المحتوى الرئيسى

د. نصار عبدالله يكتب : نقيصة أعمال كمال

08/27 15:33

لا اخفي اعجابي باعمال الكاتب الدرامي الموهوب عبدالرحيم كمال، لكنني في الوقت ذاته لا اخفي ضيقي بجانب صادم (من وجهة نظري علي الاقل)، تنطوي عليه اعماله ولا يكاد يخلو عمل واحد منها بدءا من «الرحايه» وانتهاء الي «الخواجه عبدالقادر». المسلسل الاخير اتابعه حاليا بشغف رغم ما ينتابني من الضيق بذلك الجانب الذي اشرت اليه والذي يتمثل في ان اعمال كمال تنطوي علي ايمان مفرط بالخوارق التي تنتمي الي عالم الخرافات اكثر مما تنتمي الي عالم الحقائق فيما اتصور.. وعند هذه النقطه اري من الضروري ان اتوقف لكي اقول ان وجه الصدمه لا يتمثل في انه يقدم لنا بعض الاحداث والظواهر الخارقه للمالوف، فما اكثر الظواهر الخارقه للمالوف في عالم الواقع، ولكن وجه الصدمه يتمثل في انه يقدمها لنا علي نحو يجعلها اقرب الي ما يتداوله العامه من الخرافات التي ينسبونها الي الاولياء تحت مسمي الكرامات والتي تجعل منها غير قابله للتفسير الا باعتبارها كسرا لقوانين الطبيعه وناموسها المطرد.. قارن ذلك مثلا بما يفعله العبقري نجيب محفوظ عندما ترد في اعماله واقعه خارقه للمالوف.. انه يوردها بحيث يجعلها تظل قابله للتفسير من خلال اكثر من رؤيه واكثر من منهج.. علي سبيل المثال.. تحلم الام بان بنيها قد سقطوا في بئر، فهلك منهم من هلك، ونجا من نجا، .. بعدها يحل الوباء بالمدينه ويمرض الابناء.. فيموت من راته في منامها وقد هلك، ويكتب الشفاء لمن راته قد نجا.. ان ايراد الواقعه علي هذا النحو يترك الباب مفتوحا لمن اراد ان يفسرها في ضوء المصادفه وحدها، ويتركه مفتوحا لمن اراد ان يفسره بان غريزه الام قد احست بشكل مبكر بالوباء وانه سوف يهلك من تري انه اضعفهم مقاومه، ويترسب الخوف في اعماقها فتراه متجسداعلي هيئه منام، كما ان ايراد الواقعه علي هذا النحو عند محفوظ يتركه مفتوحا كذلك لمن اراد ان يفسره بانه الهام ممن يمسك بمفاتيح الغيب الي اخر هذه التفسيرات الممكنه والتي لا يحاول المؤلف العبقري ان يمسك بخناق القارئ فيلزمه الزاما بواحد منها هو في الحقيقه اقربها الي التفسير الخرافي كما يفعل عبدالرحيم كمال.. وسوف اتخير هنا امثله من عمله الاخير: «الخواجه عبدالقادر» اولها عندما يوصد الحراس عليه وعلي الطفل كمال ابواب حديقه زينب، ويقترب منهما عواء الذئاب، عندئذ يتوجه عبدالقادر الي الله بان يفك الكرب.. بعدها يجدان نفسيهما خارج الحديقه بينما الابواب لا تزال مقفله بالسلاسل.. لا تدري كيف؟ ولا تملك لهذا تفسيرا الا بانها كرامه او معجزه !!.. ومن هذا المثال انتقل الي مثال اخر يتمثل في مدرس اللغة العربية الذي يحاول ان يشرح للخواجه عروض الشعر العربي ويقطع له ابيات المنخّل اليشكري تقطيعا عروضيا.. (دعنا من ان مدرس العروض يقطع الابيات بشكل خاطئ بل انه يقرؤها بشكل خاطئ ايضا فهو يقرؤها وقد سكن فيها قافيه الراء.. رغم انها تبدا بالبيت الشهير: ان كنت عازلتي فسيري/ نحو العراق ولا تحوري !! كما انها تنطوي علي البيت الاكثر شهره الذي يقول فيه: واحبها وتحبني / ويحب ناقتها بعيري.. وكلاهما ينتهيان بالراء المكسوره مع المد، وبالتالي فان الوقوف علي بقيه القوافي بالسكون غير جائز بحال من الاحوال الا اذا كان مدرس العروض جاهلا بالعروض!! بل جاهلا كذلك بابسط مقتضيات قراءه الشعر).. دعنا من ذلك لان هذا الخطا قد يكون المسئول عنه هو مؤدي الدور او المخرج وليس المؤلف عبدالرحيم كمال، ولننتقل الي الان الي بيت القصيد وهو ان الخواجه عبدالقادر ياتيه في الرؤيا شيخه الصوفي الذي تسمي باسمه ويملي عليه ابياتا موزونه مقفاه مطلعها: اني احبك زينبٌ / حب الحبيب لروحه، فيطير بها الخواجه فرحا ويهرول الي مدرس العروض، لكي ينشده الابيات التي الهمه اياها شيخه.. ويندهش المدرس لان الابيات موزونه فعلا تبعا لتفعيلات الخليل.. وهذه الكرامه اوالمعجزه (فضلا عن انها واسعه شويه ) هذه الكرامه تنطوي علي عناصر متضاربه وغير متسقه منطقيا، فالخواجه يتلو الشعر بالعربية المعوجه المكسره وهو ما من شانه ان ينقل مواضع النبر علي الحروف، وما يجعل الشعر بالتالي غير موزون حتي لو تطابق مع تفعيلات الخليل ( مستفعلن/ متفاعلن ) لان موسيقي الشعر لا تنبع من التفعيلة وحدها (كما تصور الخليل) بل تنبع ايضا من مواضع النبر علي الحروف (كما يقول العروضيون المعاصرون ).. والسؤال الان : ما دمنا في معرض المعجزات والكرامات الواسعه، فلماذا لم تكمل الكرامه اتساعها وتبلغ ذروتها بان يتلو الخواجه اشعاره بلسان عربي فصيح ومبين بدلا من اللسان الاعجمي المكسر، وبذلك يصبح الشعر موزونا فعلا، سواء من حيث تفعيلاته الخليليه او من حيث مواضع النبر علي حروف كلماته؟.. سؤال نوجهه الي الاستاذ عبدالرحيم كمال.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل