المحتوى الرئيسى

حكم الدين فى صوم يوم الشك

07/19 12:57

يسال الكثيرون عن ما هو يوم الشك؟ ولماذا يحرم صومه؟ الـجـــواب جاء من  امانه الفتوي بدار الافتاء وهو :

 هذه المساله فيها ثلاثه احاديث شريفه: الاول: عن صِلَهَ بْنِ زُفَرَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه، فَاُتِيَ بِشَاهٍ مَصْلِيَّهٍ فَقَالَ: "كُلُوا"، فَتَنَحَّي بَعْضُ القوم فقال: اِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عَمَّارٌ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَي اَبَا الْقَاسِمِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وَسَلَّمَ» رواه ابو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة، وصححه ابن خزيمه وابن حبان والدارقطني والحاكم،

قَال الترمذي: "حَدِيثُ عَمَّارٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، والعمل علي هَذَا عِنْدَ اَكْثَرِ اَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ اَصْحَابِ النَّبِيِّ صلي الله عليه واله وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سفيان الثوري وَمَالِكُ بْنُ اَنَسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ المبارك والشافعي وَاَحْمَدُ وَاِسْحَاقُ؛ كَرِهُوا اَنْ يَصُومَ الرجل اليوم الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، وَرَاَي اَكْثَرُهُمْ اِنْ صَامَهُ فَكَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ اَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ" اهـ.

 والثاني: حديث ابي هريره رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه واله وسلم قال: «لَا يَتَقَدَّمَنَّ اَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ اَوْ يَوْمَيْنِ، اِلَّا اَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ» رواه الجماعه، قال الترمذي: "حَدِيثُ اَبِي هُرَيْرَهَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَي هَذَا عند اهل الْعِلْمِ؛ كَرِهُوا اَنْ يَتَعَجَّلَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ قَبْلَ دخول شهر رَمَضَانَ لِمَعْنَي رَمَضَانَ، وَاِنْ كَانَ رَجُلٌ يَصُومُ صومًا فوافق صِيَامُهُ ذَلِكَ فَلا بَاْسَ بِهِ عِنْدَهُمْ" اهـ.

 والثالث: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه واله وسلم قال: «اِذَا رَاَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَاِذَا رَاَيْتُمُوهُ فَاَفْطِرُوا فَاِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» متفق عليه.

وبناءً علي ذلك فقد اختلف العلماء في تحديد يوم الشك: فعند جمهور العلماء من الحنفيه والشافعيه: يوم الشك هو اليوم الثلاثون من شهر شعبان اذا تَحَدَّث الناس بالرؤيه ولم تثبت، او شهد بها من ردت شهادته لفسقٍ ونحوه، فان لم يتحدَّث بالرؤيه احدٌ فليس يومَ شكٍّ حتي لو كانت السماء مُغيمه؛ وذلك عملا بظاهر قول عمار بن ياسر رضي الله عنه: "الَّذِي يشك فيه النَّاسُ" من غير التفات الي وجود غيمٍ او انتفائه. اما المالكيه فانهم يجعلون مناط الشك هو الغيم، فلو كانت السماء مُصْحِيَه فليس يومَ شكٍّ؛ لانه ان لم يُرَ الهلالُ كان من شعبان جزمًا، ويجعلون قوله صلي الله عليه واله وسلم: «فَاِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» تفسيرًا ليوم الشك، واعترض ذلك ابن عبد السلام من المالكيه بان قوله عليه الصلاه والسلام: «فَاِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» -اي: اكملوا عده ما قبله ثلاثين يومًا- يدل علي ان صبيحه الغيم من شعبان جزمًا.

ويقابلهم الحنابله الذين يوافقون الجمهور، لكنهم يرون في ظاهر المذهب عندهم ان وجود الغيم ينفي كونَه يومَ شكٍّ؛ لانه حينئذ يُعَدُّ من رمضان، ويجعلون قوله صلي الله عليه واله وسلم: «اِذَا رَاَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَاِذَا رَاَيْتُمُوهُ فَاَفْطِرُوا، فَاِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» مسوقًا لبيان التفرقه بين حكم الصحو والغيم؛ فاذا كانت رؤية الهلال شرطًا للصوم في الصحو فالمغايره تقتضي عدم كون الرؤيه شرطًا في الغيم، ومعني «فَاقْدُرُوا لَهُ» عندهم: اي: فضيِّقوا له وقدِّروه تحت السحاب؛ عملًا بمذهب راوي الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في ذلك. وتوارُدُ رواياتِ الحديث الصحيحه الصريحه علي تفسير «فَاقْدُرُوا لَهُ» باكمال عده شعبان ثلاثين يرجح مذهب الجمهور في ذلك؛ حملًا للمطلق علي المقيَّد، والسُّنَّه هي اَوْلي ما تُبَيَّنُ به السُّنَّه، ولذلك اختار كثير من محققي الحنابله والمالكيه مذهب الجمهور، قال الامام النووي في المجموع: "فالصواب ما قاله الجمهور، وما سواه فاسد مردود بصرائح الاحاديث السابقه". وقد صنف بعض العلماء في تحديد يوم الشك، كما فعل مفتي مكه المكرمه العلامه الشيخ ابراهيم بن حسين ابن بيري الحنفي [ت1099هـ] في رسالته التي سَمّاها "ازاله الضنك في المراد من يوم الشك".

اما حكم صوم يوم الشك فله حالتان: الاولي: ان يُصام عن رمضان بنيه الاحتياط له، فهذا هو المراد بالنهي عند جمهور العلماء، ثم منهم من جعله حرامًا لا يصح صومه كاكثر الشافعيه، ومنهم من راه مكروهًا كالحنفيه والمالكيه والحنابله، فان ظهر انه من رمضان اجزاه عند الليث بن سعد والحنفيه، ولم يجزئه عند المالكيه والشافعيه والحنابله. وهذا عند الحنابله في غير يوم الغيم؛ فاما يوم الغيم فانهم اوجبوا صيامه عن رمضان في ظاهر الروايه عندهم ولم يجعلوه يومَ شك؛ عملًا بمذهب راوي الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كما سبق، وللامام احمد روايه اخري توافق الجمهور اخذ بها كثير من محققيهم؛ لتوارد الروايات الصحيحه الصريحه علي ذلك، حتي قال الامام ابن تيمية الحنبلي رحمه الله تعالي -فيما نقله عنه الحافظ ابن عبد الهادي الحنبلي في "تنقيح التحقيق"-: "الَّذِي دَلَّتْ عليه الاحاديث في هذه المسـاله -وَهُوَ مُقْتَضَي الْقَوَاعِدِ- اَنَّ اَيَّ شَهْر غُمَّ اُكْمِلَ ثَلاثِينَ؛ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شهر شَعْبَان او شهر رَمَضَان اوغَيْرهمَا" اهـ. وقد سبق نقل كلام الامام النووي في ذلك.

الثانيه: ان يُصام عن غير رمضان، فالجمهور انه يجوز صومه اذا وافق عادهً في صوم التطوع كما هو نص حديث ابي هريره رضي الله عنه، ويلتحق بذلك عندهم صوم القضاء والنذر، امَّا التطوع المطلق من غير عاده فهو حرام علي الصحيح عند الشافعيه الا ان وصله بما قبله من النصف الثاني فيجوز، ولا باس به عند الحنفيه والمالكيه. وقد صنف الائمه في هذه المساله، منهم: الحافظ الخطيب البغدادي الشافعي [ت463هـ] في كتابه "النهي عن صوم يوم الشك"، والحافظ ابو القاسم عبد الرحمن بن منده الحنبلي [ت470هـ] في كتابه "صيام يوم الشك" خالف فيه ما هو المذهب عند الحنابله من صيام يوم الغيم، والحافظ ابو الفرج أبن الجوزي الحنبلي [ت597هـ] في كتابه "درء الضيم واللَّوم في صوم يوم الغيم"، والعلامه مرعي بن يوسف الكَرْمي الحنبلي [ت1033هـ] في كتابه "تحقيق الرجحان بصوم يوم الشك من رمضان".

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل