المحتوى الرئيسى

"أم المماليك" نعاها الجبرتى ونالت احترام الفرنسيين

07/27 20:58

يبدو ان ليلي علوي عاشقه للبحث عن كل ما هو جديد ومميز وفي مسلسلها الجديد «نابليون والمحروسه» اختارت شخصيه نفيسه ام المماليك لتقدمها في المسلسل تلك الشخصيه التي سماها الجبرتي في نعيه (الشهيره الذكر بالخير) ومن اجلها استعانت ليلي علوي بالعديد من المراجع؛

وسافرت الي باريس لاحضار الملابس الخاصه بالشخصيه وفي دار الوثائق القوميه المصريه، توجد وثائق بالغه الاهميه تخص تلك السيده، بينها «كشفٌ يحتوي بيان ثمن المصوغات والمجوهرات المضبوطه لوفاه المرحومه الست نفيسه البيضا معتوقه وحرم المرحوم علي بك رضا الجهادي المتوفيه بتاريخ 23 اكتوبر سنه 1894 عن نجلها احمد بك» (بتاريخ 17 ابريل 1895)، و«دفتر يحتوي حصر وتثمين تركه المرحومه الست نفيسه هانم حرم ومعتوقه المرحوم علي بك رضا المتوفيه بتاريخ 23 اكتوبر سنه 1894 عن نجلها احمد بك علي المعتوه والمعين عليه حسن افندي رسمي قائماً شرعياً» (بتاريخ 13 مايو 1896).. وام المماليك كتب عنها العديد من الكتاب ومنها كتاب (اعظم امراه مصريه في القرن 18).

الي جانب ما كتبه عبدالرحمن الجبرتي في كتاب «دراسات في تاريخ الجبرتي»، ومؤلفه هو محمود الشرقاوي،‏ الذي يقول ان ظهور امر نفيسه بدا عندما دخلت في حريم علي بك الكبير‏،‏ فاحب الاخير هذه الجاريه الشركسيه واُعجِبَ بها‏، وبني لها داراً تطل علي بركه الازبكيه في درب عبدالحق.

غير ان المملوك مراد وقع بدوره في هوي نفيسه‏،‏ فلما اراد محمد ابوالدهب خيانه علي بك الكبير وتحدث الي المملوك مراد في ذلك،‏ اشترط عليه الاخير نظير موافقته علي الخيانه ان يسمح له بالزواج من هذه الجاريه‏. فلما قُتِلَ علي بك الكبير عام 1773 تزوج مراد هذه الحسناء.

وهكذا كانت الرشوه التي نالها مراد بك علي خيانته هي‏ نفيسه البيضاء ولكن التاريخ له مفارقاتٌ عجيبه‏،‏ فبقدر ما كان مراد بك من كبار الخونه، كانت نفيسه امراه رائعه في جمالها وقويه في شخصيتها.

وفي حياه زوجها مراد بك الذي حكم مصر مع ابراهيم بك بعد موت ابو الدهب لمده تزيد علي عشرين سنه، نالت نفيسه في المجتمع المصري مكانه كبيره‏. عاشت نفيسه تلك الفتره كواحده من اثري اهل مصر، بما امتلكته من القصور والجواري، اضافه الي ان المصادر التاريخيه تؤكد انها كانت من اثري نساء عصرها نتيجه استثمار اموالها وتجارتها في الاسواق واداره وكاله خاصه بها.

ويجب الا ننسي انها دخلت منزل مراد بك وقد ورثت عن علي بك الكبير ثروه طائله، وزادت هي ثراء فوق ثراء بعد هذه الزيجه الجديده، وعاشت معه حياه الترف بما جلبته له من ميراثٍ شمل الي جانب البيوت والقصور والتجاره جيشاً خاصاً يتالف من 400 مملوك واسطول من السفن علي النيل، وست وخمسين جاريه واثنين من الخصيان في حاشيه نفيسه الخاصه.

وحين اعادت نفيسه بناء وكالتها التجاريه، اضافت اليها سبيلاً وكُتّاباً خلف باب زويله‏ عام 1796م/ 1211 هـ. ونُقِشَت علي واجهه السبيل ابياتٌ شعريه تمتدح فضائل تلك السيده، كان لهذه السيده مكان الاحترام والتقدير عند العلماء والامراء‏، وعند الشعب ايضاً، اذ كانت نبيله وكريمه وموهوبه وذكيه، حتي ذكر كاتبٌ معاصر لها «انها كانت تعرف كتابات شعراء العربيه كما لو كانت العربيه لغتها الاصليه برغم انها لم تتعلمها الا في وقت متاخر من حياتها»، وربما كانت تعرف الفرنسيه الي جانب قدرتها علي القراءه والكتابه بالتركيه والعربيه.

ويتعين القول ان نفيسه تمتعت باستقلاليه في اداره تجارتها وثروتها، ولعبت ايضاً دور السند والمستشار لزوجها مراد بك في الشان العام، وحاولت في اكثر من مناسبه الحد من اثار المظالم التي ارتكبها زوجها بحق المصريين، اذ يحكي عبد الرحمن الجبرتي («عجائب الاثار في التراجم والاخبار»، الجزء الثاني) ان مراد بك «اخذ الشيء من غير حقه واعطاه لغير مستحقه‏».

ويقول الجبرتي‏:‏ كانت نفيسه تعارض زوجها مراد بك وهو مطلق السلطان علي مصر‏،‏ في مصادره اموال التجار الاوروبيين وارهاقهم بالضرائب والغرامات. وكانت هذه التصرفات من اسباب او ذرائع الحمله الفرنسيه علي مصر‏.

وحين هُزِمَ جيش مراد بك امام القوات الفرنسيه في موقعه الاهرام في 21 يوليو عام 1798، فر مع فلول قواته الي الجيزه، فصعد الي قصره وقضي بعض اشغاله في نحو ربع ساعه، ثم هرب الي الصعيد ليبدا في شن حرب عصابات ضد الجيش الفرنسي. اما نفيسه فظلت في القاهره وسط ظروفٍ اقتضت منها اعلي قدر من الكياسه والدبلوماسيه والاتزان، وهو عبءٌ غير يسير علي امراه هرب زوجها.

عملت نفيسه بذكاء علي حمايه الاملاك الضخمه الخاصه بها وبزوجها، وبسطت حمايتها علي كثير من نساء المماليك المنكوبين،‏ وواست عدداً كبيراً من الفقراء الذين نُكِبوا في الحمله الفرنسيه من اهل القاهره‏،‏ ودفعت كثيراً من الغرامات التي فرضها الفرنسيون علي المصريين ولم يستطع غالبيتهم دفعها‏،‏ ونالت بذلك احترام المصريين والاجانب.

في الوقت نفسه، حافظت تلك السيده علي علاقه مجامله مع اداره الحمله الفرنسيه، حتي انها سمحت بتمريض جرحي الجنود الفرنسيين في قصرها. وقد استضافت نابليون بونابرت علي العشاء في قصرها، وتلقت في تلك المناسبه هديه عباره عن ساعه مرصعه بالالماس.

كما كان قواد نابليون ورجاله كلهم يرعون جانبها ويحملون لها في تقديرهم حساباً كبيراً. بل ان‏ ديجنت كبير اطباء الحمله الفرنسيه عندما الف كتابه باللغه العربيه عن مرض الجدري في مصر اهداها خمسين نسخه منه.

غير ان العلاقات بينها وبين نابليون تراوحت بين المد والجزر، فقد تَعيّنَ عليها ان تدفع فديه ضخمه تعادل نحو مليون فرنك مقابل حق الاحتفاظ بممتلكاتها. واضطرت الي ادراج الساعه المرصعه بالالماس كجزء من هذه الغرامه، فاهداها نابليون الي عشيقته. وبالرغم من هذه المواقف الشائنه، فان نابليون اعلن حتي بعد مغادرته مصر سعياً وراء المجد الامبراطوري في باريس، انه «سيظل صديقاً الي الابد» لهذه المراه، حتي انه بعث وهو في قمه مجده‏،‏ امراً الي قنصل فرنسا في مصر، بان يبذل كل جهده لحمايتها‏ ورعايه امرها.

وينقل الكاتب الفرنسي لاكروا عن المذكرات التي املاها نابليون في منفاه في جزيره سانت هيلانه ان مراد بك لما عاد من البحيره الي الجيزه منهزماً امام الحمله الفرنسيه‏، صعد الي قمه الهرم الاكبر، واخذ يتبادل الاشارات الضوئيه بالفوانيس مع زوجته نفيسه وهي فوق سطح منزلها في الازبكيه - ومن الواضح ان‏ هواء القاهره كان في ذلك الوقت اقل تلوثاً مما هو عليه اليوم- وتناقل الناس ذلك حتي سمعت به، فخشيت علي نفسها من الفرنسيين، فذهبت الي منزل نابليون، وطلبت مقابلته‏، فاستقبلها بكل احترام‏،‏ واكد لها انه لا يحفل بهذه المساله‏،‏ وانها لو ارادت ان تلتقي بزوجها لما تردد في مهادنته يوماً وليله حتي يلتقيا، وكان الزوج مراد بك انذاك هارباً من وجه الحمله الفرنسيه.‏ ولعل نابليون اراد بهذه المجامله ان يتخذ من السيده نفيسه وسيله للتاثير علي زوجها ليقبل الصلح مع الفرنسيين ويتوقف عن مقاومتهم في الصعيد‏.

اما مراد فقد سئم القتال ضد الفرنسيين في الصعيد، اذ لم يكن معتاداً علي هذا النوع من المعيشه، بعيداً عن قصوره وجواريه وحياه الرفاهيه التي يعيشها، فبدات المراسلات بين كليبر ومراد بك، وانتهت باجتماعهما في الفيوم حيث اتفقا علي ان يحكم مراد بك الصعيد باسم الجمهوريه الفرنسيه. وتعهد كليبر بحمايته اذا تعرض لهجوم اعدائه عليه، وتعهد مراد بك من جانبه بتقديم النجده اللازمه لمعاونه القوات الفرنسيه اذا تعرضت لهجوم عدائي اياً كان نوعه، وان يمنع اي قوات او مقاتلين من ان ياتوا الي القاهره من الصعيد لمحاربه الفرنسيين، وان يدفع مراد لفرنسا الخراج الذي كان يدفعه من قبل للدوله العثمانيه، ثم ينتفع هو بدخل هذه الاقاليم.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل