المحتوى الرئيسى

صاروخ بشري في ليلة أسطورية

08/14 16:07

في العاده يخاف الناس من الاعصار.. يقفلون علي انفسهم، يتوجسون، يسدون المعابر ومنهم من يغمضون العيون، ولكن الثمانين الفا من الذين تواجدوا ذاك المساء الساحر من مساءات الألعاب الأولمبية، بمسرح الاعاجيب والاساطير، الملعب الأولمبي بلندن لم ينزووا بانفسهم في ركن امن، لم يتوجسوا، بل فتحوا عيونهم وصدورهم لكي يمر الاعصار، فليجرفهم بعيدا، ان كان ذلك هو الثمن الحقيقي لمتعه لا حدود لها.

في ذلك اليوم، الاحد الخامس من غشت وعلي غير العاده كانت الاجواء مختلفه، لنقل مكهربه، مع اختلاف عميق، ان الومضات لم تكن ومضات خوف وقلق، بل ومضات فرح وسعاده.

كل الذين تحصلوا علي تذكره الدخول الي مسرح العرض، كان سعداء بما فعلوا، بل موقنين من انهم سيشهدوا لحظه تاريخيه، تحكي عن اعجاز انساني، راضون بان يضربهم اعصار المائه متر عدوا جرت العاده وقضت الاعراف ان تكون هي اللحظه المميزه بل الحظه المقدسه في كل الالعاب الاولمبيه.

في اقل من عشر ثوان سينزل علي سطح الأرض رجال من كواكب اخري، سيطلقون في الفضاء ومضات ايذانا بقدوم النيازك، سيشع في المسرح نور مبهر، وبعد ذلك ياخذ الاعصار الكل الي رحله طويله من السعاده وان كانت قصيره زمنا.

مرت تصفيات الدور نصف النهائي للمسافه الملكيه لالعاب القوى، بل وللالعاب الاولمبيه، وبارقام ساخنه جدا ومبهره عبر الكبار الي السباق النهائي، ووضعنا امام ثمانيه قطارات مكوكيه عابره للقارات، ثمانيه عدائين يعدون 100 متر في زمن قياسي لا يزيد ابدا عن العشر ثوان، وايقنا بعدها اننا سنعيش اجمل واقوي اعصار، فليس كل مره تتوحد الاعاصير في اعصار واحد.

طبعا كانت الاضواء كلها موجهه للذي حمل كل النعوث وكل الاوصاف واستحق لقب الرجل الخارق، الجامايكي اوسيان بولت، فهو الرجل الاسرع علي كوكب الأرض، هو صاحب الارقام التي تصنف في عداد المعجزات وهو الرجل الذي يجعلك تحبه من اول نظره، لان فيه تجتمع صفات كثيره، فيها ما هو دال علي الانسانيه، علي الطيبوبه وعلي الفرح.

سعدنا نحن المغاربه وحزننا في الفاصل الزمني الذي باعد بين الدور نصف النهائي والسباق النهائي للمائه متر، سعدنا وقد صمم العداء عبد العاطي ايكدير بطريقه رائعه سباقا نصف نهائي قاده باقتدار لنهائي 1500 متر الذي اجراه اول امس الثلاثاء، وحزننا ان لا يكون اي من العداءين المغربيين حميد الزين وابراهيم طالب قد بلغ منصه التتويج لمسافه 3000 متر موانع والتي كان سباقها النهائي علي غير العاده بطيئا وتكتيكيا، بدليل انه مكن الفرنسي من اصول جزائريه محي الدين بنعباد مخيلصي من الحصول علي ميداليه فضيه ومن كسر الاحتكار الكيني لميداليات المسافه.

في ذهن اوسيان بولت القاطره المكوكيه، كان هناك شعور بالثقه في الملكات العجيبه التي لا تتوفر لغيره وكان هناك احساس بسعاده غامره يقتسمها مع القطارات السريعه الاخري وابرزها مع مواطنه وصديقه يوهان بلاك، فقد كانت الليلة توحي بان هناك ومضه نور خلف السحب الداكنه التي كانت تغطي سماء لندن، وكان هناك توجس من ان يسقط الرجل الاسرع في العالم في فخ الانطلاقه الخاطئه كما كان الحال في بطوله العالم بدايغو قبل سنه.

اما التوجس الذي كان يركب بولت فقد خلصه منه نسبيا مدربه غلين ميلس عندما صاح في وجهه: «توقف عن القلق بشان البدايه الخاطئه، اقوي ما في سباقك هي النهايه»، وهذه النهايه هي ما سيشعل النار التي سنحترق بها جميعا من اجل ان يعم نور السعاده.

حلت اللحظه التاريخيه وصوبت الكاميرات المثبته ارضا وجوا نحو وجوه العدائين الثمانيه، كل يتصرف بطريقته وكل يرسل الي العالم الذي يشاهده اشاره علي انه في قمه التركيز برغم ما يظهر علي الملامح من انشراح، يقول بولت عن تلك اللحظه: «احاول دائما ان اكون انا وليس اي شخص اخر، عندما امسح راسي بيدي فلاخلص نفسي من كل الوساوس»، وساد المسرح صمت رهيب ومطبق، ولا نفس الا من عيون شاخصه سكنت خط الانطلاقه وقلوب العدائين الثمانيه تخفق، ومع اشاره البدايه، تفككت المركبات من اربطتها، وانطلقت لتجعل من 9 ثوان و63 جزء من المائه لحظه تاريخيه بكل المقاييس، مع نهايتها كان اوسيان بولت يحتفظ بلقبه الاولمبي، يحتفظ بلقب اسرع رجل في العالم ويحقق رقما اولمبيا جديدا هو ثاني افضل رقم في تاريخ المسافه الملكيه.

ببساطه شديده كان اوسيان بولت علي بعد خمسه اجزاء من الثانيه عن رقمه القياسي العالمي، وبالمختصر المفيد، كتب الرجل صفحه جديده في كتاب الخوارق.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل