المحتوى الرئيسى

حلم الانعتاق

07/06 08:18

لم انتخب محمد مرسي ولا غير محمد مرسي، لانني لم اذهب للادلاء بصوتي في انتخابات الاعاده، فقد كان رايي ان مصر تستحق خيارا افضل من الثنائيه التي حُشِرنا فيها، لا اعتراضا علي الاشخاص بل اعتراضا علي ما يمثلونه، ومع ذلك اتمني صادقا من منطلق حبي لوطني الذي لم اختر لنفسي ولا لاولادي وطنا غيره، ان اكون مخطئا وان يكون الرئيس مرسي مفاجاه حقيقيه، لا بالخطابات الناجحه جماهيريا ورسائل الدهاء السياسي لعضو اخويه لم تكن الا سِريَّه في معظم تاريخها، بل بالجوهر التكويني للريفي المصري المتفوق الذي عرفت نموذجه في زملاء واساتذه اتوا من قراهم الفقيره بلا زاد ولا عتاد الا عقولهم حاده الذكاء، واراده التوجه نحو هدف يتناسب مع الكنز الذي يمتلكونه في جماجمهم، فيدوامون علي التفوق تلو التفوق، ويصعدون مكتسحين غيرهم من ابناء المدن، فيصيرون اساتذه جامعه وباحثين علميين مرموقين. لكن هذه المسيره المظفره نفسها لا تحتم ان يكونوا جميعا برغم مسيره تفوقهم الدراسي مبدعين، فهذه حكايه اُخري. وقد نكون في غير حاجه ماسه لهذا الاستثناء الان، فيكفي ان نظفر بمردود الذكاء واستقامه التصميم في هذا النموذج للريفي المتفوق، شرط ان يَكون نفسه، رئيسا لامه، لا ممثل لجماعه او حزب جماعه.

في هذا الموقف ساءلت نفسي واُسائلها: ما الذي يحسن بك ان تفعله؟ ووجدت ان التراشق السياسي لم يعد يلائمني، ولا يلائم الامه المنهكه المتعطشه لانتظام الاحوال، والبناء اكثر من الهدم، والحذر بلا تربص، وافتراض حسن النوايا دون التخلي عن اليقظه. فاين مكاني في ذلك؟

هذا التساؤل جعلني اعود الي طيف رؤيه لاحت لي، هي اننا نعاني من حالة عامه من تزييف الوعي، وهي نبته معوجه بزغت من تربه الفقر والقهر وعطاله الفكر التي استطالت، ومن ثم ستظل هذه النبته تنمو بتشوه ولن تطرح الا ثمارا مُرَّه. وبرغم رفضي لعوده البرلمان المنحل الذي لا يختلف علي سوء ادائه منصف محايد، الا انه لو عدنا لانتخاب برلمان جديد، فلن تاتي النتيجه، فيما اتصور، ببرلمان مختلف عن القديم المنحل، فالطوابير الاسطوريه لما سُمِّي بـ«العُرس الديموقراطي»، لم تكن كلها تنطوي علي ما يُفرح، ففي قلبها ظل وسيظل يختبئ ما يحزن، هؤلاء الذين سحقهم الفقر المدقع المقترن بالجهل، وهي كتله تصويتيه صارت هائله بعد التهديد بغرامه الخمسمائه جنيه للمتخلف عن التصويت، والانتخاب بموجب البطاقه المدنيه. وهؤلاء لا يُلامون علي اختطاف ارادتهم بالرُشا او بالشحن الطائفي او التحشيد الغوغائي. ولن تكون لهم اراده حقيقيه الا بخروجهم من ربقه هذا الفقر الماحق الذي تُقدر نسبته الشائعه باكثر من 40%.

هؤلاء رهائن «فكر الفقر» علي حد تعبير العبقري الراحل يوسف إدريس، والذين لا تحرير لهم الا برافعه نمو اقتصادي حقيقي شامل وبصير، يحوِّل كثافه كتلتهم البشريه المهدره الي طاقه انتاج وطني خلاق، ويعود عليهم بالارتقاء الي وضع انساني يستعيدون فيه عافيه اجسادهم وارواحهم ومن ثم الحريه الحقيقيه في الاختيار. وعلي الضفه الاخري، طبقا لتعبير يوسف ادريس ايضا، هناك في ثنايا تلك الطوابير الاسطوريه يربض «فقر الفكر»، الذي لا يرتبط بوضع اجتماعي ولا اقتصادي، بل يتلازم مع تشويه مزمن لطرائق التفكير بفعل الاعلام المزيف والتعليم الرديء والدعاه المتزمتين وسلوك القطيع مُغيَّب العقل ،الذي يغريه ركضه وسط الراكضين بمواصله الركض دون تبين للطريق ولا تمحيص للغايه.

اين مكاني من هذا كله؟ اسائل نفسي، في حدود معرفتي بحدودي، وما يمكن ان اقدمه بصدق ورغبه في اطار هذه الحدود، واكون مستمتعا به لعلي امتع وافيد، والاستمتاع بما يفعله المخلوق البشري حق مشروع اضافه لكونه شرطا من شروط انتاج الجمال، وانا مؤمن تماما بما ذهب اليه دوستويفسكي من ان «الجمال هو الذي سينقذ العالم»، وهي مقوله لو قلَّبناها علي اي نحو فكري او وجداني او روحي، سنجدها صحيحه. وانا مفتون بنوعين من الجمال، جمال العِلم، وجمال الادب والفن الراقيين. فلماذا لا انشغل فيما تبقي لي من عمر بهذين الجمالين؟ خاصه وان مقاربتي لكليهما احسبها مفيده في عمليه التنميه كما تاصيل الوعي النقدي؟ ثم ان ما اقدمه يمكن ان يكون من طبعتين، احداهما موجهه للقراء الذين يعنيهم النص المكتوب، والاخري مرئيه ومسموعه، تكون اوسع اتاحه لمتلقين اكثر ولو علي الموقع الإلكتروني للشروق؟ فهل تسمعني الشروق؟

هذا التفكير الذي يعن لي الان ليس بهاجس جديد، بل هو توق قديم لم ينقطع منذ استدعيت نفسي، بحكم الضروره والواجب، للتجنيد ضمن الكُتَّاب المعنيين بالشان العام والمُناهضين لتغول الاستبداد والفساد، فلطالما حلمت بلحظه اُجرِّد فيها يدي من ادوات القتال او المبارزه السياسيين التي اكرهها، واترك الماده المعرفيه تصنع ايحاءاتها بنفسها، وبلمسه من السرد الفني والتقديم الجمالي، بلا اسقاط مباشر، ولا توخٍّ لهدف معلوم، الا تحفيز الفكر والرنو الي الجمال. وهذان في النهايه سياسه، بل سياسه عليا وطويله الامد وابقي واثبت اثرا، فالشعوب التي تتحلي بهذين الحُسنيين، يصعب تزييف وعيها او اختطاف ارادتها، ناهيك عن انها تكون قادره علي الوفاء بمتطلبات التنميه التي توافر لها مكانا لائقا تحت الشمس؟

المفارقه الموجعه في هذه اللحظه التي اهم فيها بالانعطاف نحو حلمي، ان اُفاجَا بتكاثف غريب لحوادث يرتكبها من يُنسب بعضهم الي غُلاه التيار السلفي ويُنسب البعض الي ما يسمي «جماعه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».. قتل بشع لطالب الهندسه احمد حسين لانه كان يسير علي كورنيش السويس مع خطيبته، وانفجار قنبله في شقه بطوخ كان يعدها ثلاثه متطرفين، احدهم طالب طب حزنت علي شبابه وضياعه اشد الحزن، ومنتقبات يعترضن الفتيات والنساء في شوارع العاصمه ليقرعهن علي ما يلبسن، و«داعيه سلفي» متهم بالتحريض علي حرق مؤسسه ثقافيه بالمنصوره، وهذه اعرفها جيدا، وقد اقمت ندوه ثقافيه في رحابها، وهي صرح ثقافي اهلي متعدد الاهتمامات، من الكتب الي الموسيقي الي الفن التشكيلي الي السينما. ويبدو ان هذا جميعه يكرهه المتطرفون.

لقد قرات دفاعات تنسب هذه السلوكيات الجانحه جنائيا، تاره الي اجهزه امنيه مصريه وتاره الي الموساد، وتابعت تبريرات تقول بانتشار هذه الظاهره للتشويش علي وصول الدكتور مرسي الي منصب الرئيس، وسافترض ان كل ذلك صحيح وان يكن غير مقنع، وفي هذه الحال لن نكون الا مُعاينين لسطح الظاهره، فتحت هذا السطح تتكدس تحريضات مزيِّفه للوعي الديني تَخرَّص بها بعض المتطرفين ممن يُطلق عليهم «دعاه» في بعض المساجد وعلي شاشات بعض الفضائيات، وهذه التحريضات يلتقطها بعض محدودي الثقافه وملتهبي الادمغه والموتورين، ويحولونها الي «جهاد» علي طريقتهم. كما لا يُستبعَد ان تكون هناك اطراف خافيه تستغل هذه التحريضات والتخرصات لتفجير شحنات الفتنه بين ظهرانينا. وفي الحالين يتوجب ان يكون المحرِّض في موقع الاتهام.

من هنا، لابد من الرجوع لحصر ركام كل هذه التخرصات المعاديه للمجتمع وحقوق الإنسان ووضع حد قانوني وثقافي لها، ولعل هذا يوضح خطوره ما يضغط به البعض للسماح باطلاق اللحي بين افراد الشرطه وربما الجيش، والذي لن يكون الا اطلاقا للتمييز الديني والطائفي بالغ الخطوره علي الدين والدنيا وعلي سويه هذه المؤسسات الحساسه. اما الجانب الثقافي في المواجهه فمنوط في شقه الفقهي اساسا بالازهر الشريف الذي يحلم المتعصبون بالقضاء عليه، وسيكون الازهر وهو يضطلع بهذا الدور الجليل مدافعا عن وجوده المؤسسي والروحي كما عن سلامه المجتمع الذي لم يكن الا متدينا وسطيا متسامحا بطبيعته التكوينيه والتاريخيه علي السواء. اما موقف الرئيس وجماعه الإخوان وحزبها، فهو فارق بالضروره، في اي جانب سيقفون، مع وسطيه وسماحه الاسلام واحترام حقوق كل انسان علي هذه الارض، ام مع الحسابات السياسيه النفعيه؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل