المحتوى الرئيسى

اكتشاف كونى وتجاهل محلى

07/06 21:59

في صباح يوم الاربعاء الماضي اعلن علماء مركز البحوث النوويه الاوروبي «سيرن»، قرب مدينه جنيف، عن اكتشاف جسيم أولي، يعتقد انه جسيم الـ«هيجز»، الذي يشرح من خلاله العلم الحديث وجود كل مكونات الماده المعروفه لنا، وكيفيه اكتسابها صفات الكتله والوزن.. انتشر الخبر بسرعة الضوء خلال العالم الصناعي، فتصدر مانشيتات كل الصحف فيه تقريبا، بل انه احتل المرتبه الاولي لاكثر من ٢٤ ساعه علي موقع الـ«واشنطن بوست»، المهتم عاده بالسياسه الامريكيه، خاصه في سنه انتخابات هناك كهذه.

اما في مصر فالتجاهل شبه التام كان مذهلا فعلا. علي اي حال، لمن يهمه الامر، ما يلي اجزاء من مقال كتبته منذ عده سنوات، تحت عنوان «قصه كونيه ومحاوله مصريه» وكان هدفه التعريف ببعض جوانب العلوم الطبيعية التي ادت الي فكره جسيم الـ«هيجز»، وايضا التعريف بمحاوله مصريه، وليده انذاك، للاشتراك في تجارب معامل «سيرن».. ويسرني اعلان ان المشاركه المصريه حدثت بالفعل، والفضل الاول يرجع لجهود الزميل والصديق الدكتور شعبان خليل.. وما زالت المشاركه قائمه، رغم كل التحديات التي واجهتها.

وفيما يلي بعض ما كتبت في المقال المذكور، مع بعض الاختصار والتعديل:

«عمق الفكر العلمي الحديث يكمن في قدرته علي الربط والتوحيد بين ظواهر لا يبدو، للوهله الاولي، ان بينها اي علاقه وايضا الفصل بين اخري قد تبدو مرتبطه سطحياً».

في الحياه اليوميه، نلاحظ سُحباً من بخار الماء المتجانس- كتل بخاريه لا تختلف كثافتها كثيرا من مكان لاخر- لكن اذا انخفضت درجة الحرارة، تكثفت قطرات الماء خلالها «ربما سقطت كمطر، اذا كانت السحابه في السماء!».

يعتقد العلماء ان الكون، في البدايه، كان علي درجه حراره عاليه جدا، وكان يحتوي علي مجال مادي متجانس، وجسيم اولي واحد فقط له كتله، يسمي جسيم «هيجز» «تكريما لاحد من وصفوه، العالم البريطاني بيتر هيجز». لكن، لان الكون يتمدد، فان درجه الحراره فيه في انخفاض مستمر «تماما كما يؤدي تمدد غاز (الفريون) داخل جهاز التكييف لانخفاض حراري».

وعندما انخفضت درجه الحراره تحت مستوي معين، «حرج»، حدث كسر او خرق للتناسق، اكتسبت من خلاله الجسيمات الأولية الاخري كتلات خاصه بها، اي اصبح لها «وزن» في مجال الجاذبيه.. شاعريا، وباستخدام مثالنا السابق، يمكن ان نقول انها تساقطت كقطرات الماء المكثفه من سحابه مجال هيجز، وان تفاعلها مع هذا المجال، «اللي بيشدها»، هو الذي يعطيها صفه الكتله، في ظاهره توحي بتفاعل قطرات الماء مع البخار والهواء عن طريق الاحتكاك بهما خلال حركتها. كلام جميل لكنه، حتي الان، اقرب للاسطوره منه الي العلم، لان النظريات العلميه ما هي الا اساطير تفصل بينها التجربه العمليه. فالسؤال هو: اين جسيم هيجز الان؟ والرد هو انه اختفي، لان درجات الحرارة الشائعه في الكون الان اقل بمراحل منها في الطقس الذي يمكن ان «يعيش» فيه الهيجز.

لكن الكشف عنه يشكل عنصراً اساسياً في عمليه التيقن من النظريات عن طبيعه الماده، اي ما يسمي «النموذج القياسي» للجسيمات الاوليه. ما العمل اذن؟ علي عمق يتراوح بين ٥٠ و١٧٠متراً، علي الحدود السويسريه الفرنسيه، تم في الشهر الماضي افتتاح ما يسمي «معجل الهيدرونات التصادمي الكبير»،

والهدف منه تعجيل البروتونات في دائرة مغناطيسية داخل نفق محيطه حوالي 70 كم، حتي تصل طاقات التصادم بينها الي المستوي الذي يمكن ان يظهر عنده جسيم هيجز- في محاوله لاعاده الطاقات الهائله التي تتناسب مع درجات الحراره العاليه التي سادت في بدايه الكون.. هكذا تتم محاوله الكشف عنه، علي سرعات تعادل ٩٩.٩٩٩٩% من سرعه الضوء (والراحل «صدام» فقط هو الذي كان يفوق هذه الارقام في مجال الصدام!)..

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل