المحتوى الرئيسى

سوريا على النار «العراقية»

08/22 03:11

هل يتكرر السيناريو العراقي في سوريا، ام ثمه سيناريوهات اخري لا تقل خطوره عن السيناريو العراقي؟

فعلي الرغم من التباين والاختلاف بين البلدين وخصوصيه تطورهما وخصائص شعبيهما، الاّ ان هناك الكثير من المشتركات بينهما، فسوريا مثل العراق حكمها حزب البعث « القائد» بموجب «الدستور»، مثلما حكم شقه الثاني العراق، وسوريا مثل العراق خسرت حلفاءها الاقليميين الواحد بعد الاخر، وهو ما حصل للعراق ايضاً. وسوريا مثل العراق فقدت حلفاءها الداخليين ويعاني نظامها مثل النظام العراقي السابق من العزله، كما بدات بعض قواه تتسرب بهدوء او بضجه.

وسوريا مثل العراق خسرت حلفاء دوليين، لكن بعض التغييرات التي شهدها المسرح الدولي القت بثقل روسي والي حد ما صيني في مجلس الأمن وخارجه، في محاوله للتخفيف من عبء الضغوط التي تتعرض لها سوريا وتريد الاطاحه بنظامها السياسي.

واستندت سوريا، مثل العراق، علي جهاز مخابرات ضارب بدا يفقد الكثير من قدراته، وهو ما حدث للعراق في سنواته الاخيره، وسوريا كانت مثل العراق تمتلك صداقات في اوساط المثقفين والاعلاميين، بدات تخسرهم بصمت او باعلان، بل ان بعضهم بالغ في اظهار العداء لتوجهاتها، لا سيما وقد استشعر سرعه العدّ العكسي التنازلي، وانْ بقي بعضهم يدافع، وربما يستمر حتي الرمق الاخير عنها، مثلما دافع عن العراق، بحجه مقبوله مثل الموقف ضد الحصار وضد العدوان والتدخل الخارجي، او بحجه مبطّنه او متواطئه للدفاع عن نظام الاستبداد والدكتاتوريه.

والمعارضه في سوريا منقسمه، مثل المعارضه العراقيه، في الموقف من الحصار والتدخل الخارجي ونظام العقوبات الدوليه. وسوريا مثل العراق تعاني من مشكلات اساسيه مثل المشكله الكردية التي احتدمت مؤخراً في سوريا، حيث كان نحو 300 الف مواطن كردي سوري بلا جنسيه واخذت تتبلور فكره «الحكم الذاتي» لدي بعض الاوساط السياسيه والثقافيه الكرديه، كتعبير عن سوريا الجديده الديموقراطيه، والتي ينبغي لها الاعتراف بالحقوق السياسيه والثقافيه والقوميه للكرد.

وسوريا مثل العراق تعاني من اشكاليات طائفيه، بسبب « اقلويه» سياسيه انعكست علي فريق الحكم مذهبياً، حيث يستاثر عدد منهم بقيادات الدوله العليا ويتصرّف بعضهم بطريقه استعلائيه ازاء الاخرين، مثلما كان يتصرّف بعض شخصيات الحكم في العراق المتحدرّين من مناطق معينه بطريقه فوقيه، لا سيما وقد اتخذت المساله بُعداً اكثر سفوراً بعد حملات التهجير العراقيه في العام 1980 وعشيه الحرب العراقيه ـ الايرانيه، التي شملت بعض الشيعه والكرد الفيلية بحجه التبعيه الايرانيه.

وسوريا مثل العراق يتحدّر فريقها الحاكم من قرداحه في حين يتحدّر فريق الحكم الحاكم في العراق قبل الاحتلال من تكريت، وسوريا مثل العراق شهدت استهدافاً للمسيحيين، وهو ما انعكس في العراق خلال الحصار والحرب، وتعاظم علي نحو مريع بعد الاحتلال، وكان هو الاخطر، وهو ما برز في سوريا خلال احتدام الصراع، ولا سيما المسلّح بين المعارضه والحكومه.

وسوريا مثل العراق كانت اقرب الي دولة مدنية وكانت المراه تتمتع ببعض الحقوق، لا سيما في جوانبها الاجتماعيه والثقافيه، ولعل هذه الحقوق قد تتعرّض للتهديد فيما اذا انتصر النموذج الاسلامي مثل العراق، حتي وانْ كان بواجهات سياسيه وبمشاركات شكليه لتعدديه اقرب الي المحاصصه السياسيه، لكن الجو الديني والتزمّت الاجتماعي اصبحا سائدين.

سوريا مثل العراق بدات الدوله تفقد سلطانها وسيطرتها ونفوذها تدريجياً علي مناطق من البلاد، واخذت المجاميع المسلّحه تهاجم مواقع عديده للدوله ومرافقها الحيويه وهياكلها الارتكازيه.

سوريا مثل العراق ازمتها عربيه، حيث بدات الدول العربيه بمحاصرتها واصدار قرارات من جامعه الدول العربيه، هذه المرّه وتخويل للأمم المتحدة ومبعوثها كوفي انان، وتصرّفت سوريا مثل العراق في اطار ردود فعل، ومن دون حساب موازين القوي.

