المحتوى الرئيسى

فتح مكة : فى رمضان.. كان الفـــتح المبين

08/17 18:47

يقول ابن قيم الجوزيه في الجزء الثاني من مؤلفه العظيم "زاد المعاد" عن فتح مكة: "هو الفتح الاعظم الذي اعز الله به دينه، ورسوله، وجنده، وحزبه الامين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدي للعالمين، من ايدي الكفار والمشركين.. وهو الفتح الذي استبشر به اهل السماء، وضربت اطناب عزه علي مناكب  الجوزاء، ودخل الناس في دين الله افواجاً، واشرق به وجه الارض ضياءً وابتهاجا".ا. هـ.

سبب فتح مكه هو نقض بني بكر وقريش، للبند الثالث في معاهده "صلح الحديبيه"، فلقد جاء في معاهده الصلح بين رسول الله صلي الله عليه وسلم وقريش انه: "من احب ان يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن احب ان يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وتعتبر القبيله التي تنضم الي اي من الفريقين جزءًا من ذلك الفريق، فاي عدوان تتعرض له اي من هذه القبائل يعتبر عدواناً علي ذلك الفريق"، اذ قام نفر من رجال بني بكر بمساعده قريش ذات ليل، وهاجموا خزاعه ـ الذين دخلوا عهد الرسول صلي الله عليه وسلم ـ وهم نائمين امنين مطمئنين، فقتلوا منهم عشرين رجلاً، وعليه خرج جمع من بني خزاعه الي رسول الله صلي الله عليه وسلم بالمدينه يخبرونه بما حدث، فاجابهم الرسول صلي الله عليه وسلم واعداً اياهم بنصرتهم.

حاولت قريش بعد ذلك ان تجدد الصلح وتمد الهدنه، فارسلت ابو سفيان الي المدينه لهذا الغرض، الا انه لم يلق اي استجابه، فعاد الي مكه يحمل الفشل في مهمته علي راسه ووجهه.

امر الرسول صلي الله عليه وسلم اصحابه بالاستعداد والتجهيز للخروج، وتـم ذلك في سريه شديده، حتي حان يوم الخروج، وكان يوم الاربعاء 11 من رمضان سـنه 8هـ (الموافق 3 يناير سنه  629 م)، واستخلف الرسول صلي الله عليه وسلم  علي المدينة إبا رهم الغفاري (كلثوم بن حصيني بن عتبه).

مضي الرسول صلي الله عليه وسلم في جيش من عشره الاف من المجاهدين المسلمين، وهم صيام حتي وصلوا بئر الكديد، فافطر رسول الله صلي الله عليه وسلم وافطر اصحابه معه، ثم واصل المسلمون زحفهم حتي وصلوا الي "مر الظهران" بالقرب من مكه يوم الاثنين 16 رمضان (8 يناير) وكانوا عشاءً، فامرهم الرسول صلي الله عليه وسلم باشعال النيران، فاوقدوا عشره الاف نار، وكان ابو سفيان قد خرج من مكه يتجسس الاخبار هو واثنان من رجـال قريش، فلفت نظـره هـذه النيران الواسعه فقال محدثاً صاحبه: "ما رايت كالليله نيراناً قط ولا جنداً"، فسمعه العباس عم الرسول صلي الله عليه وسلم الذي كان يتمشي فوق بغله رسول الله صلي الله عليه وسلم فتحادث معه، ثم صحبه الي الرسول عليه الصلاه والسلام، وهناك اعلن ابو سفيان اسلامه.

وفي صباح يوم الثلاثاء 17 رمضان استانف الجيش الاسلامي رحلته الي مكه، تحت قياده النبي صلي الله عليه وسلم الذي امر قاده جيوشه الا يقاتلوا الا من يقاتلهم، وطلب العباس من أبي سفيان ان يذهب الي قومه ويبصرهم سبيل النجاه، فاسرع ابو سفيان حتي دخل مكه، وصرخ باعلي صوته: "يا قوم.. يا معشر قريش.. هذا محمد، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار ابي سفيان فهو امن".. فكان جواب قومه: "قاتلك الله وما تغني عنا دارك"، فقال ابو سفيان: "ومن اغلق عليه بيته فهو امن، ومن دخل المسجد فهو امن".. فتفرق الناس، منهم من دخلوا بيوتهم، ومنهم من دخل المسجد.

اما رسـول الله صلي الله عليه وسلم فقـد واصـل سيره حتي انتهـي الي وادي "ذي طوي"، وهناك قسم جيشه، فجعل خالد بن الوليد علي الميمنـه، وجعل الزبير بن العوام علي الميسره، وتحركت كتائب الجيش الاسلامي فدخلت مكه من شمالها، ومن جنوبها، ودارت عده معارك صغيره بين الجيش المسلم وعدد من سفهاء قريش، وقتل من المشركين 28 نفراً، ومن المسلمين ثلاثه.

وقام الزبير بن العوام برفع رايه رسـول الله صلي الله عليه وسلم في "الحجون" عند المسجد الحرام، وظل في مكانه لم يبرحه حتي اتاه الرسول صلي الله عليه وسلم وحوله المهاجرون والانصار، فقصد الحجر الاسود، واستلمه، ثم طاف بالبيت وكان فوقه 360 صنماً، فجعل يطعنها بقوسه وهو يقول:

"جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقاً". (سوره الاسراء ـ ايه 18)

وازال كل ما وضعه المشركون فيها من صور، ثم امر بلال ان يؤذن فصعـد بلال فوق ظهر الكعبه، واذن للصـلاه، واقبل اهل مكه يدخلون في دين الله افواجاً، وخطب فيهم الرسول صلي الله عليه وسلم قائلاً:

"لا اله الا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده، الا كل ماثره او مال او دم فهو تحت قدمي هاتين، الا سدنه البيت وسقايه الحاج، الا وقتيل الخطا شبه العمد (كالضرب المفضي الي الموت) ففيه الديه مغلظه، مائه من الابل، اربعون منها في بطونها اولادها.. يا معشر قريش ان الله قد اذهب عنكم نخوه الجاهليـه وتعظمها بالاباء، الناس من ادم، وادم من تراب، ثم تلا قوله تعالي:

"يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير". ( سوره الحجرات ـ ايه 13)

ثم قال صلي الله عليه وسلم:

"يا معشر قريش ما ترون اني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً.. اخ كريم وابن اخ كريم، قال: فاني اقول لكم ما قاله يوسف لاخوته: "اذهبوا فانتم الطلقاء".

وفي اليوم الثاني لوجوده في مكه خطب الرسول صلي الله عليه وسلم في اهل مكه فقال:

"ان الله حرم مكه يوم خلق السموات والارض، فهي حرام بحرمه الله الي يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر ان يسفك فيها دماً، او يعضد بها شجره، فان احد ترخص بقتال رسول الله صلي الله عليه وسلم فقولوا ان الله قد اذن لرسوله ولم ياذن لكم، وانما حلت لي ساعه من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس، فليبلغ الشاهد الغائب".\nواجتمع الناس بمكه بعد ذلك لمبايعه النبي صلي الله عليه وسلم علي السمع والطاعه، فجلس الرسول صلي الله عليه وسلم علي الصفا وعمر بن الخطاب اسفل منه ياخذ منه الكلام ويبلغه للناس، بايع الرجال اولاً ثم بايع النساء، واسلمت هند بنت عتبه امراه ابي سفيان علي يديه.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل