(ابن زهر).. عالم وطبيب خرج من رحم أزمات الدولة الإسلامية فى الأندلس

لم تكن احوال الدوله الاسلاميه مستقره دائما، بل مرت باضطرابات وازمات، وقد انتجت هذه الازمات علماء كبارا، شغلتهم هموم الامه في حاضرها ومستقبلها، فبرعوا في العلم، وقدموا للبشريه كثيرا من الانجازات، من بين هؤلاء العلماء ابومروان عبدالملك بن زهر، الطبيب المسلم الذي وصفه «ابن رشد» بانه اعظم الاطباء بعد جالينوس، الطبيب اليوناني، الشهير.

وقد نبغ إبن زهر في ظل اضطراب احوال الاندلس، ايام دول الطوائف والمرابطين والموحدين، واعتداءات الاسبان علي الدوله الاسلاميه، والثورات الداخليه. 

ولد ابومروان المعروف بابن زهر الاشبيلي عام 464 م، واشتغل اول الامر مع امراء دولة المرابطين، وسجنه امير الدوله «علي بن يوسف بن تاشفين» عشر سنوات، وبعد زوال الدولة المرابطية وقيام الدوله الموحديه، اشتغل طبيبا ووزيرا مع عبد المؤمن بن علي بن مروان، مؤسس الدوله، الذي دعمه ومهد له الظروف، لكتابه موسوعاته الطبيه التي لها اكبر الاثر حتي الان.

ابومروان سليل عائله «ابن زهر»، نشات في الاندلس من بدايه القرن العاشر الي اوائل القرن الثالث عشر الميلادي، ولها باع كبير في الطب، فوالده ابوالعلاء الذي يعد من امهر الاطباء في عصره في التشخيص والعلاج، وكذلك كان جده، ويكمل بن زهر هذه المسيره ليصبح من الاطباء الذين كان لهم تاثير كبير في الطب الاوروبي حتي القرن السابع عشر ميلادي، عبر كتابه «التيسير في المداواه والتدبير»،  الذي ترجم الي اللاتينيه والعبريه سنه 1490م،  وفي سنه 1991م قامت اكاديميه المملكه المغربيه بطبعه ضمن «سلسله التراث».

وفي مقدمه هذا الكتاب نادي ابن زهر بالطب الوقائي، كما ان له ملحقا صغيرا سماه الجامع، ويعد هذا الكتاب من اروع ما صنفه الاطباء العرب في علم الطب وبخاصه في امراض العين، كما بحث فيه ايضا عن الاغذيه ومراتبها حسب فصول السنه.

ان تجرد ابومروان من قيود التقليد التي تمسك بها اطباء عصره واعتماده علي دقه الدراسه السريريه في تشخيص الامراض ومداواتها والسعي وراء التجربه والتدقيق العلمي، وراء براعته في الطب، فقد اضاف له اشياء جديده بوصف مختلف للامراض الباطنيه والجلديه وانوع الحمي، والامراض الوبائيه حيث تكلم عن الامراض التي يكثر التعرض لها في مراكش، ووصف التهاب غشاء القلب ومَيَّزَ بينه وبين التهاب الرئة.   

ابن زهر هو اول من توصل الي دراسات وتشخيصات سريريه لمرض السرطان والاورام الخبيثه، واول من اشار بالوصف الدقيق الي الاورام السرطانيه التي تحدث في صدر الانسان وامراض السُل والشلل البلعومي، واول من عالج مشكله «القمل»، واول من وصف هذا «القمل» بانه حيوان صغير جدا.

 كما عالج مرض الرمد الحبيبي كما هو معروف حديثا، وقام بتشخيص الاذن وعالج التهاباتها، واول من استعمل الحقن للتغذيه الصناعيه، كما انه من اوائل الاطباء الذين بينوا قيمه العسل في الدواء والغذاء، كما اجري عمليه القصبه المؤديه الي الرئه.

كذلك يعتبر ابن زهر اول من اكتشف جرثومه مرض الجرب من اطباء المسلمين، كما انه هو اول من شخص اعراض خراج الحيزوم والتهاب التامور في حالتي النشافه والانسكاب.