سوريا مثل العراق تتعرض لحصار دولي جائر وقرارات دوليه مجحفه ستزيد من معاناه السكان المدنيين ومن تفكك النسيج المجتمعي السوري ومن مضاعفه التدخل الاجنبي، لا سيما ايجاد مرتكزات داخليه له. ولعل نظام العقوبات سيسهم بشكل سريع وحاسم مثل العراق في تهيئه مستلزمات الانهيار، حيث يمكن ان تسقط سوريا مثل التفاحه الناضجه بالاحضان، بالتدخل الخارجي او حتي بدونه، وقد يطول الامر وقد يقصر، لكن قطار العقوبات الدوليه طالما اصبح علي السكّه، فانه لن يتوقف الاّ في المحطه السوريه بعد الاطاحه بالنظام.

وسوريا مثل العراق عدو لاسرائيل، والاخيره لن تدّخر وسعاً لحل الجيش السوري مثلما حصل للجيش العراقي، وهو الهدف الاكثر خطوره. وسوريا مثل العراق ستخسر الكثير من علمائها واكاديمييها مثلما خسرت في العقود الثلاثه ونيّف الماضيه، وستضيع وتتبدد الكثير من الطاقات، ذلك ان اعاده البناء بعد الهدم والتفكيك، ستكون طويله وقاسيه.

القياده السوريه مثل القياده العراقيه رفضت جميع النصائح بحل سياسي وقبول انتقال سلس للسلطه نحو الديموقراطيه والتغيير الديموقراطي، ولعلّ نتيجه هذا الرفض ستكون مكلفه علي الجميع بما فيه النظام السوري واركانه، وكان يمكن قبول حل سياسي منذ بدايات الازمه بتشكيل حكومه ائتلاف وطني ثلثها من المعارضه وثلثها الاخر من حزب البعث وثلثها الاخير من المستقلين والتكنوقراط، وبقياده المعارضه، وهناك وجوه بارزه تم ترشيحها لاداره دفه السلطه خلال الفتره الانتقاليه في اطار التنوّع والتعدديه ومشاركه غالبيه القوي المعارضه وتحديد فتره 6 اشهر او 9 اشهر لاجراء انتخابات حرّه نزيهه باشراف دولي واجراء تعديلات دستوريه والغاء قوانين ذات عقوبات غليظه او مقيّده للحريات، وسنّ اخري بما يكفل انسيابيه التغيير والتواصل بدلاً من القطيعه، ودرء الخطر الخارجي بالتدخل او التسرّب سياسياً وعسكرياً.

لكن القياده السوريه لم توافق علي حلول من هذا القبيل، ولم تتوقف عمليات الملاحقه والقمع والارهاب للحركه السلميه والمدنيه الاحتجاجيه الواسعه، التي لجا بعض اطرافها لاحقاً وبعد مرور بضعه اشهر الي السلاح، وهو ما لقي تشجيعاً رسمياً عربياً واقليمياً ودولياً، سواءً من قطر او المملكة العربية السعوديه او من تركيا او الاتحاد الاوروبي وبموافقات ضمنيه اميركيه، معلنه او مستتره.

وسوريا مثل العراق يمكن ان تذهب ضحيه «فرق عمله»، كما يقال، بسبب تصريحات لمسؤولين رسميين، لعلهم بلا مسؤوليه، عندما يتحدثون عن وجود اسلحه كيمياويه، وذهب خيال الاسرائيليين الي احتمال تسليمها الي حزب الله «الارهابي» من وجهه نظرهم والذي يمكن ان يستخدمها ضد اسرائيل، الامر الذي قد يعطي مبرراً لتشديد الحصار علي سوريا، بل وحتي ضربها في اطار استهداف عسكري يطال سوريا ولبنان في الان.

الولايات المتحده تريد التعامل مع سوريا مثل العراق، اي خارج مجلس الامن وذلك في مسعي لادامه الصراع الداخلي ليتحوّل الي حرب أهليه، او ربما باتخاذ خطوه لاحقه بالتدخل العسكري (لم يحن وقتها) كما حصل بالنسبه للعراق، فعندما لم تستطع واشنطن الحصول علي قرار جديد بعد القرار 1441 عشيه الحرب علي العراق، لجات ومن دون تفويض الي شنّ الحرب عبر تحالف خارج الامم المتحدة.

وسوريا مثل العراق لم تستطع المبادرات المطروحه عليها اخراجها من النفق، لا سيما لجهد متوازن، حيث اصبحت العوده الي منطق الحوار تعبيراً عن التمسك بالهويه الوطنيه والحل الداخلي مستعصيه، كما ان استمرار الحال علي ما هي عليه قد يطول وقد يفرض نوعاً من الملاذ الامن save haven او الحظر الجوي No Fly zone كما حصل للعراق، وهذا سيعني التفتيت والتشظي، وكلّما طال الامد كلما زادت معاناه الناس وهمومهم.

بقي امر اساسي تختلف به سوريا عن العراق، وهو ان لها تحالفاً متيناً مع «حزب الله» اللبناني الذي يحظي بصدقيه عاليه، لا سيما في مقاومته للمشروع الصهيوني وتصدّيه للعدوان الاسرائيلي، وهو حليف قوي واساسي لايران في المنطقه، مثلما هو النظام السوري، وانْ كان ذلك عنصر قوه لاستمرار الوضع، كما هو الموقف الروسي، الاّ انه عنصر ضعف في الوقت نفسه، فالازمه الداخلية تتفاقم واعمال العنف تتسع، والفوضي تنتشر، وإحتمالات التفتيت والتشظي تلوح في الافق، بل تدّق علي الابواب، والعوده الي الوراء غير ممكنه، بل مستحيله.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل