجليل عثمان بن عفان، وحدوث ذلك الخلاف الهائل بين الصحابه بعد مقتله ما بين مُطالب بالثار والقصاص، وعلي راسهم معاوية بن ابي سفيان رغم تفرق مسئوليه قتله بين عشرات الاشخاص، ومن يسعي اولا الي توطيد دعائم الدوله وتثبيت اركانها خوفا من التفكك والتشتت وعلي راسهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

فكم مره انتبهت الي ذلك التشابه بين اليوم والامس البعيد، حين تاجر معاويه بدماء عثمان، وعلّق قميصه الذي كان يرتديه وقت استشهاده علي المنابر وقد امتلا بالدماء، وزاد عليها لصق بعض اصابع عثمان المبتوره علي القميص لشحن جموع المصلين مطالبا بالقصاص والثار له، بينما كان يسعي في حقيقه الامر الي الوصول للسلطه قبل ان ينجح في ذلك حقا بعد مقتل سيدنا علي، وتنازل ابنه الحسن علي الخلافه حقنًا لدماء المسلمين.

وكم من متاجر اليوم بدماء الشهداء متاجرا بالقصاص؟! كم من يرفع صور القتلي والمصابين ليشق بها الجموع ويتقدم الي الصفوف الاولي؟!

قبل ان تجيب ادعوك الي عقد مقارنه اخري بين اليوم والامس الآبعد، حين انتصر دين الله وعلت كلمته علي الكفر والطغيان، ليفتتح الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وصحابته مكه، ويطهرون الكعبه وسائر قريش من الاصنام والاوثان التي كان يظنها الكفار الهه، فاذا بها تسقط وتنهار دون ان تملك ان ترفع عن نفسها الضر، ويهرب وحشي قاتل سيدنا حمزه بن عبد المطلب اسد الله وعم الرسول صلي الله عليه وسلم الي الطائف خوفا من الهلاك والقصاص، فلما خرج وفد الطائف ليسلموا ضاقت عليه الارض بما رحبت وحاول ان يهرب الي الشام او اليمن او بعض البلاد، حتي اخبره البعض ان الرسول لا يقتل احدا من الناس دخل في دينه‏، وان اخلاق النبوه تجعله اصفي قلبا واطهر نفسا من احقاد البشر ورغبتهم في الانتقام، ليذهب وحشي الي رسول الله صلي الله عليه وسلم في المدينه ناطقا بالشهاده بين يديه،‏ فلما راه الرسول قال‏:‏ وحشي؟! فاجابه:‏ نعم‏، فقال النبي: اقعد فحدثني كيف قتلت حمزه‏، فلما‏ حدثه وحشي وفرغ من حديثه، وجد الرسول نفسه بين مراره افتقاد عمه الشهيد الذي دافع عنه وانتفض لدين الله، وسماحه‏ النبوه وضرب المثل في العفو عند المقدره اكراما لدين الله ايضا، فما كان منه الا ان قال لوحشي: "ويحك‏! غيّب وجهك عني، فلا اراك‏"، ليعفو عنه ولا يؤذيه، وفي الوقت نفسه يطلب منه الابتعاد عنه حتي لا يذكره بما صنع باحب الناس اليه، ليسلم وحشي ويحسن اسلامه حتي قتل مسيلمه الكذاب مدعي النبوه، وكذا عفا الرسول عن هند بن عتبه التي مثّلت بجسد عمه واكلت كبده، فكان الانتصار الحقيقي هو ان يسود الدين الذي مات حمزه من اجله، وليس القصاص من قاتله، تماما مثلما نحتاج اليوم ان تنتصر الاهداف والمبادئ التي مات من اجلها الشهداء اكثر من حاجتنا الي الانتصار لارواحهم ودمائهم.

فبايهما نقتدي في تلك المرحله الحرجه التي ملات فيها الضغائن والاهواء انفسنا؟ بمعاويه بن ابي سفيان ام الرسول الأكرم؟

انظروا الي واقعنا اليوم وقد زايد الجميع علي الجميع ووجد كل بضاعته التي يتاجر بها.

فالبعض يتاجر بدماء الشهداء ليحقق ماربه، والبعض يتاجر بالاسلام الذي يريد ان ينتصر له، والبعض يتاجر بالخوف من الاسلاميين المتطرفين خوفا علي مصلحه البلاد من التعصب والقهر، وخلف كل متاجر اتباع يسيرون دون ان يقصدوا المتاجره، لكنهم حقا وصدقا مقتنعون بما يقولون، في لحظه عصيبه اختلط فيها الحابل بالنابل لتقودنا فيها الاهواء اكثر من العقول.

ثم انظروا الي نيلسون مانديلا الذي فعل كما فعل الرسول وبدا عهده بالتصالح والاحتضان بين جميع الفصائل المتناحره، ليخرج بلاده من مستنقع الانتقام والرغبه في التشفي، ويصل بها الي بر الامان والاستقرار.

فكيف نخرج من تلك الازمه ونتجه الي البناء والتصالح؟

1- القصاص من كبار القيادات المسئوله جنائيا او علي الاقل سياسيا، وكل من ثبت تورطه وادانته بشكل قطعي واضح لا لبس فيه دون الخوض في اقوال متناقضه ودلائل غير كامله تجاه صغار الضباط والمسئولين، حتي لا نتفرع الي افرع كثيره لا نهايه لها، ولن تصل بنا الا الي المزيد من الشبهات التي تشتتنا وتجعلنا في حاله نزاع وصراع لا ينتهيان.

2- القضاء علي تلك المسميات التي فرقتنا وزادت من عمق الفجوه بيننا، وعلي راسها فلول وثوار، والبحث عن نقاط الاتفاق داخل كل فصيل سياسي تحت مظله حب مصر، بدلا من المتاجره بنقاط التفوق ومواضع الفوارق التي يراها كل فصيل ميزه تجعله جديرا بالسياده والعلو علي الاخر.

3- علي اي فصيل مضاد ومعارض للاخوان المسلمين ان يجهز عدته السياسيه وادواته الانتخابيه ويبدا في النزول للشارع لمساعده المواطنين والاحتكاك بهم وتوصيل افكاره اليهم، ومن يريد ان يسقط الاخوان فليسقطهم بنفس صناديق الاقتراع التي جاءت بهم بطريقه شرعيه ديمقراطيه، مع تاكيد ان كاتب المقال لا يحبهم ولم ينتخبهم، لكنه مع راي الاغلبيه الواجب احترامه، والرئيس المنتخب ايا من كان من اجل مصر وليس من اجل الرئيس، لكن من غير المسموح به ان نحاول اسقاط الرئيس وافشاله بالتكاتف علي عدم تنفيذ برنامجه الانتخابي ونشر العنف والفوضي ضده، فقط لانه اخواني لا ياتي علي هوانا.

4- عمل حكومه ظل موازيه من القوي السياسيه المعارضه، ليحكم الجمهور بين قراراتها ورؤيتها في التعامل مع الازمات الحاليه، ويقارن بين ادائها واداء الحكومه الحاليه.

5- تفعيل دور مؤسسات وهيئات ومرافق الدوله بان تحدد كل وزاره ومؤسسه ومرفق مواعيد محدده للالتقاء بالعاملين والموظفين والاستماع الي شكواهم، وفي الوقت نفسه تلقي الحلول والبدائل التي يقترحونها من وجهه نظرهم لحل الازمات الداخلية داخل كل وزاره وهيئه ومرفق، بجانب فتح قنوات اتصال مع الجمهور للاستماع الي شكواهم ومقترحاتهم، حتي نخفف الحمل والعبء علي رئاسة الجمهورية التي يحتشد عندها كل من لديه مظلمه، ونمرر الشكاوي والازمات لمسارها الطبيعي.

6- تعاون جميع اجهزه الدوله مع الرئيس وحكومته لتنفيذ الاهداف الاوليه المحدده ضمن المائه يوم الاولي من الحكم، والضرب بيد من حديد علي يد كل موظف او مواطن يتعمد افشالها مثل من يلقون الزباله في الشوارع، ومن يخالفون قواعد المرور، ومن يثيرون العنف والبلطجه ويروعون المواطنين، او مافيا السوق السوداء التي تُهرّب الدقيق والوقود المدعم وتتاجر فيه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل