المحتوى الرئيسى

الرقباء وتابوهات السينما الدين.. السياسة.. الجنس (4)

07/10 10:03

إذا كانت السينما مرآة الواقع، تبقى الرقابة بوابة العبور إلى هذا الواقع، تفتح الطريق إلى جزء منه تارة وتغلقه تماما تارة أخرى وفقا لطبيعة النظام السياسى الحاكم الذى يسمح ويمنع وفق إشارات يبعث بها «الرقباء» أو «حراس الباب».. ونحن على أعتاب الجمهورية الثانية يبقى السؤال المحير عن مصير الرقابة على المصنفات الفنية فى النظام الجديد وكيف ستتعامل مع التابوهات الثلاثة (الدين.. السياسة.. الجنس) التى ظلت الهاجس الأكبر للرقباء.

وإذا كان استشراق مشهد المستقبل لا يتأتى إلا بقراءة صورة الماضى، تفتح «الشروق» ملف الرقابة ومصيرها من خلال سلسلة حوارات مع أشهر «الرقباء» السابقين فى محاولة لرسم السيناريو المقبل من خلال ما مروا به من تجارب وهم على رأس بوابة عبور السينما للواقع.

 لم أرفض فيلمًا واحدًا خلال رئاستى للرقابة.. والرقيب يمكنه المواءمة بين جميع الأفكارالناقد السينمائى على أبوشادى كان له حظ تولى منصب رئيس الرقابة مرتين، الأولى بين عامى 1994 و1999، وهى الفترة التى يطلق عليها مرحلة «اقتحام المحظورات»، ويرى أن أهم إنجازاته فى جهاز الرقابة قد تحققت فى تلك الفترة، أما الثانية فهى بين عامى 2004 و2009، ويسميها فترة «ملاحقة الحرية المتاحة»، والتى وقعت فيها الرقابة فى مأزق ملاحقة الفضائيات التى رفعت سقف الحرية إلى آفاق واسعة، وجعلت ما يجيزه الرقيب لا يتناسب مع مساحة الحرية المتاحة فى القنوات الخاصة، وفى هذه الحلقة يروى لنا أبوشادى خلاصة تجربته كرقيب لفترة، شهدت حراك جماهيرى نحو الحرية والتغيير، كما شهدت أيضا ظهور نفوذ قوى لتيارات تناهض الفن وحرية الإبداع.

الرقيب أصبح عاجزا عن ملاحقة انفتاح المجتمع بعد انتشار الفضائيات

ينطلق أبوشادى فى حديثه معنا من البداية، وعندما تم اختياره لشغل المنصب، وكيف جاء بعد فترة سيطرت عليها معايير أخلاقية فى الحكم على الأعمال الفنية، وهو ما جعل قراراته المنحازة لحرية الإبداع تلقى صدى كبيرا، وأن مجرد تمرير مشهد أو جملة فى حوار يحدث حالة من الاهتمام الإعلامى، وضرب مثلا بمشاهد حرق العلم الإسرائيلى، والذى رآه الناس إنجازا كبيرا.

ويعلق بأنه لا يرى فيما قدمه بتلك المرحلة ليس بطولة أو خروجا على حدود عمله كرقيب، لكنه كان يرى أن دوره هو تطبيق القانون، وأن الرقابة يحكمها قانون مرن يمكن التعامل معه لتمرير أشياء كانت قبل ذلك ممنوعه لأسباب هى فى حقيقة الأمر غير منطقية، وفى تلك الفترة تم التصريح لأعمال لم يكن ممكنا التصريح بها من قبل، وذكر منها «المصير» و«صعيدى فى الجامعة الأمريكية»، و«أرض الخوف».

ويشير أبوشادى إلى خوضه للعديد من المعارك فى تلك المرحلة، وقال إن معاركه لم تكن فقط من التيارات الدينية، التى طاردتنا بالدعاوى القضائية، وطلبات الإحاطة فى مجلس الشعب، ولكنها أيضا كانت من المبدعين أنفسهم، والذين وجهوا اتهامات باطلة لجهاز الرقابة بسبب بعض الاعتراضات، رغم علمهم بأنهم يقدمون أعمالا دون المستوى، ومزايدات لا مبرر لها.    

وعن المرحلة الثانية قال إنه بعد الانتشار الواسع للقنوات الفضائية والخاصة أصبحت الرقابة عاجزة عن ملاحقة حالة الانفتاح الذى شهده المجتمع، وأصبح ما يُقال على شاشة التليفزيون وفى الصحف أكثر بكثير مما تستطيع الرقابة التصريح، به الرقابة التى تعمل من خلال قانون لا يمكن تجاوزه.

ويشير أبوشادى إلى أن تلك الفترة شهدت معارك ضارية، كان أهمها إجازة  فيلم «هى فوضى» للمخرج الكبير يوسف شاهين، والذى واجه اعتراضات ممن رأوا أن اسم الفيلم يعد تقرير واقع وأنه يصف حال مصر فى تلك الفترة من حكم الرئيس السابق بالفوضى، ورغم قناعتى بأن هذا الكلام صحيح وأن هذا ما يقصده شاهين، لكننا تفاوضنا لتمرير الفيلم، وقلت ساعتها بأن عنوان الفيلم استفهامى، وطلبت بوضع علامة استفهام فقط فى إفيشات الفيلم، وكل ما تم حذفه من الفيلم هو 30 ثانية فقط.

ويعلق أبوشادى بقوله: «تلك المواقف ليست تمردا على القوانين، لا ادعاء للطولة فى مثل هذه القرارات سواء فى عهدى أو أى عهد آخر، ولكن كل رقيب يتصرف وفق اجتهاده وثقافته، وفكرة أنه يستطيع تمرير ما يرد هى فكرة غير صحيحة، لأن الرقيب نفسه مراقب 24 ساعة، ولكن يمكنه المواءمة بين الأشياء».

وأضاف: «أزعم أننى لم أرفض فيلما واحدا خلال فترة رئاستى للرقابة، وفكرة مناقشة نقاط الخلاف مع المبدعين هى إجراء قديم، وهى الأصل فى المسألة، التى ترتبط بالثقافة وليس بالرقابة حتى نتوصل إلى تمرير الرؤية بما لا يخالف القانون».

شورى النقاد فكرة نبيلة شابها فتح الباب للجميع

يجيب أبوشادى عن سبب عدم اعتماده على لجان شورى النقاد بقوله إنها مظهر من مظاهر الزخم إلاعلامى أكثر منه إجراء قانونى، ورغم أنها شكل حضارى جميل فإنها كانت ضد القانون، فتنفيذها شابه لفظ «الباب مفتوح لمشاركة الجميع، خاصة وأن تلك اللجان كانت تستعين بأعداد كبيرة، دون وجود تقارير تُحَمّل المشاركين فى التصويت مسئولية إجازة أو منع العمل الفنى، وكان يمكن للمنتجين توجيه القرار بحشد أصوات لصالح العمل الذى يخضع للتصويت، وكان الأولى هو تفعيل لجان شورى المنصوص عليها فى قانون الرقابة إذا لزم الأمر، والتى كانت تشكل بقرار وزارى، وكانت تضم مجموعة من المفكرين والمبدعين والنقاد ممن يتمتعون بثقل فى المجتمع والأوساط الثقافية».

وأشار إلى تجربته مع فيلم جمال عبدالناصر، والذى تشكلت لجنة لاتخاذ قرار بشأنه، بعد أن عجزت الرقابة فى البت فى أمره بسبب حالة اللغط التى أثيرت حول المناطق الخلافية فيه، وتوثقها تاريخيا، وضمت اللجنة قامات ثقافية من بينهم يونان لبيب رزق وعبدالعظيم رمضان، صلاح عيسى وسمير فريد وسيد ياسين وأمينة الجندى، وتلك اللجنة هى التى أجازت الفيلم.

«ابن الرئيس» سيناريو لم يعرض على الرقابة.. واعتراضات

 «سقوط بغداد» لم تكن سياسيةفى رده عما تردد حول مشكلات مع فيلم «ليلة سقوط بغداد» بسبب تصوير وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس كفتاة ليل، قال أبوشادى إن الاعتراضات كانت على مشاهد تجاوزت حدود الكوميديا، وسعت لإضحاك المشاهد بأمتهان للإنسان المصرى والجيش المصرى، ورأت الرقابة أنها مشاهد لا تليق بعمل فنى، فالمسألة كانت بشأن حس عام وليس خلاف سياسى.

وعن فيلم ابن الرئيس الذى قيل إنه تم رفضه، أكد أبوشادى أنه لا يوجد فيلم بهذا الاسم، لكن كان هناك سيناريو كتبه يوسف معاطى ليلعب بطولته عادل إمام مع ابنه محمد إمام، وهذا السيناريو لم يقدم للرقابة، ولكن كل من قرأ السيناريو قال إنه لا يرقى لاسم يوسف معاطى أو عادل إمام، ومن هنا توقف المشروع من تلقاء نفسه.

شجاعة الكتابة هى التى مررت أفلام شاهين ووحيد وخان وداود 

نفى على أبوشادى بقوة ما تردد عن انحياز الرقابة فى عهده لبعض المبدعين، وأنها مررت أعمال لعادل إمام ووحيد حامد لم تكن لتمر لو قدمت من آخرين، وقال أبوشادى إن أعمال كاتب مثل وحيد حامد تدافع عن نفسها بنفسها، فشجاعة الكتابة هى التى مررت هذه الأعمال وليس الرقيب أو أمن الدولة كما يُقال، أضاف أن النص الذى يقدمه الكاتب هو الذى يعطى مادة تمكن من الدفاع عنها، ومنها أعمال يوسف شاهين وحيد حامد التى أصبحت نبوءة تحققت فى الواقع، أما المزايدات التى يقدمها البعض فلا يمكننا الدفاع عنها كعمل فنى، والعجز هو الذى يولد مثل هذه الاتهامات.

ويقول أبوشادى إنه لو هناك انحياز من جانب الرقابة فهو انحياز للعمل الفنى الجاد، مشيرا إلى إجازة الرقابة لأعمال يُقال عنها ساخنة لمحمد خان وداود عبدالسيد، ونص حوار فى فيلم «حورجادا» لرأفت الميهى الذى لم يصور بعد، وكانت الإجازة من منطلق إيماننا بأن تلك الأفلام تمثل قيمة فنية، وأنها ليست مزايدات من نوعية تحية رئيسة جمهورية. وأشار الى إجازة فيلم «بحب السيما» من خلال الدكتور جابر عصفور رئيس المجلس الأعلى للثقافة آنذاك، وذلك من خلال لجنة حكماء، وكان تمرير اللجنة للفيلم من منطلق «إذا كان الرجل يملك شجاعة الكتابة فنحن لسنا أقل منه شجاعة».

وعما يطلق عليه مشاهد الفراش أو «المناظر» قال أبوشادى: «لست ضد هذه المشاهد طالما كانت فى سياق العمل الفنى، ولا أراها إباحية، أو مشاهد ساخنة، ولكن يرها المراهق جنسيا، أو ذهنيا من وجهة نظره مشاهد جنسية، أو مشاهد ساخنة، وهى فى حقيقة الأمر ليست كذلك ولكن مصدر السخونة هو عقل هذا المشاهد، وهذا أمر يخصه وحده، وللأسف بعض الفنانين كانوا يبالغون  فى تضمين أعمالهم مشاهد من هذا النوع، حتى يقوم الرقيب بحذفه، ويدخلون فى نقاش حولها مع الرقابة لتمرير أشياء أخرى، لكننا تعاملنا مع هذا بمنطق واحد، وهو أن ما لا ضرورة له لا ضرورة، ويجب حذفه.

وأشار إلى فيلم «دانتيلا» للمخرجة إيناس الدغيدى، والذى عرض فى مهرجان الإسكندرية، متضمنا مشهد فراش فى سياق الدراما، ولكنه كان مشهدا طويلا يتضمن 9 شوتات، بما يجعله مشهد مزعج، وعند العرض التجارى رأت الرقابة بأنه كان يكفى الإشارة للحدث فى مشهد لا يتعدى الـ 3 شوتات، واعترضت إيناس، وثارت ضجة حول الفيلم، وتمسكت الرقابة بموقفها، وفى العرض الخاص بسينما راديو وقفت المخرجة لتشكر الرقابة، وقالت إنها ساعدتها فى تقديم فيلم على أفضل ما يكون.

وذكر أبوشادى أنه أجاز عرض أفلام تتضمن مشاهد جنسية فى مهرجان القاهرة السينمائى، لأن أفلام المهرجان يجب أن تشاهد كما هى، وخرجنا من هذا المأزق بأن جعلناها عروضا خاصة للنقاد والصحفيين وعرض لمرة واحدة، وكانت هذه الافلام تحظى بإقبال كبير جدا، ولا يغادر إحدى صالات العروض، وبعدها تتعرض الرقابة للهجوم ممن يريدون الظهور بمظهر أخلاقى أمام الناس.

أمن الدولة گان يشعر بحساسية تجاه تناول ضباط الشرطة فى أعمال فنية

ينفى بشدة على أبوشادى تعرضه لأى ضغوط من جانب المسئولين فى وزارة الثقافة، مؤكدا أن الوزير فاروق حسنى كان دائما ظهيرا لحرية الإبداع، رغم تعرضه للحرج أحيانا بسبب ما تجيزه الرقابة من أعمال، وأشار إلى اعتراض أبداه الوزير كمال الشاذلى على ظهور شخصية كمال الفولى فى فيلم عمارة يعقوبيان، والتى رآها العامة أنها تجسيد لشخصيته.

وكشف أبوشادى عن خطاب لوم وجهه وزير الداخلية حبيب العدل لفاروق حسنى بسبب إجازته لفيلم «هى فوضى»، لكن كل ما قام به وزير الثقافة الأسبق أن حوله لرئيس الرقابة للعلم، ولم يبدِ أى توجيه أو اعتراض أو ملاحظة.

وعن الجهات التى كانت تحيل لها الرقابة بعض الاعمال قال أبوشادى: «وفق القانون تتم الإحالة للمخابرات العامة فيما يخص الأمن القومى، وتُحال إلى الأزهر الأمور المتعلقة بالأمور الدينية».

وأضاف: «أحلت أمورا للأزهر للاسترشاد، خاصة فى الأعمال التى تتضمن آيات قرآنية أو أمورا فقهية لأن الرقيب ليس فقيها فى الدين، وقلت إننى لن أبصم خلف شيخ الأزهر، لكن هناك من المبدعين من تطوع بالحصول على استشارة من تلك الجهات فى أعمالهم، قبل أن تحيل الرقابة لها العمل».

وأشار إلى مشكلة فيلم «أولاد العم» الذى عرضه أصحابه على الأجهزة الأمنية بعيدا عن الرقابة، وبعد أن تم تصوير مشاهد له فى الخارج اعترضت المخابرات على تصوير الفيلم بدون تصريح رسمى، وهى مشكلة لم يكن للرقابة شأن بها.

وأكد أن القانون لا يعطى جهاز زمن الدولة حق ابداء الرأى أو الاعتراض على عمل فنى، والمخابرات العامة هى الجهة صاحبة القرار فيما يتعلق بشأن الأمن القومى، لكن فى الفترة الأخيرة كان الجهاز يتدخل ويمارس ضغوط ليتدخل فى بعض القرارات، وكان فيلم «هيه فوضى» أحد هذه الممارسات، لكننا أحزنا الفيلم وعملنا على تمريره دون المساس به، ويشهد على ذلك المخرج خالد يوسف والمنتج جابى خورى الذين حضرا تلك المداولات كاملة.

وأشار إلى أنه كان هناك حساسية من جانب أمن الدولة تجاه الأفلام التى تتناول ضباط الشرطة، وأشار إلى الضغوط التى مارسوها لتغيير أسم فيلم «عريس أمن دولة» إلى «عريس من جهة أمنية»، رغم أن هذا التغيير لم يؤثر على الفيلم فى شىء، وأن كل من يشاهد الفيلم يعرف أن بطل الفيلم شريف منير يعمل فى جهاز أمن الدولة، فضلا على أن الفيلم لم يكن فيه شىء مسىء أو ما يستدعى الاعتراض عليه، ولكن ما أثير فى الصحف عن الفيلم قبل عرضه هو ما حرك أمن الدولة لتغيير الاسم.

نرشح لك

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل