المحتوى الرئيسى

عبدالعزيز الشافعى يكشف أسرار اختطاف الإسرائيليين فى أوليمبياد ميونخ 1972

08/03 14:52

يعيش العالم هذه الأيام فعاليات «أوليمبياد لندن 2012» على وقع حديث الذهب والفضة والبرونز والمنافسة الشريفة.. وكل المعانى السامية التى تحمل قيم الروح الرياضية وروح الفريق.. الروح اليتيمة فى بلادنا.. حيث لا أب لها ولا أم.. حتى ولو بالتبنى.. فنحن العرب لا نزال نعيش بالمنطق الظلامى لمنافسات «داحس والغبراء» الدامية التى عرفها العرب الأقدمون.

المسافة بين «أوليمبياد لندن 2012» و«أوليمبياد ميونخ 1972» التى شهدت قيام مجموعة فلسطينية مكونة من 8 أفراد تسمى «منظمة أيلول الأسود الدولية» بالهجوم على مقر البعثة الإسرائيلية وقتلت اثنين منها واحتجزت 9 آخرين قتلوا أثناء محاولة إنقاذهم مسافة قدرها 40 عاما.. وهى حادثة تابعها العالم كله، لأنها وقعت فى حدث رياضى يكون محط أنظار سكان الكرة الأرضية على الدوام.

فى خضم هذا الحدث الذى خطف أضواء العالم وكاميراته شاء الله أن يكون فى القلب منه واحد من ألمع الرياضيين المصريين على مدار القرن العشرين.. وواحد من ضمن 16 رياضيا على مستوى العالم حصلوا على وسام اللجنة الأوليمبية الدولية عام 1984 تقديرا لجهوده فى خدمة الحركة الأوليمبية، فضلا عن أنه سباح مرموق مثل بلاده فى العديد من البطولات والمناسبات الرياضية الكبيرة، وهو عبدالعزيز الشافعى، الذى كان يترأس بعثة مصر الأوليمبية فى دورة ميونخ 1972، والذى شغل منصب رئيس جهاز الرياضة فى مصر بين عامى 1978 و1979، وهو أرفع منصب رياضى فى هذا الوقت.

«الشروق» التقت الشافعى، للتعرف على كواليس وأسرار ما جرى فى العملية التى قامت بها منظمة «أيلول الأسود»، باعتباره كان الوسيط بين هذه المنظمة والسلطات الألمانية؛ فحكى الرجل تفاصيل هذه العملية وكأنه عائدا للتو من ميونخ.. يبهرك إلمامه بتفاصيل ما جرى رغم مضى أربعة عقود على وقوعه.. ويبهرك أكثر حرصه الشديد على الدقة وأمانة العرض.. وتقديم الشهادة منزهة عن كل غرض شخصى أو ادعاء للبطولة.. حاول جاهدا ألا يغفل اسم كل من كان له دور فى تأمين البعثة المصرية فى هذه الأزمة.. ببساطة هى شهادة مهمة للتاريخ.

أصر عبدالعزيز الشافعى ــ مع حفظ الألقاب ــ على البداية من الأجواء التى سبقت افتتاح دورة ميونخ الأوليمبية عام 1972، فقال «قبل بداية هذه الدورة جرى حدث مهم جدا، وهو استبعاد جنوب أفريقيا من المشاركة فيها بسبب ممارساتها العنصرية ضد مواطنيها السود. ونجحت اللجنة الأوليمبية الدولية باتخاذ قرار بمنعها من المشاركة، وكانت الأمم المتحدة سعيدة جدا بهذا القرار، وكانت مشاركة مصر فى كواليس إصدار هذا القرار قوية جدا، ونتيجة هذا القرار بدأت جنوب أفريقيا التفكير فى الابتعاد عن العنصرية».

مشاركة مصر  ــ بحسب الشافعى ــ لم تكن قاصرة على الألعاب الرياضية.. ذلك أننا نظمنا عروضا فنية لفرقة (رضا للفنون الشعبية) على هامش الافتتاح وكان أداؤها راقيا، ونال إعجاب كل من شاهد عروضها.. كما رافق البعثة المصرية بصفة شخصية الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وكان وزيرا للإرشاد القومى (الإعلام) فى هذا الوقت، وكذلك د. زكى هاشم، وزير السياحة، وكانا يقيمان مع إدارة البعثة والإعلاميين فى فندق واحد فى ميونخ. أما البعثة المصرية الرياضية من لاعبين وأجهزة فنية وعلاجية كانت تقيم مع بقية البعثات الرياضية فى القرية الأوليمبية، كما هى العادة فى الدورات الأوليمبية».

جرى افتتاح الدورة بشكل رائع فى 5 سبتمبر 1972، وفجر اليوم الثالث استدعتنى اللجنة المنظمة، ومعى الدمرداش التونى (1907- 1997)، وهو شخصية رياضية مصرية مرموقة عالميا، حيث كان فى ذلك الوقت عضوا باللجنة الأوليمبية الدولية، كما وصل رؤساء بعثات الدول العربية المشاركة فى الدورة نفس الاستدعاء.. ذهبنا إلى القرية الأوليمبية حيث مقر اللجنة المنظمة، وجدنا فى انتظارنا وزير الداخلية الألمانى.. قال لنا: قبل ساعة من الآن قامت مجموعة من الفلسطينيين بالهجوم على مقر البعثة الإسرائيلية، وأثناء الهجوم قتل اثنان من أعضاء هذه البعثة، وتم احتجاز 9 آخرين كرهائن.

وطلبت المجموعة الفلسطينية مقابل الإفراج عن الرهائن الإفراج عن نحو 236 أسيرا فلسطينيا وعربيا فى سجون إسرائيل، بالإضافة إلى «كوزو أوكاموتو» من الجيش الأحمر اليابانى، كان شارك الفلسطينيين الهجوم على مطار «اللد» بإسرائيل ونقلهم جميعا إلى الإسكندرية، كما طالبوا بأن تقوم السلطات الألمانية بتوفير طائرة تقل الخاطفين والرهائن الإسرائيليين لنقلهم إلى الإسكندرية، حيث هناك يتم تبادل الأسرى. وأمهلوا السلطات الألمانية إلى الساعة 12 ظهرا لتنفيذ هذه المطالب.

يقول الشافعى كان المطلوب من رؤساء البعثات العربية الذهاب إلى الفدائيين بمقر البعثة الإسرائيلية بالقرية الأوليمبية الذى سيطروا عليه وإقناعهم بمد المهلة إلى الساعة السادسة مساء، كى نوفر للحكومة الألمانية وقتا لإجراء اتصالاتها بالأطراف المعنية بالأزمة فى تل أبيب وغيرها.

القرية الأوليمبية ــ بحسب الشافعى ــ كانت عبارة عن مشروع سكنى جديد وكبير.. وكان تصميمها عبارة عن مبان وفيللات وعمارات من أعلى، ومن أسفل عبارة عن مجمعات ضخمة للخدمات، والأسواق. وبالقرب من كل بناية يوجد سلم للصعود إليها من مجمع الخدمات وشبكة الطرق الموجودة تحت الأرض.

ويواصل رئيس بعثة مصر قوله «نزلت أنا و5 من رؤساء البعثات العربية إلى الجزء السفلى من القرية متوجهين إلى مقر البعثة الإسرائيلية حيث الفدائيين الفلسطينيين والرهائن الإسرائيليين، وصعدنا السلم المواجهة لمقر هذه البعثة، فوجدنا أن عدد الفلسطينيين 8 أفراد، يرتدون الأقنعة التى لا تظهر إلا أعينهم فقط، تكلمنا معهم، قالوا إن الغرض من العمل الذى قمنا به هو توجيه رسالة إلى الرأى العام العالمى، بأن هناك قضية فلسطينية وشعبا فلسطينيا مشردا عليه الالتفات إليه.. لم نكن نريد قتل أحد من الإسرائيليين.. لقد ماتا دون أن نريد نحن ذلك.. حدث ذلك فى اشتباكات مع أفراد البعثة التى نريد السيطرة عليها.. ونحن نعتذر عن مقتل الاثنين اللذين قضى نحبهما فى هذه العملية».

ما قام به الفدائيون الفلسطينيون أوقف العالم كله على أطراف أصابعه.. فلأول وآخر مرة فى التاريخ تتوقف الألعاب الأوليمبية 24 ساعة.. والشعب الألمانى الذى كان فخورا بتنظيمه هذا الحدث الرياضى الضخم أصيب بصدمة بالغة جراء ما حدث. يضيف الشافعى.

الشافعى رغم رفضه لهذه الطريقة فى التعبير عن عدالة القضية الفلسطينية إلا أنه يؤكد أهمية وضع هذا التصرف فى سياقه التاريخى الصحيح، لأن هذا أهم ضروب الموضوعية، «دورة ميونخ كانت عام 1972.. أى بعد نحو 5 سنوات عن حرب يونيو 1967، التى ابتلعت فيها مساحات شاسعة من الأراضى العربية، خاصة فى القدس والضفة الغربية، وهو ما شرد أعدادا كبيرة من الفلسطينيين الذين هجروا قسرا من ديارهم وأراضيهم..

بالعودة إلى مجرى الحوادث فى عملية ميونخ يقول الشافعى «بعد فترة من التفاوض مع الفلسطينيين نجحنا فى مد المهلة إلى السادسة مساء.. وأبلغنا اللجنة المنظمة بذلك.

الشافعى بحكم رئاسته للبعثة المصرية، أول ما شغل باله وهو فى موقع المسئولية هو وضع البعثة المصرية.. هل تعود فورا أم تبقى لتكمل فعاليات الدورة؟ الظروف كانت صعبة جدا.. مصر ومعظم الدول العربية كانت تقاطع معظم بلدان أوروبا ومنها ألمانيا بعد حرب يونيو 1967.. وخدمة الاتصال التليفونى بالقاهرة لم تكن ميسرة.. ولا يوجد لمصر سفارة فى ألمانيا، ومن هنا كان عليه أن يتخذ القرار بمفرده.

على الفور أجرى الشافعى ما يعرف عند العسكريين بـ«تقدير الموقف»، وكان القرار الذى خرج به بعد هذا التقدير للموقف هو «ضرورة سحب البعثة المصرية وإعادتها للقاهرة فى أسرع وقت ممكن حرصا على سلامتها.. لأنها معرضة للخطر، خاصة بعد أن أعلن الفلسطينيون أن مكان تبادل الأسرى سيكون فى الإسكندرية.. وهو ما أعطى انطباعا أن مصر مشاركة فى هذه العملية.. لأن لها مصلحة.. ذلك أن إسرائيل كانت تحتل سيناء، وجبهات القتال على طول خط القنال لم يتوقف دوى المدافع فيها منذ 5 يونيو 1967 إلا لفترات قصيرة».

لم يكن من السهل على الشافعى الإعلان المباشر عن قرار الانسحاب.. الذى قد يعرض مصر لعقوبات قد لا تتحملها، وهى التى كانت تستعد لدورة الألعاب الإفريقية فى لاجوس، والتى كان مقرر لها يناير 1973.. وهنا يقول «كان عزمى الأكيد هو أن يكون الانسحاب (تكتيكيا).. وذلك بإعادة البعثة إلى مصر فى أسرع وقت.. على أن أبقى أنا واثنان على الأكثر لحضور طابور الختام.. لنحمل العلم المصرى واللافتة التى تحمل اسم مصر، وهذا يعطى انطباعا للعالم بأن مصر لم تنسحب.. أى أننا سنستر عملية الانسحاب كما يقول الجنرالات فى المعارك».

بعد أن عقدت العزم على تنفيذ قرار إعادة البعثة فى أسرع وقت ممكن إلى القاهرة بقيت لعنة صعوبة تحقيق اتصال بمصر لإرسال طائرة لتقل أفراد البعثة عقبة أمامى.. كانت حيرة لعينة.. أعطيت أوامرى للبعثة بعدم الخروج بالملابس التى تشير إلى أنهم ضمن البعثة المصرية.. وطلبت منهم إحضار الطعام إلى مقر إقامتهم فى القرية الأوليمبية.. وقلت لهم كونوا مستعدين.. سنعود إلى مصر خلال يوم أو اثنين على الأكثر». بعد فترة من التفكير فى تدبير أمر العودة تذكر الشافعى أن للجامعة العربية مكتبا إداريا فى العاصمة بون لخدمة أبناء الجاليات العربية، حيث لا علاقات دبلوماسية بين العرب وألمانيا فى هذا الوقت.. وبالتالى لا سفارات.. وفى هذا يقول «اتصلت بمدير مكتب الجامعة العربية فى بون وكان مصرى الجنسية.. شرحت له الموقف.. وقلت له حاول تساعدنا فى الاتصال بالقاهرة لإرسال طائرة من مصر للطيران كى تعود البعثة المصرية.. فاجأنى الرجل بقوله: ألا تشعر أنك تسرعت فى اتخاذ هذا القرار؟.. قلت له لم أتسرع.. لقد أخذت وقتى فى التفكير والتحليل.. أنا رئيس البعثة أى أننى المسئول عن أمنها وسلامتها».

يستفيض الرجل شارحا ملابسات قراره الجرىء بإعادة البعثة إلى القاهرة فيقول: «أخذت القرار وحدى.. لم أكن أريد لأحد أن يتحمل عواقبه غيرى.. كان معى رئيس جهاز الرياضة المسئول الأول عن الرياضة فى مصر وقتها عبدالمنعم وهبى (كان رئيسا للاتحاد الدولى لكرة السلة).. لم أكن أريد أن أحرجه بإشراكه فى اتخاذ هذا القرار.. تصرفت بحكم مسئوليتى كرئيس للبعثة.. خفت أن يضار الرجل من جراء أى قرار نتخذه».

بعد ذلك ــ يواصل الشافعى ــ عدت إلى الفندق.. وكان يقيم معنا فيه بجانب الأستاذ هيكل ووزير السياحة د. زكى هاشم، وعبدالمنعم وهبى ومجموعة من كبار رجال الإعلام منهم نجيب المستكاوى الناقد الرياضى المعروف، وزميله عبدالمجيد نعمان، بجانب الكابتن محمد لطيف، وعدد من الصحفيين المصريين من صحف مختلفة.

جاءت الساعة الخامسة من مساء هذا اليوم الطويل ــ يقول الشافعى ــ اتصلت اللجنة المنظمة برؤساء البعثات العربية مرة أخرى.. فلم يذهب إليها إلا عبدالعزيز الشافعى والدمرداش التونى المصرى أيضا، وغاب كل رؤساء البعثات العربية، قال المسئولون الألمان لنا: الأزمة فى طريقها للحل.. فقط نريد منكما أن تقنعا الفلسطينيين بمد المهلة 3 ساعات إضافية.. وكان الخط الساخن بين ألمانيا وإسرائيل لا يتوقف.. لدرجة أن وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه ديان قد حضر إلى ميونخ».

وافق الشافعى والتونى على القيام بالوساطة والذهاب إلى مقر البعثة الإسرائيلية لإقناع الفلسطينيين بمد فترة المهلة ثلاث ساعات إضافية، وفى هذا يقول الشافعى: «كانت لحظات عصيبة جدا.. لن أنساها فى حياتى.. نزلت والأستاذ التونى إلى الأنفاق متوجهين إلى مقر البعثة الإسرائيلية.. الأجواء المحيطة بنا تشبه أجواء الحرب.. صمت رهيب يخيم على المكان.. تشعر أن سكونا سيسبق عاصفة لا مثيل لها.. وصلنا بالفعل إلى السلم الذى سيصعد بنا لمقر البعثة الإسرائيلية.. نظرت إلى رفيقى فى هذه المهمة الصعبة الأستاذ التونى.. وجدت الرجل مرهقا.. متعبا.. وكان كبيرا فى السن.. قلت له: (خليك) يا أستاذ تونى أنت مرهق وتعبان سأذهب إليهم بمفردى.. وأقنعته بالبقاء.. وقلت له جملة وحيدة تأثر كلانا بها.. قلت له لدى ولد وبنت (4 سنوات وسنة واحدة) لو جرى لى مكروه خد بالك منهما.. وودعت الرجل وصعدت لمقر البعثة».

يا لها من لحظات قاسية.. صعبة.. يختلط فيها الخوف بالأمل بالرجاء ــ يضيف الشافعى ــ تشعر وهو يصفها كأنها حادثة للتو.. لا بل تحدث الآن.. «بمجرد خروجى من النفق وجدت أن العمارات المحيطة بمقر البعثة الأوليمية التى تسكن فيها البعثات الرياضية قد أخليت تماما.. وحل قناصة مدججين بأحدث الأسلحة فى كل شرفة وشباك.. نظرت إلى ساعتى وجدتها السادسة إلا 10 دقائق.. أى باقى 10 دقائق فقط على نهاية المهلة.. هنا بالضبط سمعت دقات قلبى.. من الممكن فى لحظة أن يتحول هذا المكان الذى أسير فيه إلى جحيم.. وصلت بالفعل إلى مقر البعثة.. وجدت اثنين من الفلسطينيين الثمانية على الباب ومعهم شرطية ألمانية غير مسلحة.. تحدثت مع الشابين.. قدرت عمرهما بأنه بين العشرين والرابعة والعشرين».

ويواصل الرجل بتأثر شديد قائلا: «رغم أن عقلى يرفض ما قام به هؤلاء الشباب.. فليس بهذه الطريقة تنتزع الحقوق أو تعرض القضايا.. ذلك أن خسارة الرأى العام الدولى مع القضية الفلسطينية حتمية فى مثل هذه الظروف إلا أننى كنت أشعر بتعاطف كبير جدا مع هذين الشابين.. قلبى كان ينفطر ألما عليهما.. كان لدى يقين أنهما بعد أقل من ساعتين سيقتلان مع زملائهم الستة الباقين.. مشاعرى كعربى أمام شابين عربيين جمعتهما الظروف فى هذا الموقف الصعب لا توصف.. كنت متأكدا من أن دولة بحجم ألمانيا لن تمرر ما قامت به هذه المجموعة الفلسطينية.. وما عزز من حدثى هذا هو وصول موشيه ديان إلى ميونخ».

«قلت للشابين ــ يضيف الشافعى ــ السلطات الألمانية تطلب منكم مد المهلة إلى الساعة الثامنة مساء.. أى ساعتين، وأنها ستأتى بطائرتين هيلكوبتر فى منطقة قريبة من مقر البعثة.. وسيأتى أتوبيسان صغيران لنقلكم (8 فلسطينيين) بالإضافة إلى ٩ إسرائيليين، إلى الطائرتين، اللتين ستتوجهان بكم إلى مطار ميونخ، حيث طائرة فى الانتظار لنقلكم إلى الإسكندرية».

لم يخف الشافعى قلقه على حياة الشبان الفلسطينيين.. صارحهم بما يشعر به «قلت لهم فى تأثر شديد إنى أخاف عليكم.. حاولوا الوصول إلى الطائرتين من أكثر الأماكن أمنا.. إنهم يتربصون بكم.. شكرونى بشدة.. وشكروا مصر التى لم تهرب من قدرها بالدخول على خط الأزمة كما فعل الأشقاء.. وشددوا على أنهم لم يقصدوا قتل الإسرائيليين.. وقالوا لو فكر أحد فى إطلاق النار علينا سيموت الجميع.. كل منا حول خاصرته حزام ديناميت سينفجر مع استقبال أول رصاصة ويموت الجميع على الفور».

 وافقت المجموعة الفلسطينية على مد المهلة إلى الثامنة مساء.. وأبلغ الشافعى اللجنة المنظمة للأوليمبياد بذلك.. وهنا يقول «عدت بعد ذلك إلى الفندق.. حيث يوجد الأستاذ هيكل وبقية المسئولين الذين ذكرتهم والصحفيين المصريين.. كانوا جميعهم متلهفين لمعرفة الأخبار.. فأطلعتهم على ما جرى.. وأذاع التليفزيون الألمانى أنه سيبث على الهواء مباشرة عملية نقل المجموعة الفلسطينية والرهائن إلى المطار.. وتجمع كل الوفد المصرى بالفندق فى مكان واحد.. قلت لهم ليس لدى معلومة عن مصير هؤلاء الشبان الفلسطينيين.. لكنى لا أتوقع وصول موشيه ديان لتنظيم سفر الناس إلى الإسكندرية!.. إنه جاء لقتل هؤلاء الشبان».

جاءت الساعة الحاسمة.. الثامنة مساء بتوقيت ميونخ.. التليفزيون الإسرائيلى ينقل عملية نقل المجموعة الفلسطينية والرهائن على الهواء مباشرة، وهنا يقول الشافعى: «جلسنا جميعا فى حجرة واحدة وفرها لنا الفندق الذى نقيم فيه لنتابع ما يجرى.. مع دقات الثامنة قالت المذيعة وصلت طائرتان هليكوبتر إلى مقر القرية الأوليمبية.. والأتوبيسات التى تقل الفلسطينيين والرهائن الإسرائيليين تسير على الشاشة.. وصلوا إلى حيث تقف الطائرتان.. توزعوا على الطائرتين ركبوا بالفعل.. حلقت الطائرات.. فجأة قالت المذيعة إن الطائرات لن تذهب إلى مطار ميونخ.. بل إلى مطار (شونفيلد) الحربى، وصلت الطائرتان لهذا المطار.. أضواؤه كانت غريبة جدا.. تشعر بأجواء جنائزية من دون سماع سوى دوى الطائرات، التى لم تهبط بعد».

خلال ساعات نهار هذا اليوم ــ الذى أطلق عليه الناقد الرياضى الكبير، نجيب المستكاوى لقب «أطول يوم فى التاريخ» فى مقال بـ«الأهرام» حول هذه الأحداث ــ كانت السلطات الألمانية قد بنت 8 أعمدة بعدد المجموعة الفلسطينية.. على سطح كل عمود منصة يرابط فيها 4 قناصة، بمجموع 32 قناصا على الأعمدة الثمانية، ويؤكد الشافعى أن خطة التعامل مع المجموعة الفلسطينية كانت تقضى بأن كل 4 قناصة متمركزين على سطح كل عمود سيصوبون نيران أسلحتهم على فلسطينى واحد.. وتتم هذه العملية فى ثانية واحدة.. وبالتالى يتم تحرير الرهائن.. كانت السلطات الألمانية وديان يشكون فى وجود أحزمة ناسفة بحوزة الفلسطينيين».

ويواصل الشافعى قوله: «التليفزيون الألمانى فى هذه الحادثة أعطى درسا فى الشفافية.. كل شىء منقول للمواطن الألمانى على الهواء مباشرة.. لا إخفاء لأى حقيقة.. من فرط الشفافية قالت المذيعة إنها تشاهد طائرة هليكوبتر ثالثة تحلق على ارتفاع أعلى من مستوى الطائرتين اللتين تقلان المجموعة الفلسطينية والرهائن.. اتضح فيما بعد أنها كانت تقل موشيه ديان.. هبطت الطائرات على مطار (شوين فيلد).. نزل الجميع على الأرض.. فى ثانية واحدة أطلق القناصة نيرانهم على الفلسطينيين.. واشتبك الفلسطينيون معهم، وانتهت عملية الإنقاذ الفاشلة بمقتل 9 رياضيين إسرائيليين (بجانب 2 فى الصباح) بنيران القناصة الألمان و5 من الفدائيين الفلسطينيين الثمانية، بالإضافة إلى ضابط شرطة ألمانى وطيار مروحية ألمانى وتم تفجير مروحية أخرى.

ونجا من العملية ثلاثة فلسطينيين، حكم عليهم بالسجن مدى الحياة، وأطلقت ألمانيا سراحهم فى 29 أكتوبر سنة 1972 إثر عملية خطف لطائرة تعود لشركة «لوفتهانزا» الألمانية كانت متوجهة من بيروت إلى ألمانيا.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل