المحتوى الرئيسى

نظرة أخرى متفائلة لثورتنا

08/13 09:29

قالها احد الاصدقاء الاعزاء المتشككين منذ زمان في قدره الثوره علي النجاح: «الثوره ساحت في الحر بعدما انقطعت الكهرباء»، ملخصا شعورا مظلما خيم بظلاله القاتمه علي كثيرين في الاسابيع الاخيره، بعدما بدا ان المبادره والفعل انحصرا مره اخري في يد من لا يشفي غليل ولا يسعي لمامول.

لكن هذا راي اخر يجيء من بريطانيا، راي لم يغرق راسه في مستنقعات معارك عكاشه وابوحامد والحويني ومبارزات الديكه الاستراتيجيين وأزمة المياه المعدنيه. في كتابه «لماذا تنطلق في كل مكان؟ الثورات العالميه الجديده»Why It Is Kicking Off Everywhere: The New Global Revolutions، يعتبر «بول ميسون» مصر جزءا من ثوره عالميه هادره وليس مجرد مواجهه محليه عابره مع الديكتاتور مبارك. يسوح بنا ميسون وهو المحرر الاقتصادي لهيئه الاذاعه البريطانيه بي بي سي وصاحب واحد من اكثر الكتب مبيعا عن الازمه الاقتصاديه العالميه بين اناس واماكن تبدا بمصر وتونس وتعود للندن، قبل ان تاخذنا لمانيلا في الفلبين واليونان والولايات المتحده واسبانيا، في لغه تمزج التحقيق الصحفي بالتحليل السياسي والاقتصادي والمالي.

ما هو المشترك بين تمرد شوارع في لندن واحتجاجات اليونانيين علي اجراءات التقشف التي يدفع بها حكام يقولون انهم يمنعون الدوله من الافلاس؟ ما الذي يربط حياه سكان اوكلاهوما الامريكيه الذين يجاهدون من اجل منزل ووظيفه وموسي زكري المصرى الذي يسكن في المقطم؟ يتعرض ميسون في كتابه سريعا للبعد الاتصالي المتعلق باستخدام الانترنت في تنظيم الناس للاحتجاج، وهو ما كان سمه اساسيه في ثورات العرب وفي حركه «احتلوا» في امريكا وغيرها. لكنه، وبعد ان يعطي ميزات التنظيم الالكتروني قدرها، ينتقل لما يسميه «عطل في نظام التشغيل» «Error De Sistema»، او الاسباب الاقتصاديه للتوتر الحالي». يتحدث ميسون عن تبعات الازمه الاقتصاديه العالميه، التي لا نحسب لها حسابا عندما نتكلم عن مستقبل الرئيس مرسي او دور المجلس العسكري. «الان وعبر العالم، سيكون هناك تقشف علي نطاق غير مسبوق. من كاليفورنيا للقاهره، من المؤكد ان الجيل الصاعد سيكون افقر مما كان عليه. وحتي لو لم يحدث كساد مصحوب بانخفاض في الاسعار علي نمط الثلاثينيات، فان بلادا كاليونان سوف تمر بمستويات تقشف مماثله للثلاثينيات». ولهذا معان سياسيه خطيره: «برغم ذلك يبدو صناع القرار السياسي والاقتصادي غير قادرين علي اعاده التفكير. فاطار التفكير الخاص بهم تشكل في عالم كان فيه بنك ليمان بروزرز موجودا واسعار العقارات دائما ما ترتفع. ويوجد هذا بدوره ازمه شرعيه: تتقدم احزاب اليمين واليسار غير الوسطيه انتخابيا عبر اوروبا، هذه فقط هي قمة جبل جليد عدم الرضاء».

لن يحتمل العالم انهيارا اقتصاديا مماثلا للثلاثينيات ويبقي علي حاله. «هذه هي المشكله الحقيقيه في خطا نظام التشغيل. فهو يطرح علي كل اطياف المدرسه السياسيه القديمه بديلا صارخا للغايه: اما ان تشق طريقا لعولمه جديده اكثر مساواه وديمومه...او تتراجع خلف المتاريس وتواجه حربا بين الطبقات علي العدالة الإجتماعية واعاده التوزيع»، كما يقول ميسون في كتابه.

موسي زكري، من سكان منشية ناصر، يعمل في تمزيق بقايا العبوات البلاستيكيه لشامبو من منتجات شركه بروكتر اند جامبل العالميه. لم تنجح الجهود المشتركه لبيل جيتس وبروكتر اندجامبل وسنوات حكم مبارك في رفع طموحات موسي وفقراء القاهره لما هو اكثر من نوع افضل من الفقر. «لكن ٢١ يوما من الثوره غيرت الكثير». يتساءل بول ميسون: «هل سيحصل موسي علي رعاية صحية، اجر يكفيه، تعليم لاطفاله كحق لا كصدقه؟ هذه اسئله اعتقد نخبه السياسات انها مقفله لكن هاهي الثوره قد فتحتها». وضع موسي زكري هو حال لين لين، التي يقابلها ميسون في عشوائيه بجابان بالفلبين. كما في منشيه نصر خلقت المدينه هناك مناطق ابارتهايد كابوسيه علي اساس طبقي. وفي المواجهه يتضامن الناس معا والسؤال الذي صار ملحا الان هناك وهنا: «هل سنعيش حياتنا هكذا للابد؟»

لقد فشل الخيال العالمي وفشلت حصافه صناع القرار وعقول جيوش المحللين والخبراء الاستراتيجيين في رؤيه ما ستجلبه الازمه من مقاومه شعبيه واسعه من ضواحي فرنسا لازقه لندن وصيادي اسيا الي فلاحي المكسيك وعمال ومهمشي ومهنيي مصر وتونس. «الان انتهي عصر الامر الواقع الراسمالي. الامور قد تنفجر في اماكن من غير المحتمل ان يحدث فيها شيء، ومن ناس لم يتوقع احد ابدا انهم يمكنهم المقاومه».

لقد كان الاقتصادي النمساوي فريدريك هايك، وهو من ابرز انبياء تحرير الاسواق، هو من قال ان العداله الاجتماعيه غير ممكنه وان عدم المساواه والبؤس اللذين تنتجانهما الراسماليه اخلاقيان ومنطقيان. وفقا له، علي الانسانيه ان تقمع الاحساس بان فوارق معينه بين الناس غير عادله. «فعلينا ان ندرك ان نظاما نحتمل فيه هذه الفوارق الهائله هو الوحيد القادر علي ابقاء سكان العالم علي قيد الحياه». يقول لنا ميسون ان احداث ٢٠١١ هي تمرد علي هذه الرؤيه بعد ان كشفت ان الناس العاديين لديهم القدرة علي اعاده تشكيل ظروفهم محققين في ايام ما قد ينتجه التحول الروتيني في عقود.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل