المحتوى الرئيسى

الحجاج بن يوسف.. أكثر الشخصيات دموية فى التاريخ الإسلامى

08/17 18:47

من الشخصيات الاكثر دمويه علي مدي التاريخ الاسلامي، يحتل الحجاج مكانًا بارزًا بين هذه الزمره، فهو الظالم..المجرم.. الدموي.. الفصيح.. الشاعر.. الخطيب المفوه الذي يقف في مقدمه خطباء وفصحاء هذه الامه علي مدي تاريخها ايضًا، وهو الخبيث الداهيه الذي قال فيه عمر بن عبد العزيز: "لو تخابثت الامم فجاءت كل امه بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم"، وهو الذي كان يعتقد بان طاعه ولي الامر مقدمه علي كل شيء، وقصص الحجاج كثيره جدًا جدًا، بالنظر لطول مده حكمه للعراق التي دامت 20 سنه، وحكاياته وسجالاته ومعاركه ومواقفه اكثر من ان تحويها هذه المساحه المحدوده، لذلك نقف عند محطات قليله في حياه الحجاج كاشارات لهذه الشخصيه.

وُلد ابو محمد الحجاج بن يوسف بن ابي عقيل بن الحكم الثقفي في منازل ثقيف بمدينه الطائف، في عام الجماعه 41 هـ، وكان اسمه كليب ثم ابدله بالحجاج، وامه الفارعه بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي الصحابي الشهيد.

نشا في الطائف، وتعلم القران والحديث والفصاحه، ثم عمل في مطلع شبابه معلم صبيان مع ابيه، يعلم الفتيه القران والحديث، ويفقههم في الدين، لكنه لم يكن راضيًا بعمله هذا، علي الرغم من تاثيره الكبير عليه، فقد اشتهر بتعظيمه للقران.

كانت الطائف تلك الايام بين ولايه عبد الله بن الزبير، وبين ولايه الامويين، لكن اصحاب عبد الله بن الزبير تجبروا علي اهل الطائف، فقرر الحجاج الانطلاق الي الشام، حاضره الخلافه الامويه المتعثره، التي تركها مروان بن الحكم نهبًا بين المتحاربين.

وقد تختلف الاسباب التي دفعت الحجاج الي اختيار الشام مكانًا ليبدا طموحه السياسي منه رغم بعد المسافه بينها وبين الطائف، وقرب مكه اليه، لكن يُعتقد ان السبب الاكبر كراهته لولايه عبد الله بن الزبير.

وفي الشام، التحق بشرطه الاماره التي كانت تعاني من مشاكل جمه، منها سوء التنظيم، واستخفاف افراد الشرطه بالنظام، وقله المجندين، فابدي حماسه وانضباطًا، وسارع الي تنبيه اولياء الامر لكل خطا او خلل، واخذ نفسه بالشده، فقربه روح بن زنباع قائد الشرطه اليه، ورفع مكانته، ورقاه فوق اصحابه، فاخذهم بالشده، وعاقبهم لادني خلل، فضبطهم، وسير امورهم بالطاعه المطلقه لاولياء الامر.. لمس فيه روح بن زنباع العزيمه والقوه الماضيه، فقدمه الي الخليفه عبد الملك بن مروان، وكان داهيه مقدامًا، جمع الدوله الامويه وحماها من السقوط، فاسسها من جديد.. اذ ان الشرطه كانت في حاله سيئه، وقد استهون جند الاماره عملهم فتهاونوا، فاهم امرهم عبد الملك بن مروان، فاشار عليه روح بن زنباع بتعيين الحجاج عليهم، فلما عينه، اسرف في عقوبه المخالفين، وضبط امور الشرطه، فما عاد منهم تراخ ولا لهو، الا جماعه روح بن زنباع، فجاء الحجاج يومًا علي رؤوسهم وهم ياكلون، فنهاهم عن ذلك في عملهم، لكنهم لم ينتهوا، ودعوه معهم الي طعامهم، فامر بهم، فحبسوا، واحرقت سرادقهم، فشكاه روح بن زنباع الي الخليفه، فدعا الحجاج وساله عما حمله علي فعله هذا، فقال: انما انت من فعل يا امير المؤمنين، فانا يدك وسوطك، واشار عليه بتعويض روح بن زنباع دون كسر امره.

وكان عبد الملك بن مروان قد قرر تسيير الجيوش لمحاربه الخارجين علي الدوله، فضم الحجاج الي الجيش الذي قاده بنفسه لحرب مصعب بن الزبير، ولم يكن اهل الشام يخرجون في الجيوش، فطلب الحجاج من الخليفه ان يسلطه عليهم، ففعل.. فاعلن الحجاج ان ايما رجل قدر علي حمل السلاح ولم يخرج معه، امهله ثلاثاً، ثم اقتله، واحرق داره، وانهب ماله، ثم طاف بالبيوت باحثاًً عن المتخلفين، وبدا الحجاج بقتل احد المعترضين عليه، فاطاع الجميع، وخرجوا معه، بالجبر لا الاختيار.

في سنه 73هـ قرر عبد الملك بن مروان التخلص من عدوه ومنافسه عبد الله بن الزبير الي الابد، فجهز جيشاً ضخماً لمنازله ابن الزبير في مكه، وامَر عليه الحجاج بن يوسف، فخرج بجيشه الي الطائف، وانتظر الخليفه ليزوده بمزيد من الجيوش، فتوالت الجيوش اليه حتي تقوي تماماً، فسار الي مكه وحاصر ابن الزبير فيها، ونصب المنجنيقات علي جبل ابي قبيس وعلي قعيقعان ونواحي مكه كلها، ودامت الحرب اشهرًا، فتفرق علي ابن الزبير اصحابه، ووقعت فيهم الهزيمه.

اعلن الحجاج الامان لمن سلم من اصحاب ابن الزبير، وامنه هو نفسه، غير ان عبد الله بن الزبير لم يقبل امان الحجاج، وقاتل رغم تفرق اصحابه عنه طمعاً في امان الحجاج فقتل، وكان لابن الزبير اثنتان وسبعون سنه، وولايته تزيد عن ثماني سنين، وللحجاج اثنتان وثلاثون سنه.

بعد ان انتصر الحجاج في حربه علي ابن الزبير، اقره عبد الملك بن مروان علي ولايه مكه والحجاز كلها، فكرهه اهل مكه، وكان واياهم واهل المدينه علي خلاف كبير، وفي سنه 75 هـ حج عبد الملك بن مروان، وخطب علي منبر النبي صلي الله عليه وسلم، واعلن عزل الحجاج عن الحجاز لكثره

دامت ولايه الحجاج علي العراق عشرين عامًا، وفيها مات، وكانت العراق عراقين، البصره والكوفه، فنزل الحجاج بالكوفه، وكان قد ارسل من امر الناس بالاجتماع في المسجد، ثم دخل المسجد ملثماًً بعمامه حمراء، واعتلي المنبر فجلس واصبعه علي فمه ناظرًا الي المجتمعين في المسجد فلما ضجوا من سكوته خلع عمامته فجاه وكشف اللثام عن وجهه، وقال خطبته المشهوره: يا اهل العراق، يا اهل الشقاق والنفاق، ومساوئ الاخلاق، والله ان كان امركم ليهمني قبل ان اتي اليكم، ولقد كنت ادعو الله ان يبتليكم بي، ولقد سقط مني البارحه سوطي الذي اؤدبكم به، فاتخذت هذا مكانه ـ واشار الي سيفه ـ ثم قال: والله لاخذن صغيركم بكبيركم، وحركم بعبدكم، ثم لارصعنكم رصع الحداد الحديده، والخباز العجينه، ثم قال:

انا ابن جُلا وطلاع الثنايا ... متي اضع العمامه تعرفوني

ثم قال: اما والله اني لاحمل الشيء بحمله، واحذوه بنعله، واحزمه بفتله، واني لاري رؤوسًا قد اينعت وان اقتطافها، واني لانظر الي الدماء تترقرق بين العمائم واللحي، قد شمرت عن ساقها فشمري.. الي اخر خطبته التي بين فيها سياسته الشديده، وبين فيها شخصيته، كما القي بها الرعب في قلوب اهل العراق، ومن العراق حكم الحجاج الجزيره العربيه، فكانت اليمن والبحرين والحجاز، وكذلك خراسان من المشرق تتبعه، فقاتل الخوارج، والثائرين علي الدوله الامويه في معارك كثيره، فكانت له الغلبه عليهم في كل الحروب، وبني مدينه واسط بالعراق، وجعلها عاصمه لحكمه.

وبعدما مات عبد الملك بن مروان في 86هـ، وتولي ابنه الوليد بعده، فاقر الحجاج علي كل ما اقره عليه ابوه، وقربه منه اكثر، فاعتمد عليه، وكان ذلك علي كره من اخيه وولي عهده سليمان بن عبد الملك، وابن عمه عمر بن عبد العزيز، وفي ولايه الوليد هدد سليمان بن عبد الملك الحجاج اذا ما تولي الحكم بعد اخيه، فرد عليه الحجاج مستخفاً مما زاد في كره سليمان له، ولمظالمه، واذ ذاك كان قتيبة بن مسلم يواصل فتوحه في المشرق، ففتح بلادًا كثيره في تركستان الشرقيه وتركستان الغربيه واشتبكت جيوشه مع جيوش الصين، وكان الحجاج من سيره الي تلك البلاد، وفي نفس الوقت قام ابن اخ الحجاج بفتح بلاد السند (باكستان اليوم).

مات الحجاج ليله السابع والعشرين من رمضان عام 95هـ، وقيل ان موت الحجاج كان بسرطان المعده، وقبلها مرض مرضًا شديدًا.

ترك الحجاج وصيته، وفيها قال: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اوصي به الحجاج بن يوسف: اوصي بانه يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، وان محمدًا عبده ورسوله، وانه لا يعرف الا طاعه الوليد بن عبد الملك، عليها يحيا وعليها يموت وعليها يبعث.. الخ.

ويروي انه قيل له قبل وفاته: الا تتوب؟ فقال: ان كنت مسيئاً فليست هذه ساعه التوبه، وان كنت محسناً فليست ساعه الفزع، وقد ورد ايضاً انه دعا فقال: اللهم اغفر لي فان الناس يزعمون انك لا تفعل. ودُفن في قبر غير معروف المحله في واسط، فتفجع عليه الوليد، وجاء اليه الناس من كل الامصار يعزونه في موته، وكان يقول: كان ابي يقول ان الحجاج جلده ما بين عينيه، اما انا فاقول انه جلده وجهي كله.

وبقي ميراث الحجاج حيًا الي الان، فلا يزال موضع حرب وتطاحن بين المختلفين، ولا تزال الاخبار المختلقه تخالط سيرته، ولا زال يُلعن، ويُسب، ويراه الباحثون في التاريخ السياسي من الشيعه والشعوبيون نموذجًا للطاغيه الظالم سفاك الدماء، ويري المؤرخون السنه واهل الشام مثالاً للقائد الناجح الذي بلغ فيه الشرق الاسلامي اوج عظمته وقوته عسكريًا وحضاريًا.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل