المحتوى الرئيسى

الأبنودي: أزمة العسكر أنهم لا يثقون في المدنيين

07/21 12:53

مر الزمن وبلغت ثورة يوليو سن التقاعد.. مر الزمن وتحولت مصر من الغناء لجمال يا حبيب الملايين إلي الغناء لدولة المرشد.. ومن حلم محاربة الفقر إلي الحلم بجمع القمامة،

ومن الأمل بالنهضة الصناعية إلي الحلم بتطبيق الحدود، ومن الدعوة إلي تحقيق الأمن الغذائي وبناء مدن للفقراء إلي تشييد ملاذ آمن للأثرياء لصرف أعين الفقراء عنهم, مر الزمن وأصبحنا من شعب يستشهد في سبيل تحرير الأرض إلي شعب ينتحر أمام طوابير الخبز وأنابيب البوتاجاز.. كيف تحولت مصر من أيقونة العالم العربي إلي جارية يهرب منها الملوك والسلاطين العرب، أما شعبها كريم العنصرين سابقاً فقد بات مدفوعاً بأبواب السفارات العربية والكفيل الذي ضيق عليه السبل.. وبعد أن بلغت ثورة يوليو سن التقاعد يبدو السؤال ملحاً: هل شيعت الناصرية لمثواها الأخير لتدفن جنباً إلي جنب مع مفجر ثورتها بعد أن خذل الناصريون أباهم المسجي في قبره منذ اثني وأربعين عاماً وذلك بعد أن انفضت عنهم الجماهير وباتت تراهن علي الإسلاميين لعلهم ينجزون الأحلام.. تري كيف يكون حال عبدالناصر في قبره وهو يري أبناءه ضيعوا الأمانة وانصرفوا إلي معاركهم الصغيرة..

لم يبق من مشروع ناصر سوي مصانع خربة وقلاع تم بيعها للخواجات وحفنة من رجال الأعمال بينما لم يبق للشعب سوي أغان لعبدالحليم والست وأفلام توفيق صالح وصلاح أبوسيف.. أما المشروع الذي استلهمت منه أمم في المشرق والمغرب سبل نهضتها وانطلقت نحو ركب العالم المتحضر فقد شيع مع صاحبه.. كنا حسب ما تشير المعلومات الموثقة مع نهاية ستينيات القرن الماضي نصنع الصاروخ والسيارة فأصبحنا نستورد لعب الأطفال وفرشاة الأسنان فكيف دخلنا للمتاهة وانتقلت الفكرة إلي عبرة والمؤسسة إلي كشك والنهضة إلي كبوة في هذه السلسلة من الحوارات نتساءل: هل فقدت ثورة يوليو شرعيتها بمولد ثورة يناير أم أن الثانية قد تمنح الأمل للأولي لإحراز الأهداف التاريخية التي لأجلها قامت الثورة ونطرح أهم الأسباب التي أدت لسقوط المشروع الناصري ودفعت الكثيرين للتبرؤ منه ونحاول معرفة الأسباب التي جعلت من الجماهير غير واثقة في أحفاد يوليو وانصرفوا عنهم وهل من ثمة أمل في أن تعود الروح مجدداً للمشروع الناصري.

لا يشبه النهار الذي تحياه مصر الآن ذلك النهار الذي بشر به الأبنودي في ستينيات القرن الماضي عندما كانت مصر تلملم جراح النكسة قمرها غائب عن الوعي وضحكة أهلها في إجازة.. نهاران مختلفان تماماً بينهما خمسة وأربعون عاما أعقبا ليلين شديدي السواد.. كانت مصر تمثل رقماً صعباً بين شعوب العالم رغم خروجها لتوها من الهزيمة أما مصدر قوتها حينئذ أنها غير قابلة للقسمة علي اثنين.. مسلم.. مسيحي.. قومي وليبرالي.. جميعهم تحت شمس الله إخواناً يتوحدون نحو هدف واحد الثأر من المحتل وإعادة بناء البلد لكن وقعت الواقعة وأصبح خير أجناد الأرض يقبلون بالقسمة علي اثنين غارقين في المعارك الصغيرة، فبينما مصر علي الرصيف تواجه يتمها التاريخي بعد أن صنعوا الثورة وأجلوا الديكتاتور عن القصر إذا بهم يقبلون بفتات العسكري والإخوان.. لأجل ذلك فإن ليل يوليو عند شاعرنا ربما يكون أقل خطراً من نهار يناير 2011، وذلك لأن البلد بات يقبل القسمة علي اثنين..

لا يجد الأبنودي مشكلة في أن يعترف بأنه لولا عبدالناصر والثورة لما عرف البنطلون والقميص طريقاً لجسده لا هو ولا الملايين من المصريين ولا برح حقول القطن يفتش عن «اللطع» أو الدودة كما يسميها الفلاحون، لم يكن لتشفع له حينئذ لا البلاغة التي تجري في عروقه ولا الكلمة التي تشاركه سريره.

في الجزء الثاني من حواره مع «الوفد» يواصل عبدالرحمن الأبنودي شهادته عن ثورة يوليو وهل انتهت شرعيتها بمولد ثورة يناير ويستأنف فتح «الدمامل» العالقة بالجسد المصري.. كما يواصل شهادته حول اللحظة الراهنة التي تواجه البلد والمخاوف التي تعتري النخبة من الإسلاميين ومدي شرعيتها، ويطرح أسباب مخاوفه علي الثورة، كما يرصد أخطاء الثوار والقوي الوطنية المناوئة للإسلاميين.

< هل انتهت شرعية ثورة يوليو بمولد ثورة يناير؟

- أعتقد أن ثورة يناير هي خارجة من عباءة ثورة يوليو كل ما لحق بثورة يوليو يقابله ما لحق بثورة يناير، لكن تظل فكرة أن الشعب كان يتوق ويطمح لهذا اليوم وهو نفس الحلم من زمن عرابي وثورة 19 وسيفعل أبناؤنا نفس الفعل ما دام النيل يجري، فالإنسان المصري يحلم بتحقيق نفس الحلم وتقويم الميزان الذي تعرض للخلل ودائماً سوف يوجد من يلتف حول الثورة ويعيدها لأعدائها مرة أخري، دعني أقول لك إن الزمن في عرف المصريين «لعبة» لا يقاس بالأزمنة العملية التي نقيس بها الوقت مصر، الرومان والفرس والفرنسيون والإنجليز عندنا تراث من الاحتلال ومن يرانا في كل كبوة يعتقد أننا لن تقوم لنا قائمة وأننا شعب خانع لا يحيا إلا في جلباب مستبديه، ثم نفاجئ العالم ونقلب الوضع لنعيد ترتيب الأوضاع ونحن لا نقوم بالثورات من أجل أن نبهر العالم ولكن انتقاماً ممن اعتقد أننا شعب خانع وقابل للإذلال، وهذا ما يتصوره الحكام، وغالباً ما يترك المصريون حكامهم لأوهامهم يصنعون مايريدون حتي يتحينوا الفرصة ويتخلصوا منهم علي النحو الذي رأيناه مؤخراً.

< هل أخطأ عبدالناصر حينما سلم السلطة للسادات؟

- هو لم يكن يعلم ذلك الخطأ وخالك السادات كان رجلاً محنكاً وكان «لابد» تحت جلد الريس وعبدالناصر لم يعطه النيابة بصورة حقيقية ولكنه كان في رحلة سفر للمغرب وكان مهدداً بالاغتيال، وحينما عاد نسي النيابة التي منحها للسادات وكان ناصر مريضاً بالقلب ولا أري أنه أخطأ، دعني أقول إنهما حينما خاضا حروباً مشتركة في الفالوجا لتحرير فلسطين، واكتشفا أن القصر يتآمر علي الأمة ثم يواجهان سوياً مع زملاء لهما تجارب متعددة ومصيرية في كثير من الأحيان كل ذلك لا يجعل عبدالناصر يدقق في التفاصيل كثيراً.. صحيح أن السادات أخذ زوجته للسينما ليلة الثورة واحتفظ بالتذاكر في جيبه خشية أن تفشل الخطة ويتم القبض عليه.

وجمال لم يتوقف عند ذلك كثيراً لذا لا أري أنه أخطأ وإن كان هو السبب في أن السلطة ذهبت للسادات وجري ما جري، فالسادات كان عضو مجلس الثورة ورئيس مجلس الثورة وله في الكتابة والصحافة، وإن كان يحب التمثيل وقام بعمل إعلانات من أجل ذلك لكن لا يمكن أن ننسي أن الحنكة التي جعلته يهزم إسرائيل كانت تؤهله لأن يخدع عبدالناصر من قبل.

< البعض يري أن عبدالناصر لم ينجب أبناء علي مستوي المشروع الذي تركه؟

- عبدالناصر كان متوحداً مع القضية ومتصوفاً وعلي مستوي المشروع كان ناصر يحب هذا الشعب ولكن علي مستوي التكوين العسكري لم يكن يؤمن به.. كان يري فيه أهمية تتمثل في دعم مشروعه ومن أخطائه أنه لم يثق في أن يجعلنا نتعلم خطي الثورة ولم يترك لنا حرية أن نخطئ، ولذلك حينما رحل ضغط السادات علي زر فألغي التجربة كلها لأن جيوش عبدالناصر الحقيقية لم تعرف كيف تسلك الطريق لأنه لم يعطها الفرصة كيف تحمل القضية من بعده.

- لا لم يكن ديكتاتوراً ولكن دائماً هناك مسافة بين العسكر والمدنيين لا يثقون في الشعوب، واعترف بأن الذين يدورون حول التجربة الناصرية لا يليقون بقيمة صاحبها ولا بقدره لكنهم يرفعون نفس الشعارات وأحياناً أشعر أنها شعارات تجاوزها الزمن ولو كان ناصر حياً لربما رفع شعارات أخري.

- لا يوجد شيء اسمه «ناصرية» هناك رجل اسمه عبدالناصر قام بالثورة ثم مات ولكن الواقع الآن مختلف تماماً ومن تلوا عبدالناصر باعوا الكثير من القضية

< أيهما يحتاجه الشعب أكثر هيبة.. عبدالناصر أم طيبة محمد مرسي؟

- عبدالناصر لا يقارن ككاريزما وكنسق فكري وكقلب مزروع في وسط الناس، لقد تخلص من كل الضباط الأحرار ولم يكن له جماعة يستند إليه مثلما هو الأمر الآن بالنسبة للرئيس الجديد، كان يري مصر كلها بأكملها، خاصة فقرائها وسلوكه كان يدل عليه، وأعتقد أنه لو أتيح له الفرصة بعد بيان 30 مارس، وبعدما اكتشف أنه أخطأ بأنه لم يكن حزباً حقيقياً خارج الحزب الكارتوني الواحد الذي سار معنا حتي نهاية حكم مبارك، وتحلل معه لكان سيدخل في مرحلة أخري من البناء، ومن أكبر الأخطاء التي يرتكبها الحاكم أن يثق في مجموعته كما وثق ناصر في عبدالحكيم عامر التي أسفرت عن هزيمة يونيو، والسادات من مجموعته وهو الذي خان التجربة بأكملها، ولذلك الرئيس مرسي لا أشعر تجاهه أنه يمثل مصر جميعاً الأمور تطبخ في مطبخ الإخوان المسلمين، وأن ثمة تآمراً علينا هو من جانب والسلفيين من جانب والجهل من جانب.

< لكنه تعهد بحل المشاكل في مائة يوم؟

- هذه كارثة.. فكيف تخيل له أن مشاكل مصر هذه تحل في مائة يوم، كيف تخيل أن مشكلة الزبالة فقط من الممكن التصدي لها في مائة يوم، ودعك من باقي المشاكل الأخري كالصحة والتعليم والخبز والغاز.

- الكارثة أن ذلك التعهد يكشف عن عدم دراية بمصر ولابمشاكلها، فكيف لرجل مثله يذهب للمسجد ويزور أماكن عدة وتحاصره جبال القمامة كما تحاصرنا فكيف أطلق ذلك الوعد.

< لكن هناك حشداً من المتخصصين والكوادر حوله تجعله قادراً علي أن يبصر الطريق؟

- حتي الآن لم يظهر لنا أي شيء يدل علي أننا في طريقنا للنهضة لا من جانبهم ولا من جانب الجماهير التي تتزاحم لميدان التحرير بتوجيه منهم لتغير من طبيعة الميدان وتوجهاته للضغط علي رئة مصر ولتضييق أنفاسها لتحقيق أهداف جماعة الإخوان المسلمين، وفي هذا الإطار لا يمكننا أن نغفل تلك الخطوة الهوجاء التي اتخذها الرئيس لمحاولة الاستيلاء علي مجلس الشعب بدون سند دستوري، فضلاً عن التنمر والتخطيط لوأد حرية الصحافة من قبل مجلس الشوري، علي جانب اللجنة التأسيسية للدستور، وكل ذلك يكشف عن أن الإخوان يحاولون القبض علي كل منافذ الحياة علي الجماهير بحيث يمكن لهم تنفيذ أهدافهم.

< كيف نجحوا في استدراج الجماهير لتصوت لهم بتلك الكثافة؟

- الشعب المصري كما تعلم متدين وحينما تعرض الجماهير أن تذهب بها للجنة يقبلون أن يضحوا بأنفسهم وأولادهم مقابل الوصول إليها، والإخوان وشركاؤهم كانوا يقدمون خدمات للناس، خاصة حينما تقسو الحياة وترتفع الأسعار، فحينما كانت تشتعل أسعار اللحوم كانوا يذبحون البهائم ويبيعونها بسعر التكلفة.

< وما العيب في ذلك؟

- العيب أن تستخدم ذلك من أجل أن تحصل علي أصواتهم، لقاء ذلك الثمن البخس، وقد فعلوا ذلك في أزمة البوتاجاز من قبل، حينما كانت علاقتهم بالعسكري سمناً علي عسل.

< أليسوا قادرين علي إقامة مشروع نهضة علي النسق التركي؟

- لا أعتقد أنهم يستطيعون ذلك.. فتركيا مهما كانت فهي جزء من أوروبا، ودائماً نظرتهم للإسلام أن يكون موافقاً لروح العصر، ولقد تنبه أردوغان لما يعوق الإخوان عن التقدم، فأكد لهم أنه علماني يقود دولة علمانية كالفلاح المصري الذي يدرك بفطرته رغم تدينه أنه سبب فقد المحصول وبذلك يعترف بعلمانيته، أما الجماعة فهي ضد ذلك علي طول الخط.

- ليسوا غارقين فيما نحن غارقين فيه دعك من الدمامل التي مصدرها السلفيون هناك، أما الغنوشي وحزب النهضة فهم عكس ذلك، ولقد فاجأني التونسيون، فمن الصعب أن تجد هناك محجبة، وبالرغم ذلك ذهبت النسبة الأكبر من الأصوات للإسلاميين علي عكس الليبيين لم يمنحوا أصواتهم لذلك التيار.

< هل تعتقد أن الإسلاميين لا يعترفون بالديمقراطية؟

لدي يقين بأن الإخوان ومختلف التيارات الإسلامية ليسوا مؤمنين بالديمقراطية سوي الانتهازية منها التي توصلهم للمنصب ويعتبرون ذلك نصراً من الله وما دونه كفر وضلال.

< لكن الإسلاميين يؤكدون علي رغبتهم في المساواة وتعضيد نفوذ الدولة المدنية؟

- الكلام مفيش أرخص منه المهم السلوك، وسلوكهم يقول عكس ذلك فهم يملأون الميدان ويفرغونه ثم يملأونه مجدداً بمكالمة هاتفية كأن الناس بمنطق الغنم القادرين علي جمعه، وأنا أري في ذلك السلوك شبهة العار والتآمر والسياسة نحن كنا نجمع الميدان بعفوية وكأن الناس علي موعد وتشعر ببعضها البعض طالبين الاستشهاد من غير ان يدق احد أبوابهم وهو يكشف عبقرية ذلك الشعب في تصرفه وعن معدنه الحقيقي.

< وما مشكلة شباب الثورة؟

- كما قلت تشرذمهم وعدم وجود قواعد حقيقية لهم خارج القاهرة بشبر واحد علي عكس الإخوان والسلفيين الذين لهم قواعد في مختلف المدن والقري.

  <    إحدي ال صحف السعودية نشرت قبيل زيارة الرئيس مرسي صورة لحسن البنا يقبل يد العاهل السعودي عبدالعزيز.. فهل في ذلك إشارة لإمكانية أن تكون مصر تابعة للسعودية خلال المرحلة المقبلة؟

- سوف تبقي مصر تابعة للسعودية للأسف.. فالإخوان يعتقدون أنك طالما كنت معه في هذا المشروع فمستعد لحملك علي رأسي، وها هو صفوت حجازي لا يخجل أن يقبل الأيدي واللحي في كل مكان.. وليس هناك مفاجأة في أن يتجهوا للسعودية أولاً فهي «المعلم» الكبير الذي يسرح صبيانه.. ومن أين جمع هؤلاء أموالهم إلا من المملكة.

< لكن المسئولين السعوديين كثيراً ما يهاجمون الإخوان ويعتبرونهم رأس الشر؟

- بسبب ما شهدته بلدهم من حوادث عنف وأنا لو كنت مكان أي حاكم خليجي لشعرت بالخوف من وصول الإخوان للحكم في مصر بسبب توابع ما حدث.

< إلي متي ينتهي تشرذم اليسار؟

- لن تتجمع قوي اليسار المنفرطة إلا عبر وجود شخصية كبيرة تلتف حولها وكان البرادعي الأقدر للقيام بهذا الدور ومازلت آمل أن يحدث هذا وإلا لن تقوم للقوي المدنية قائمة.

< ألست معي أن هناك حالة من التصيد للرئيس المنتخب؟

- مرسي الآن رئيس لمصر جاء بقوة الإخوان المسلمين وعليه أن يثبت أنه يستحق أن يكون رئيساً لكل المصريين.

< ولكنه نجح في انتخابات نزيهة؟

- النسبة ضئيلة للغاية بينه وبين شفيق.. والله أعلم بمن حقق النسبة الأعلي؟

< هل من الممكن أن يسفر هذا المناخ الآمن للإخوان عن دخولك في إجازة عن الشعر؟

- رؤانا مستقبلية ولا نحلم أحلاماً بلهاء ولم نكن ننتظر حدوث الأمر حتي نتصدي له إبداعياً، نحن نحلم ونظل نحلم لمصر بالمستقبل الذي يليق بها.. بالطبع الشعر عزيز وغال ولا أعرف اللحظة التي يأتي فيها أنا أشبه بـ «بوسطجي» أنقل الشعر حينما تحين اللحظة ويزورني.

< ما الذي يزعجك حينما تنظر للثوار؟

- «حين أنظر للفرق الشبابية» التي ترفع لافتات حزبية أعرف أن حالة من عدم النضج تحوطهم أيضاً لأنه لو كان هناك رؤية حقيقية ودرجة من الوعي لكانوا التقوا في مواجهة الأبدان التي تلتهمهم ولن ينتظرهم الزمن حتي يكتشفوا هذا وها نحن نراهم الآن يتفتتون وأنا حزين لجهود البرادعي التي بذلها منذ عودته لمصر وسعيه للدفع بالبلد للنهضة تنتهي إلي لا شيء بسبب تشرذم وفرقة الثوار.. أذكر أيام حرب فيتنام وكان قادتها من الشيوعيين كنت أري البوذيين يحرقون أنفسهم ليعرف العالم أنه لا فارق بين البوذي وبين الشيوعي، الجميع فيتنام والجميع يدفع الثمن.. أين نحن من هذا؟.. لماذا ولدتنا أمهاتنا جميعاً قيادات وزعماء؟.. ولماذا دائماً نفخر بأننا نلعب دائماً دور الطليعة والجماهير معاً ومصرون علي نفي الجماهير خارج الصورة مثل أي نظام فاشستي ونتحدث ونخطب «نناضل» باسم أمن الجماهير وكلامي هنا عن القوي الوطنية التي بشرت بالثورة بعيداً عن القوي الإسلامية والعسكر والفلول.. أري أننا نحن بصمتنا نسهم في أن تتأكد تلك الكيانات الثلاثة ونحن كل ما يهمنا أن نتناحر.

< هل استردت مصر عافيتها بعد أن عثرت أخيراً علي رئيس؟

- تعد الفترات الانتقالية من أشد المراحل التي تمر بها الأوطان عقب الثورات لدرجة أنك أحياناً تشعر بأننا لن نخرج منها وكأننا سقطنا في هوة بئر مظلمة، زمن أجل ذلك نحن الآن بغض النظر عمن كانوا يحكموننا من قبل أو عصابة اللصوص وخونة الأوطان لكن ظلت مصر دوماً توحدنا كفريق قد يكون متجانساً أو غير متجانس لكننا لم نعرف أن نكون يوماً فريقين، كل فريق في مواجهة الآخر بهذه الصورة المخيفة التي نحن عليها الآن.. وقبل ذلك كانت النخبة هي التي تتولي التعبير عن الصراع المكتوم داخل الجماهير، وتعلنه لكن أن نستيقظ فجأة بعد هذه الثورة العظيمة أن نجد أنفسنا فريقين مثل ديكة السباق، كل منا في مواجهة الآخر يدميه وينقره ويفقأ عينيه.. للأسف مصر باتت هكذا الآن منقسمة لقسمين بينما المجلس العسكري مختبئ بعيداً بغنيمته.

< ومن المسئول عن هذه الفتنة التي قسمت البلد لفريقين؟

- بالطبع فإن المسئول الوحيد هو التيار الإسلامي فقد قسم كل المعاني والأهداف إلي قسمين، فقد جعل الهدف هدفين والناس قسمين، بل وأقول قسم النية إلي نيتين، وهكذا نواجه هذا لأول مرة في تاريخنا، ثم قضية تحقيق السياسات بالغوغائية الجماهيرية وبالرقص علي حافة الخطر وإحساسك بأنه لم يعد هناك أحد يهتم بمصر إلا أصحاب الهم القديم، نحن أيضاً الذين عشنا طيلة تاريخنا علي فكرة تحرير مصر وردها لأسيادها الحقيقيين وهم من بنوها ومن زرعوها ومن لم يحصلوا علي شيء لكن أن تصبح الغلبة بالجماهير المضللة بالقطعان الهائجة، والتي تعتقد أنه آن الأوان لمولد دولة الإسلام العظيمة أمام الكفار، ومن المؤسف أن نري أعظم رموز مصر تهان وتضرب وتمزق ملابسها ويبصق في وجوهها علي مرأي من سادة وزعماء.

< هل تعتقد أننا إزاء بلطجة من نوع جديد؟

- لقد عانينا طويلاً حتي وقت قريب من البلطجة السياسية التي كان يصدرها النظام السابق في الشوارع ويسرحها علي معارضيه وعلي المواطنين فإذا بنا أمام بلطجة من نوع جديد هي بلطجة دينية، للأسف الشديد ترتدي مسوح الدين وتعتقد أنها تحقق إرادة الله في الأرض ضد دولة الكفار، وأنا أتعجب حينما أشاهد شباب كان من الممكن أن يساهم في تنمية بلاده بصدق، لكنهم تعرضوا لعمليات توجيه حيث يتم الدفع بهم للميدان قادمين في أوتوبيس من مختلف المدن والقري البعيدة بهدف تغيير هوية الميدان.. أنني أتعجب من حجم ما يتم من إنفاقه من أموال من أجل القضاء علي هوية مصر ودفعها لتغيير إرادتها لتصبح أسيرة فصيل واحد.. إن حجم الأموال المكدسة في أيدي الإسلاميين والعسكر تم اغتصابه من أهالينا الفقراء الذين يعيشون حياة الشظف والفقر.. لقد كان مشهد الاعتداء علي حمدي الفخراني وأبوالعز الحريري وآخرين من قبل شباب الإسلاميين أمراً يدعو للفجيعة.. أين كان هؤلاء حينما كان من تم الاعتداء عليهم يناضلون في وجه استبداد وقهر النظام السابق في القوت الذي كان فيه الإسلاميون صامتين ويعقدون الصفقات مع النظام السابق؟.. كان حمدي الفخراني بظهره العاري يواجه أعتي نظام ويهدد بالقتل من أجل إعادة ثروات مصر المنهوبة في مشاريع مثل مدينتي وعمر أفندي.. تخيل أنه كان من الممكن أن يقتل من اللصوص ومن الخونة وهو الآن مهدد بأن يقتل من يرتدي لباس الدين إذن فما الفارق بين الاثنين كلاهما بلطجي.

< كنت أول من رصدوا الثورة شعرياً من خلال قصيدة الميدان فهل كنت تتخيل أن تنتهي الأمور إلي ما نحن فيه؟

- لا طبعاً كلنا كنا متفائلين بمصر الجديدة التي نريد أن نبنيها بدون قهر وظلم لكننا وجدنا إزاء قهر من نوع جديد، قهر تجار الدين الذين يسعون لإقامة مملكتهم الجديدة ولو كانت علي جماجم المختلفين معهم في الرأي من المصريين وأخشي أن يكون أشد قهراً من زمن مبارك.. إنني أقول لقادة الإخوان وللرئيس الجديد ليس هكذا تبني الإخوان ليس بالرعب نعيد بناء مصر التي تحتاج  لتكاتف الأيدي، أما أن يتبع الإسلاميون نفس أسلوب النظام البائد في الانتقام والترويع فلن يسفر ذلك إلا مواجهة نفس النهاية، لقد دهشت حينما اكتشفت أن لدي هؤلاء عدداً من البلطجية يفوق عدد بلطجية النظام السابق.

< وهل تتوقع أن يكون ليل مصر طويلاً مع الإخوان؟

- أثق في أن مصر قادرة دوماً علي مفاجأة جلاديها وشعبها قوي ولا سبيل للسيطرة عليها.

< هل تشعر بالأسي علي مصير مبارك؟

- لا.. هو السبب فيما جري له.

< ألم تفكر في السؤال عنه؟

- مطلقاً كوارثه لا تحصي وجروحه للملايين لا تندمل.

- إذا كنت تقصد موضوع العلاج علي نفقة الدولة، فلم يحدث أن قدمت مرة واحدة في حياتي طلباً للعلاج علي نفقة الدولة، وكنت أحرص عند السفر ولا أعلن عن المستشفيات التي أتردد فيها كي لا يلاحقني أحد ويعرض علي خدمات من أي نوع.

< قالوا إنك كنت صديقاً لجمال وعلاء مبارك؟

- هذه أكاذيب لا صحة لها ولم يحدث أن صافحت أياً منهما في حياتي.

< لكن حكاماً بعضهم رحل عن الحياة واحداً تلو الآخر سعوا للتقرب منك؟

- لولا أن شعري وصل للقاعدة العريضة من الجماهير مثقفين وعوام لما سعي لي الحكام للتودد لي وهذا لم يؤثر علي من قريب أو بعيد ولم يؤثر في شيء من مواقفي بالنسبة للقضايا العربية أو المصرية.. وعلي سبيل المثال الرئيس المخلوع كان يتصل ويسأل عني كثيراً ولم يحدث أن أثر ذلك علي موقفي من نقد نظامه، وقصيدتي عن عبدالعاطي صائد الدبابات مثال علي ذلك فقد تحدثت عن أن صناع نصر أكتوبر الحقيقيين يتم طردهم خارج المشهد، فيما استولي غرباء عن غنائم الحرب، وأريد أن أقول لك: إن وراء كل شائعة ضدي يقف شاعر محبط وذلك لن الشعراء العظماء ليس عندهم وقت لإطلاق الأكاذيب.  

< قالوا أيضاً إن أمير الكويت منحك آبار نفط بعد قصيدتك الشهيرة «اللهم لا اعتراض»؟       

- كل هذه أكاذيب ومعروف عن العربي «ما تتبلش في بقه فوله» ولو كان ذلك صحيحاً لكان كل شيء معروفاً للجميع ولم أحصل علي نفط من الكويت وليس لدي تاريخ سري حتي أسعي للتستر عليه، وموقفي من الكويت كشف عن بعد نظر فقد كان احتلال العراق لها هو الخطوة الأولي لدخول المحتل الأمريكي المنطقة العربية.

  < يقولون أيضاً إنك تمتلك عزبة يجري فيها الخيل؟  

- كثير مما يقال لا أساس له من الصحة.. ها أنت هنا هل تري أمامك عزبة أو ضيعة؟.. كما يروج هؤلاء، أم مجرد بيت أحمد الله عليه وأحمده أكثر علي أن منحني تلك الزوجة التي تعيش علي السراء والضراء.

  < هل تشعر بشيء من الحرج لكون بعض جمهورك حكاماً مستبدين سقطوا الواحد تلو الآخر؟  

- أنا أكتب الشعر للجماهير ولا أتوجه به لحاكم أو مسئول و«اللي عاوز يسمع يسمع».

  < لماذا هوجمت أكثر من غيرك؟  

- لأنني وصلت للناس وانحاز لهم حتي في وجه الطغمة السياسية التي أحاطت بمبارك.

  < هل أفسد عليك حسادك الحياة؟    

  - صدقني أشعر بالأسي لهم فهم محبطون بعد أن هجرهم الشعر وهجرتهم الظروف التي راجوا فيها، وذلك لأنهم أهل «ألبندا» وشو جماهيري وليسوا أصحاب تجربة شعرية أصيلة.

  < هل يشغلك هجوم البعض عليك؟  

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل