المحتوى الرئيسى

طغيان مؤسس دولة الموحدين

08/16 13:18

احتدم الصراع بين المذاهب الاسلاميه واتخذ اشكالا مختلفه في كل المجالات، وما لبث ان تحول الي معارك طائفيه وحروب دينيه، فقد سجل التاريخ فظائع كثيره ارتكبت باسم الحق، فقد كان قاده المذهب منغلقين علي انفسهم وطلابهم، ويسرف كل منهم في ادعاء امتلاك الحق والحقيقه، وهو ما دعاهم الي كثره نقد بعضهم بعضًا نقدًا ممزوجًا بالتشويه، فبثوا روح الكراهيه بين المذاهب، وجعلوا الطلاب فريسه للتطرف العقلي والارهاب السلوكي.

وقد كان محمد بن تومرت مؤسس دوله الموحدين، اكبر نموذج لذلك الانغلاق، ثم التطرف، فالارهاب في ابشع صوره يُعرّفه الامام الذهبى السلفي في السير بانه «الشيخ الامام، الفقيه الاصولي الزاهد، ابو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت المدعي انه الإمام المعصوم والمهدي المنتظر»، لقد خاض ابن تومرت رحله علميه لا باس بها، فرحل من السوس الاقصي الي المشرق، وتعلم علي يد بعض من اعلام الدين الإسلامي «الكيا الهراسي، وابي حامد الغزالي، وابي بكر الطرطوشي، وجاور سنه، وكان لهجًا بعلم الكلام، خائضًا في مزال الاقدام»، وعن صفه حياته يقول الذهبي «وكان ابن تومرت خشن العيش فقيرًا، قانعًا باليسير، مقتصرًا علي زي الفقراء، غير طالب للذه، لا في ماكل ولا منكح، ولا مال، ولا في شيء غير رياسه الامر، حتي لقي الله تعالي». وفي نهايه رحلته العلميه يقول الذهبي «الف عقيده لقّبها بالمرشده، فيها توحيد وانحراف، فحمل عليها اتباعه، وسماهم الموحدين، ونبز من خالف المرشده بالتجسيم، واباح دمه، نعوذ بالله من الغي والهوي».

يقول الصلابي «ان ابن تومرت لم يتاثر بمدرسه واحده من مدارس الفكر التي كانت تعيش في زمانه، بل تاثر بمدارس فكريه متعدده واخذ من المذاهب الفقهية والفكريه ما يتواءم مع شخصيته ومعتقداته ويحقق اهدافه».

كان ابن تومرت امّارًا بالمعروف، نهاءً عن المنكر، وقد تسبب اصراره علي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في اذي كبير له فقد اوذي بمكه، فذهب الي مصر، وبالغ فيها بالانكار، فطردوه، واذوه. يقول الامام السبكي في الطبقات «دخل الي مصر وبالغ في الانكار، فبالغوا في اذاه وطرده، وكان ربما اوهم ان به جنونا، وذلك عند خشيه القتل ثم خرج الي الاسكندريه، فاقام بها مده، ثم ركب البحر ومضي الي بلاده ثم نزح الي بجايه، فاقام بها ينكر كدابه، فاُخرج منها الي قريه ملاله، فقال لانصاره ان هذا الموضع لا يحميكم، وان احصن الاماكن المجاوره لهذا البلد (تينملل) وهي مسيره يوم في هذا الجبل، فانقطعوا فيه وتسامع اهل الجبل بوصول ابن تومرت فجاؤوه من النواحي يتبركون به، فكثر اتباعه واخذ يذكر المهدي ويشوق اليه وجمع الاحاديث التي جاءت في فضله، فلما قرر عندهم عظمه المهدي ونسبه ونعته ادعي ذلك لنفسه، وقال انا محمد بن عبد الله، وسرد له نسبًا الي عليّ عليه السلام، وصرح بدعوي العصمه لنفسه وانه المهدي المعصوم، وبسط يده للمبايعه فبايعوه، فقال ابايعكم علي ما بايع عليه أصحاب رسول الله، صلي الله عليه وسلم، ثم صنّف لهم تصانيف في العلم».

لقد اخترع ابن تومرت مذهبًا خاصًّا به هو مزيج من الاعتزال والاشعريه والسلفيه، واتهم كل من لا يتبعه، بالتجسيم والكفر، يقول الامير عزيز في «اخبار القيروان»: سمَّي ابن تومرت اصحابه بالموحدين، ومن خالفه بالمجسمين، واشتُهر، وبايعته هرغه علي انه المهدي، فقصده الملثمون، فكسروا الملثمين، وحازوا الغنائم، ووثقت نفوسهم، واتتهم امداد القبائل، ووحد هنتاته، وهي من اقوي القبائل، ويقول اليسع بن حزم: سمي ابن تومرت المرابطين بالمجسمين، وما كان اهل المغرب يدينون الا بتنزيه الله تعالي عما لا يجب وصفه بما يجب له، مع ترك خوضهم عما تقصر العقول عن فهمه، فكفرهم ابن تومرت لجهلهم العرض والجوهر، وان من لم يعرف ذلك، لم يعرف المخلوق من الخالق، وبان من لم يهاجر اليه، ويقاتل معه، فانه حلال الدم والحريم، وذكر ان غضبة لله وقيامه حسبه.

لقد جمع ابن تومرت اصحابه في جبل واغلق عليهم ومنع عنهم اي مصادر للعلم او المعرفه غيره، وهذا الانغلاق هو بدايه كل تطرف وارهاب، فكان يخاطب اصحابه قائلا: «واعلموا وفقكم الله ان المجسمين والمكّارين وكل من نسب الي العلم اشد في الصد عن سبيل الله من ابليس اللعين، فلا تلتفتوا الي ما يقولونه، فانه كذب وبهتان وافتراء علي الله ورسوله، وما نسبوكم اليه من الخلاف لله والرسول، فذلك خب وغش للمسلمين وخيانه لله ورسوله.. فانتبهوا وفقكم الله الي هذه الحيل، فقد عكسوا الحقائق وقلبوها وحرّفوا الكلام عن مواضعه. ونسبوا من دعا الي التوبه والتوحيد واتباع السنه الي الخلاف وسموه مخالفا ببغيهم..»، انها نفس الطريقه لسيطره المنغلقين علي عقول شبابهم في كل زمان، فنحن الحق، وسوانا باطل وتلاعب وغش.

وبعد ان غسل ابن تومرت عقول تابعيه وتلاميذه كوّن منهم جيشًا صغيرًا يقول اليسع في تاريخه: «شرع اتباعه يُغيِرون ويقتلون، وكثروا وقووا، ثم غدر باهل تينملل الذين اووه، وامر خواصه، فوضعوا فيهم السيف، فقال له الفقيه الافريقي احد العشره من خواصه: ما هذا؟! قوم اكرمونا وانزلونا نقتلهم!! فقال لاصحابه: هذا شك في عصمتي، فاقتلوه، فقتل».

لقد امن ابن تومرت بفكره الشيعه في ضروره وجود المهدي الذي يقود الناس الي الحق، ولما راي انه احسن الناس معرفه بالله ورسوله والحق، وانه المتحمل عبء قياده الناس الي الحق في زمانه، ادعي انه المهدي المنتظر يقول في كتابه «اعز ما يطلب»: «لا يصح قيام الحق في الدنيا الا بوجوب اعتقاد الامامه في كل زمان من الازمان الي ان تقوم الساعه... ولا يكون الامام الا معصومًا ليهدم الباطل، لان الباطل لا يهدم الباطل... وان الايمان بالمهدي واجب، وان من شك فيه كافر، وانه معصوم في ما دعا اليه من الحق، وانه لا يكابر ولا يضاد ولا يدافع ولا يعاند ولا يخالف ولا ينازع، وانه فرد في زمانه، صادق في قوله، وانه يقطع الجبابره والدجاجله، وانه يفتح الدنيا شرقها وغربها، وانه يملؤها بالعدل كما ملئت بالجور، وان امره قائم الي ان تقوم الساعه»، ثم لم يلبث ان قال: «انا المهدي المعصوم، انا احسن الناس معرفه بالله ورسوله».

لقد تطرف ابن تومرت واتباعه وباتوا لا يسمعون الا صوت انفسهم، وفي مثل هذه الحاله كل شيء يريده المتطرف يكون واجبًا لا بد من وقوعه، والا فالعواقب ستكون وخيمه، فبعد ادعائه العصمه زاد من هجومه علي عقيده المرابطين الحنبليه، وهم الحكام يومئذ ووصفهم بعبّاد الاوثان، وعلي هذا الاساس استباح دم المرابطين الكفار اعداء دينه الذي لم يسمع به احد، فكان يوصي اصحابه بانهم اذا ما راو احدًا من المرابطين الحاكمين او اتباعهم فليحرقوه، يقول اليسع كما ينقل عنه الذهبي في السير: وكل ما اذكره من حال المصامده، فقد شاهدته، او اخذته متواترًا، وكان في وصيته الي قومه اذا ظفروا بمرابط او تلمساني ان يحرقوه.

لقد كان ابن تومرت مسرفًا في القتل، يقول الذهبي «صح عندي انه قتل سبعين الفًا في يوم واحد».

ويروي ابن القيم بعضًا من فظعاته في كتابه «المنار المنيف»: «اما مهدي المغاربه: محمد بن تومرت، فانه رجل كذّاب ظالم متغلب بالباطل، ملك بالظلم والتغلب والتحيل، فقتل النفوس، واباح حريم المسلمين، وسبي ذراريهم، واخذ اموالهم، وكان شرًّا علي المله من الحجاج بن يوسف بكثير. وكان يودع بطن الارض في القبور جماعه من اصحابه احياء، يامرهم ان يقولوا للناس: انه المهدي الذي بشّر به النبي صلي الله عليه وسلم، ثم يردم عليهم ليلا، لئلا يكذِّبوه بعد ذلك، وسمي اصحابه الموحدين، واستباح قتل من خالفهم من اهل العلم والايمان، وتسمي بالمهدي المعصوم»..

ويروي المراكشي في «المعجب في تلخيص اخبار المغرب»، انه كان عرّافا يقول: وكان ابن تومرت هذا اوحد عصره في علم خط الرمل مع انه وقع بالمشرق علي ملاحم من عمل المنجمين.

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل