المحتوى الرئيسى

الجين المستهتر

08/13 09:51

منذ اعوام عده -في عصر الجنرال شارون- اقتحم بلدوزر اسرائيلي الحدود مع لبنان وتوغل مسافه عشرين مترًا. لم تكن هناك حرب وقتها وكانت الاوضاع شبه هادئه. علي كل حال لم يعش سائق البلدوزر ليتجاوز المتر الواحد والعشرين، لان قذائف حزب الله احرقته حيث هو، وفي ما بعد قال شارون عبارته الشهيره -التي لا يستعملها الا مع حزب الله- ان اسرائيل تحتفظ لنفسها بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين. الشبه قوي بين هذا الحادث وما وقع منذ ايام وتلك المذبحه التي اودت بحياه عدد كبير من شبابنا في سيناء. علي ان استجابه رجال حزب الله كانت سريعه جدًّا وقاسيه جدًّا، وكنت اتوقع ان جيشنا النظامي سيتصرف بكفاءه مماثله او اكبر. هذا الحادث يدق اجراس خطر كثيره، ومنها جرس يقول اننا لسنا بالقوه ولا الجهوزيه اللتين نعتقد انهما موجودتان. نفس الاخطاء والتقاعس والتراخي.. ونفس العجز عن الاستفاده من المعلومات المتوافره. رايت هذا الموقف مرارًا في حياتي، حتي بدات اعتبر انه عيب كامن في الجينات المصريه نفسها. في 1967 ينذر عبد الناصر الجيش ان الهجوم سيكون صباح 5 يونيو.. ثم تصل اشاره الانذار الشهيره (عنب عنب) من موقع عجلون، تلك التي ارسلها الشهيد العظيم عبد المنعم رياض لينذرنا من اسراب الطيارات الاسرائيليه القادمه.. لكن لا شيء يحدث.. (سيد حباره) غيّر مفتاح الشفره ولم يخطر بها من بعده وهكذا ضاعت اهم شفره في تاريخ مصر.. وفي لحظه الحقيقه تجد الطائرات واقفه صفوفًا كبط ينتظر الذبح في المطارات، ويتبين ان المصريين يستعملون نفس موجات اللاسلكي التي استعملوها عام 1956 لانهم لا يتعلمون ابدًا. حوادث لا حصر لها.. مثلا حادث الاقصر الذي انتهي بذبح 58 سائحًا بالسكين، وتبين انه لا يوجد الا (سيد حباره).. جندي شرطه واحد علي مسافه ثلاثه كيلومترات. قال مبارك ان هذه خطه تهريج، واطارت كلمته هذه رؤوسًا كثيره.. ومن جديد يتكرر نفس السيناريو.

ياتي هذا الحادث كذلك في جوّ من الاحتفال وتهنئه النفس بكفاءه المخابرات المصرية، ليتبين لنا كالعاده ان هناك خللاً في هذا الجهاز، وبالفعل هو لا يؤدي عمله جيدًا، كجزء من منظومه انهيار كل شيء في مصر حاليا. الدوله التي ينقطع فيها التيار الكهربي خمس مرات يوميًّا بلا تفسير واضح، لا اعتقد انها تملك جواسيس يثبّتون الميكروفيلم في اهدابهم، ويحملون اقلامًا تُطلِق سهامًا مخدره، ويتسللون الي البيت الأبيض لسرقه مستند مهم. وقد سمعنا رئيس جهاز المخابرات العامه المصريه يقول ان المخابرات بلغتها انباء عن الهجوم، لكنها لم تتصور ان يقتل مسلم اخاه المسلم ساعه الافطار! هذه الجمله في حد ذاتها تكفي لتطهير جهاز المخابرات من جديد. علم المخابرات لا يمكن ان يتكلم بمنطق ام بيومي وام بلبل، او امينه زوجه سي السيد التي كانت تري ان ملكه انجلترا اُمّ، ويمكن ان تخاطب قلبها مباشره لتجعل الانجليز يخرجون من مصر. هكذا نكتشف ان المخابرات جهاز كاي جهاز اخر في الحي العشوائي الكبير الذي يحمل اسم مصر، وقد ضربه العطب. ورغم الضربات الساحقه الماحقه التي يوجهها الي اسرائيل بلا توقف في المسلسلات التليفزيونيه (موضه رافت الهجان) فكل هذا نوع من الحشيش نتسلي به عن الحقيقه. والحقيقه هي ان اسرائيل هي التي انذرتنا من الهجوم. ببساطه هي دوله ديمقراطيه متقدمه اخذت باسباب العلم، ولا يتولي منصب حساس فيها الا من يستحق ذلك.

مشكله اجهزه المخابرات وأمن الدولة.. الخ.. عندنا معشر العرب.. هي ان مهمه الجهاز تتحول مع الوقت الي العنايه بامور الجهاز نفسه. تشعر ان هؤلاء الساده يحبون جدا لعبه الغموض والخطوره والاهميه و(البلد حتروح في شربه ميه).. نحن نقوم باشياء خطيره جدًّا.. نحن مرعبون.. هل تذكر وجوه ضباط يوليو بالشارب الكث والنضاره السوداء الغامضه؟ تكتشف بعد هذا انهم كانوا يناقشون بذات الخطوره اخبار انديه كره القدم.. راجع الكتاب الممتع «مصر بتلعب» للزميل محمد توفيق وانا اعدك ان يظل فمك مفتوحًا من الذهول لعده ساعات. وفي الوقت نفسه يفشلون في معظم القضايا الخطيره التي تمس امن الدوله فعلاً.. بالتاكيد هم يعرفون ماركه الفانله الداخليه التي يرتديها اي معارض، لكنهم يعجزون عن التنبؤ بتسلل كل هؤلاء ليذبحوا شبابنا. بل ويدمرون افلامًا مهمه صورتها كاميرات المتحف المصري يوم جمعه الغضب.

جو الغموض الذي يحيط بهذا الجهاز يعطي اصحابه شعورًا متناهيًا من القوه والسيطره، وحتي في الولايات المتحده نحن نعرف هوفر، وفي مصر كان صلاح نصر رجل مخابرات قويًّا يعرف ما يفعله، لكنه كذلك اساء استخدام هذه القوه.

من ارتكب هذا الهجوم في سيناء؟

اعتقد اننا لن نعرف ابدًا كالعاده. لاحظ اننا حتي هذه اللحظه لا نعرف من المسؤول عن تفجيرات كنيسه القديسين، ولا تقل انه العادلي لو سمحت لان اي تحقيق لم يجرِ. ولا تقل في ثبات ان جمال مبارك هو مدبر تفجيرات سيناء.. حتي لو كنت تحب ان تعتقد هذا فما دليلك؟ لم نعرف بعد مصير رضا هلال يقينًا.. الغاز كثيره جدًّا بلا حل وستظل كذلك. العزيز بلال فضل يذكرنا بالقاعده المهمه في الأدب البوليسي (مَن المستفيد؟). هذا يضع اطرافًا كثيره جدًّا في ميزان الشك، ومنها بالطبع اسرائيل التي يسعدها ان تسري في المجتمع المصري حالة كراهيه للفلسطينيين، وان تلاحق مصر الانفاق، وان يدب الخلاف بين الحكومه وحماس. لكن لا اظن اسرائيل ترحب بالحرب مع مصر ابدًا مهما كان ضعف مصر الحالي.. مصر مشكله بحجمها الديموجرافي والقومي والثقافي ويمكنها ان تتعب اسرائيل طويلاً. نفس الشيء ينطبق علي حماس.. ليس من مصلحتها ابدًا ان تخسر مصر او تلاحق مصر الانفاق كلها. المستفيد هو شخص يهمه انهيار حكومه مرسي، وهذا يضع الفلول علي راس القائمه، بالتنسيق مع عناصر جهاديه من سيناء طبعًا. هناك احتمال واحد يستبعد قاعده المستفيد، لانه لا منطق يحكم افكار هؤلاء. من الممكن ان تكون العمليه اجتهادًا ذاتيًّا من قاعديين متحمسين في سيناء يريدون فرقعه العلاقات ويرون ان هؤلاء الشباب المصري الصائمين كفره وقتلهم حلال. اي هم يلعبون ضد العالم كله..

الاحتمالات كثيره.. ولن نعرفها ابدًا.. والحقيقه مدونه الان في ملف ما علي مكتب مسؤول مخابرات، لكنها لن تنشر ابدًا. انه الجين المستهتر وليس الجين الاناني الذي وصفه الخواجه دوكينز. وعلينا ان ننتظر الحادث القادم في قلق ما لم نغير ذلك الجين الخمول المستهتر في خلايانا.

اتصل بنا | شروط الاستخدام | عن الموقع

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل