المحتوى الرئيسى

هل انتهى حكم العسكر في مصر؟

08/19 02:32

يمكن القول ان القرارات التاريخيه التي اصدرها الدكتور محمد مرسى رئيس جمهوريه مصر العربيه باحاله عدد من ابرز القاده العسكريين الي التقاعد، واهمهم علي الاطلاق المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلي للقوات المسلحه والفريق سامي عنان رئيس الأركان، وقاده الطيران والبحريه والدفاع الجوي، قد انهت حقبه ازدواج السلطه في مصر والتي بدات بعد ثوره 25 يناير.

ومن المعروف انه بعد تنحي الرئيس السابق حسنى مبارك اوكلت مهمه اداره البلاد الي المجلس الاعلي للقوات المسلحه برئاسه المشير طنطاوي، والذي اشرف عبر مسيره متعثره طوال المرحله الانتقاليه التي تلت سقوط النظام القديم علي عمليه التحول الديموقراطي.

وهذه المرحله اختلطت فيها عوامل التعاون والصراع بين المجلس الاعلي للقوات المسلحه وجماعه «الإخوان المسلمين» باعتبارها اقوي التنظيمات السياسيه المصريه واكثرها تنظيماً، الي ان تغلب الصراع علي التعاون بعد حكم المحكمة الدستورية العليا بابطال مجلس الشعب المنتخب واصدار المجلس الاعلي للقوات المسلحه اعلاناً دستورياً مكملاً، اعطي فيه لنفسه سلطه التشريع وقيد من سلطات رئيس الجمهورية المنتخب الدكتور محمد مرسي، والذي كان قبل انتخابه رئيساً للجمهوريه رئيساً لحزب «الحريه والعداله» وهو – كما يقال عاده - الذراع السياسيه لجماعه «الاخوان المسلمين».

القرارات الاخيره للرئيس مرسي - كما ورد في عدد من التعليقات المؤيده خصوصاً من قبل الجماعات الاسلاميه - انهت حكم العسكر الذي دام ستين عاماً كامله، ويقصدون منذ ثوره يوليو 1952.

والواقع ان هذه تعميمات مرسله ولا اساس لها. لان ثوره يوليو 1952 والتي بدات فعلاً كانقلاب قام به العسكر ونعني تنظيم الضباط الاحرار، تحولت الي ثوره حقيقيه بعد ان اعلنت عن برنامجها الاساسي وهو تحقيق العدالة الإجتماعية لجماهير الشعب العريضه، والتي كانت مسحوقه نتيجه لاستغلال الطبقات الاقطاعيه وكبار الملاك.

والملاحظه نفسها تنطبق علي الرئيس السادات الذي وان جاء من العسكر الا انه استمد شرعيته السياسيه من ثوره 23 يوليو ومشروعها في التنميه والعدل الاجتماعي، وتاكدت هذه الشرعيه بانجازه التاريخي في حرب أكتوبر 1973.

غير ان السادات غيّر مسار مصر بالكامل بعد الغائه الاتحاد الاشتراكي والحزب الوحيد، وتحويل مصر من النظام الإشتراكي الي الراسماليه بعد ان بدا ما اطلق عليه عصر الانفتاح الاقتصادي.

ويبقي الرئيس السابق مبارك والذي استمد شرعيته اساساً من انجازه في حرب اكتوبر، وان كان قد ظل متمسكاً بشرعيه ثوره 23 يوليو كاساس لشرعيه النظام السياسي المصري.

والواقع انه – من الناحيه التاريخيه - يمكن رصد بدايات تدخلات العسكر في السياسه الي الاربعينات حين قام حسنى الزعيم بانقلابه الشهير في سوريه العام 1949. وبعد ذلك تتالت الانقلابات العسكريه في العراق وسوريه ومصر وليبيا. وان كان الانقلاب المصري عام 1952 والذي تحول الي ثوره كما قلنا من قبل هو اشهر حاله للتدخل المباشر للعسكريين في السياسه.

ويمكن القول – علي مستوي العالم - انه نتيجه لتتابع موجات الديموقراطيه تم اسقاط عديد من النظم العسكريه في مختلف القارات خصوصاً في اميركا اللاتينيه وافريقيا واسيا اصبحت الديموقراطيه كنظام سياسي هي النموذج السياسي الامثل في القرن الحادي والعشرين.

والواقع ان طبيعه العلاقه المتعدده بين المدنيين والعسكريين نالت اهتمام الباحثين في علوم اجتماعية متعدده وفي مقدمها بطبيعه الحال علم السياسه.

وما يطلق عليه في علم السياسه العلاقات المدنيه العسكريه، تصف العلاقات بين المجتمع المدني ككل والمؤسسه العسكريه، التي اسست لكي تدافع عنه. وهي بعباره اخري تصف العلاقه بين السلطه المدنيه والسلطه العسكريه.

والدراسات في هذا الموضوع تنطلق من قاعده اساسيه مبناها ان سيطره المدنيين علي العسكريين افضل في كل الاحوال من سيطره العسكريين علي الدوله.

والمشكله التي يركز عليها الباحثون في هذا الميدان، هي معرفه كيف اسس مبدا ان المدنيين لهم اليد العليا علي العسكريين، والطرق التي تم بها الحفاظ عليه.

وقد تناول الباحثون في هذا الصدد مواضيع شتي، من ابرزها السيطره المدنيه علي العسكريين، والعسكريه باعتبارها مهنه لها تقاليدها الخاصه، والحرب، والمؤسسات العسكريه. والبحث في هذا المجال لا يقتصر علي بلد واحد، ولكنه يتسع بنظره مقارنه ليشمل دولاً متعدده لها ثقافات مختلفه.

ولو اردنا ان نؤصل الموضوع تاريخياً لقلنا انه يرتد الي كتابات المفكر الصيني الشهير صن تسو Sun – Tzu وكذلك المفكر الاوروبي صاحب النظريات الشهيره عن الحرب كارل فون كلاوسيفتز Clausewitz، الذي الف عن نظريته عالم الاجتماع الفرنسي ريمون ارون كتاباً جامعاً من جزءين، يعد المرجع الرئيسي عن افكاره.

وكل من هذين المفكرين الرواد كان يصدر عن مبدا رئيس هو ان القاده العسكريين هم اساساً خدام الدوله، وبالتالي ياتمرون باوامر الحكام والرؤساء. وقد ادت الاتجاهات التي برزت - خصوصاً في النصف الاول من القرن العشرين بعد ظهور النازيه والفاشيه - نحو عسكره المجتمع، الي بحث وضع المؤسسات العسكريه في المجتمع.

وقد ساهمت تطورات الحرب الباردة وما ادت اليه من قرار الولايات المتحده الاميركيه بالاحتفاظ بجيش ضخم تنتشر قواته في مختلف انحاء العالم، الي التساؤل حول هل يمكن السيطره عليه من قبل دوله ديموقراطيه ليبراليه؟

والاطروحه الاساسيه التي صاغها صمويل هنتنغتون رائد البحث في الموضوع في كتابه الاساسي العسكري والدوله، ان الفرق الجوهري بين العسكريين والمدنيين ان الفئة الأولى عاده ما تتبني اتجاهات محافظه، في حين ان الفئه الثانيه غالباً ما تتبني اتجاهات ليبراليه. وكل من المؤسسه العسكريه والمؤسسه المدنيه لها قيمها الخاصه ومعاييرها التي تزن بها الامور.

والسؤال هنا كيف يمكن للمؤسسه المدنيه ان تهيمن علي المؤسسه العسكريه وتضبط حركتها؟

والاجابه التي يقدمها هنتنغتون علي هذا السؤال هي الاحتراف العسكري Professionalism. ويعني بذلك التركيز علي عمليه التنشئه العسكريه، خصوصاً بالنسبه الي فئه الضباط، باعتبارهم هم العناصر العسكريه المحترفه، وليس الجنود الذين يخدمون لفتره موقته ثم يتركون الخدمه العسكريه.

وهذه التنشئه العسكريه تركز علي قيم الانضباط، وتنفيذ الاوامر بغير مناقشه، والتضحيه بالذات في سبيل الوطن.

وهم – نتيجه هذه التنشئه - يكونون عاده علي استعداد للخضوع للاوامر الصادره عن قاده السلطه المدنيه، وعلي راسهم بالطبع رئيس الجمهوريه، الذي يعد القائد الاعلى للقوات المسلحة وكذلك وزير الدفاع.

والوسيله المثلي لاداره العلاقات بين المدنيين هي ان السلطه المدنيه هي التي تحدد الاهداف للمؤسسه العسكريه في حالات الحروب او المواجهات العسكريه، علي ان تترك طريقه التنفيذ للقاده العسكريين ولا تتدخل في اعمالهم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل