المحتوى الرئيسى

فهمى هويدى يكتب اليوم: مثلث الريبة فى المشهد المصرى ..

07/24 12:48

ما يحدث في مصر الان ليس مدهشا فقط ولكنه مريب ايضا، لذلك فنحن مدعوون لئلا ناخذ الامور بظاهرها، وان نفكر جيدا في هويه الاطراف التي تحركها وحقيقه الاهداف التي تتوخاها.

جبان وعميل للامريكان. هذان الوصفان اطلقهما علي الرئيس محمد مرسي، عضو في مجلس الشعب عن حزب المصريين الاحرار، الذي اسسه السيد نجيب ساويرس. وقد ورد الاتهام في ثنايا خطبه القاها العضو المذكور امام مؤتمر اقيم بمركز مؤتمرات الازهر بمدينه نصر. ودعا اليه تكوين جديد باسم «التحالف القبطي الصوفي». وقد نشرت صحيفه «المصري اليوم» عرضا لوقائعه في العدد الصادر يوم 18 يوليو الحالي. ولم يكذب الكلام، وانما مر كان الاتهام شيء عادي لا غضاضه فيه ولا مؤاخذه عليه.

الهجوم علي الرئيس مرسي ليس جديدا، ولكن تصعيده الي حد وصف الرجل بالجبن والعماله يصيبنا بدهشه بالغه. قبل ايام قليله وصف اداؤه بالبلطجه السياسيه في عنوان صحفي، واشار اليه عنوان صحفي اخر بانه «الرئيس الفضيحه»، وحين تسلم السلطه نشر ان «الفاشي» وصل الي قصر الرئاسه. وفي احد الاعداد ذكر عنوان تصدر الصفحه الاولي باللون الاحمر انه «رئيس تحت الصفر». كما اشارت صحيفه اخري الي ان عضوا بالكونجرس تحدث عن ان امريكا اشترته بخمسين مليون دولار!

هذا قليل من كثير تحفل به الصحف المصريه الصفراء في الاغلب. وهو ليس نقدا للرجل مما ندعو اليه ونشجعه، ولكنه سب علني وقذف يعكس المدي الذي ذهب اليه البعض في التطاول والاجتراء بعدما رفع الاصر عن الاعلام المصري وعن كل مصر بعد الثوره. ولاول وهله يبدو الامر وكانه من قبيل الانفلات الذي اصاب وسائل الاعلام بعد سقوط الرئيس المقدس والاله وانتخاب رئيس ليس مجرد مواطن عادي فحسب، ولكنه من الاخوان ايضا. والاول مهدور الحق، والثاني مستباح عرضه وكرامته.

ما يلفت النظر في حمله الحط من كرامه الرئيس ان الذين يشاركون فيها لم نعرف عنهم جراه ولا شجاعه في مواجهه السلطان، وانما عهدناهم حملانا وديعه لم يتجاوز حلمها حدود الانضمام الي حاشيه السلطان واستجلاب رضاه. من هؤلاء ايضا نفر من اهل القضاء تطاولوا حتي وجهوا الي الرئيس انذارا طالبوا فيه بالتراجع عن قرار له خلال 36 ساعه وراحوا يسخرون منه ويلمزون فيه، في حين سكتوا ولم نسمع لهم صوتا يحتج علي تزوير الانتخابات في السابق. وكنا قد رايناهم حينما تستروا علي تسفير المتهمين الامريكيين في قضيه التمويل الاجنبي ولم يروا في تلك الصفعه العلنيه ايه اهانه للقانون او القضاء.

هذا الاستقواء علي رئيس الجمهوريه الي حد اتهامه بالجبن والعماله ليس امرا عاديا، ولكنه يثير سؤالا كبيرا حول اهدافه وسؤالا اكبر واخطر حول هويه الجهات التي تقف وراءه.

الامر جدير بالتوقف عنده. فاهانه رئيس الجمهوريه والحط من كرامته تشكل احد اضلاع مثلث مريب يرتسم في الفضاء المصري ويستدعي سيلا اخر من الاسئله. الضلع الثاني يتمثل في تخويف الراي العام من شبح مواجهه اهليه يعد لها في مصر. ليست جديده فزاعه الاخوان التي الفناها منذ اكثر من ستين عاما. ولكن الجديد هو تلك الرسائل التي تبث من خلال وسائل الاعلام ملوحه باحتمالات حدوث قلاقل في البلد. فهي تحدثنا حينا عن «ميليشيات» تتدرب في بعض الاماكن النائيه. وعن «حرس للثوره علي الطريقه الايرانيه يعده الاخوان وفي احيان اخري تتحدث عن عشره ملايين قطعه سلاح تسربت الي داخل مصر عبر الحدود الليبيه. وخطوره مثل هذه الشائعات لا تتمثل فقط في مضمونها الذي يفترض ان يشيع التوتر والقلق، لكنها تكمن ايضا في صدورها عن اطراف يفترض انها وثيقه الصله بالاجهزه الامنيه في البلد. الامر الذي يشكك في ان تلك الاجهزه. او عناصر فيها علي الاقل. لها مصلحه ما في الترويج لتلك المعلومات. ذلك اننا حين نسمعها مثلا من لواء سابق في الجيش يقال لنا انه خبير استراتيجي، فان اول ما يخطر علي بالنا مجموعه من الاسئله منها علي سبيل المثال: اذا صح هذا الذي يقال، فلماذا تقف الاجهزه الامنيه متفرجه عليه؟ لماذا لا تبادر الي ضبط واحضار تلك الميليشيات للتحقيق مع مسئوليها وعناصرها. ولماذا لا تقرر شن حمله لمصادره تلك الملايين من الاسلحه التي يدعون تسريبها الي داخل البلاد. وهل يمكن ان نفترض البراءه في السكوت علي ذلك والاكتفاء بابلاغنا بشانه من خلال التليفزيون؟!

الضلع الثالث في مثلث الاسترابه يتمثل في محاوله استفزاز الجيش واستثارته. ذلك ان لك ان تتصور رد فعل اي ضابط حين يقرا عنوانا رئيسيا علي الصفحه الاولي لاحدي الاسبوعيات يتحدث عن «تسريح الجيش المصري». وتحويله من تشكيلات مقاتله الي فرق لمكافحه الارهاب الدولي. ثم نجد في العناوين ان الخطه تتفق مع رغبه الاخوان في اختراق القوات المسلحه لاضعافها واعاده هيكلتها للسيطره عليها. وحين نقرا الكلام نجد ان هناك خطه بهذا المضمون اعدت منذ ثماني سنوات، ولكن المشير طنطاوي رفضها، (دون ايه اشاره الي موقف الرئيس السابق الذي لم نعرف انه رفض للامريكان طلبا). في ذات الوقت نقرا عنوانا علي الصفحه الاولي ايضا ينقل عن المخابرات المركزيه الامريكيه ادعاءها ان الجيش المصري سيتحول الي جيش اسلامي خلال 5 سنوات. كما نقرا في موضع اخر تلميحا الي ان الاخوان علي استعداد للتنازل عن جزء من ارض سيناء لصالح حركه حماس او غزه، لكي تتوسع فيها وتمدد «امارتها» الاسلاميه.

الترويج لمثل هذه الشائعات المكذوبه له هدف واحد هو استعداء القوات المسلحه ودفعها الي الانخراط في الاصطفاف الذي تشهده البلاد، لكي تصبح جزءا من المعركه الدائره حاليا لافشال الرئيس المنتخب واسقاطه.

هل هي مصادفه ان يجتمع ذلك كله في وقت واحد. اعني ان يهان الرئيس وتستباح كرامته في حين يشاع ان مصر يهددها شبح الحرب الاهليه، وان جيشها يراد تسريحه واحلال الميليشيات الاسلاميه مكانه بدعوي الدفاع عن الامه الاسلاميه. سنقترب من الاجابه اذا تاملنا: الضلع الاول من مثلث الاسترابه الذي نتحدث عنه. اذ حين نجد اناسا لم نعرف عنهم لا شجاعه ولا سجلا نضاليا ولا استعدادا للتضحيه، يرتدون فجاه مسرح الفرسان ويمتشقون سيوف المقاتلين الصناديد، فينبغي ان نتساءل عن سر ذلك التحول. واذا استبعد خيالنا فكره تلقيهم حبوب الشجاعه التي تحول الحملان الي فرسان، فلن يبقي امامنا سوي احتمال واحد هو ان يكون هؤلاء قد اتكاوا علي احد مصادر القوه التي ساندتهم وحفزتهم.

ستلاحقنا الشكوك ايضا اذا ما نظرنا الي مصادر التلميحات التي تتحدث عن احتمالات الحرب الاهليه، والتسريبات التي تحذر من تسريح الجيش او التفريط في ارض الوطن، وحينئذ سيبرز السؤال الكبير: من صاحب المصلحه في كل ذلك؟

لن اختلف مع من يشير الي دور بعض المثقفين والسياسيين الهواه الذين دخلوا الي الساحه بعد الثوره، وشغلوا بتصفيه الحسابات وصراعات القوي، وحولتهم الفضائيات الي «نجوم» وهميين استغرقتهم الحروب الصغيره ولم يروا غيرها. اذ لست اشك في ان لهؤلاء اسهامهم في تسميم الاجواء وتعميق التناقضات. لكنني ازعم ان اللعبه اكبر من هؤلاء. وان هناك اطرافا اخري ذات باس وقوه لها دورها في توتير الاجواء وتازيم الموقف الداخلي. وسواء سميت تلك الاطراف بالدوله العميقه او الدوله الحارسه او مراكز القوي، فما يجمع بينها انها موجوده داخل مؤسسات الدوله واجهزه الامن، وانها رافضه لما يجري وتستهدف تغييره علي نحو يصفي حساباتها ويحمي مصالحها. وليس ذلك كله مجرد استنتاج، لان المعلومات التي تسربت عن سيناريوهات معركه انتخابات الرئاسه، تدل علي ان تلك الاطراف ساندت الفريق احمد شفيق بكل ما تملك من امكانيات ونفوذ، وانها خططت لتمكينه من الفوز. وللادعاء بحدوث اضطرابات بعد ذلك تتهم بالضلوع فيها خلايا قادمه من قطاع غزه، الامر الذي يبرر اعلان الاحكام العرفيه، ويؤدي الي استعاده نظام مبارك بعد ذلك بصوره تدريجيه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل