مسرح الحرية في جنين: الكفاح من غير سلاح

في وسط الحوار ينزع الممثل ربيع تركمان قميصه، ويقول: "هنا، الندبه. اربع رصاصات اسرائيليه اصابتني". وفي عام 2000، عندما اندلعت الانتفاضة الثانية، كان عمر ربيع 16 عاما، وانضم الي كتائب الاقصى، وهي مجموعه مسلحه تابعه لحركه فتح. انتهج الكفاح المسلح لمده سبع سنوات: "بقيت سبع سنوات انام في الجبال وفي الطرقات". وعندما حاول جنود اسرائيليون اعتقاله، كانت اخته الصغيره تقف في خط النار لتقضي نحبها.

واليوم بات ربيع "مناضلا من اجل الحريه دون سلاح"، ويقف علي خشبه المسرح في برلين، الي جانب اربعه خريجين مسرحيين اخرين من مسرح الحرية من مدينه جنين. علي مسرح بالهاوس في برلين يقدمون عرضهم "اثناء الانتظار" – المستوحاه من مسرحيه "فى انتظار غودو" لمؤلفها صموئيل بيكيت. تقدم الفرقه عروضها العالميه في نيويورك وفنلندا وبرلين، والفضل في وجود ربيع مع الفرقه يعود لرجل هو جوليانو مير خميس.

الممثلتان تلعبان دور رجلين في مسرحيه بيكيت.

في عام 2006 اسس الممثل المعروف فرقه مسرح الحريه في جنين. جوليانو مير خميس ولد لام اسرائيليه يهوديه واب فلسطيني مسيحي. ويري الفنان في المسرح فعلا ثوريا للمقاومه السلميه، كما يري فيه املا بان الشبان الفلسطينيين يمكن ان يعبروا عن انفسهم بحريه. مواقفه هذه خلقت له اعداء من الاسرائيليين وكذلك من الفلسطينيين المحافظين، وفي الرابع من ابريل/ نيسان 2011 وامام مسرح الحريه في جنين جري اطلاق النار من قبل مجهولين علي جوليانو مير خميس.

طلابه في المسرح وقفوا مذهولين من هول الصدمه. ولكن بعد ذلك قرروا ان يهدوا معلمهم ومثلهم الاعلي مشروع التخرج: "مسرحيه بيكيت العبثيه مناسبه تماما لهذه الجريمه التي لا هدف لها"، كما يقول اودي الوني، المخرج الاسرائيلي وصديق مير خميس، والذي حل محله. مرحله التدريبات صعبه. مرارا وتكرارا تعرّض العاملون والطلاب في مسرح الحريه للاعتقال من قبل الجيش الاسرائيلي.

كما حصل مع رامي حويل. بقي شهرا كاملا معتقلا من دون تهمه، ولم يسمح له بحفظ دوره في المسرحيه. "وبسبب هذا التعسف اضطررنا لان نعطي لكل ممثل دورين في المسرحيه"، كما يقول الوني.

"لقد اخذوا حقوقنا - كلا، نحن الذين تخلينا عنها".

حوار من مسرحيه بيكيت، تتبادله باللغة العربية امراتان فلسطينيتان. هذا الحوار يعتبر بالنسبه لاودي الوني تعبيرا عن رساله قويه جدا. يتم هنا كسر العديد من المحرمات. لان صمويل بيكيت كان يمنع منعا باتا ان تلعب النساء ادوار فلاديمير وايستراغون. ولكن الثوره الكبري هي ان تقف امراتان من جنين علي الخشبه. بتول طالب (بدور ايستراغون)، ومريم ابو خالد (بدور فلاديمير)، هما اول امراتين، تقفان الي جانب الرجال علي خشبه المسرح في جنين. وبسبب ذلك تعرضتا في هذه المدينه للشتم والسب في الشارع عده مرات.

جنين هي واحده من اكثر المدن محافظه في الضفه الغربية. وفيها منعٌ للكثير مما يعتبر نوعا من "الثقافة الغربية". لذلك فان محاربه هذا النوع من "الاحتلال في العقول"، هي مهمه تلاميذ جوليانو مير خميس.

ومنذ وفاه مؤسسها، تقيم الفرقه المؤلفه من خمسه افراد في رام الله، حيث يتم تقدير قيمه الثقافه وحيث توجد فضاءات اوسع من الحريه. يريدون ان يواصلوا دراسه التمثيل والعمل علي خشبه المسرح. في رام الله حظيت مسرحيتهم "اثناء الانتظار" باحتفاء الجمهور. اما في جنين فقد عرضوها مره واحده فقط؛ وردود الفعل لم تظهر، بل تم كبحها.

الان لا يريدون العوده الي جنين. الخوف كبير جدا. فلم يتم بعد القبض علي قتله جوليانو مير خميس. "لا السلطات الاسرائيليه ولا الفلسطينيه تبذل جهدا في البحث عن الجناه. وبدلا من ذلك، تعتقل بشكل عشوائي العاملين في المسرح"، كما يقول الممثل ربيع تركمان. وقبل بضعه ايام جاء الجيش الاسرائيلي، عند منتصف الليل، واعتقل زميله نبيل الراعي من منزله ليقتادوه الي جهه مجهوله. ومازالت التهم غامضه ولا يعرف موعد اطلاق سراحه.

وهذا التعسف تحديدا، انتظار الحريه التي لا تاتي، الهم الممثلين القادمين من جنين قطعتهم المسرحيه هذه، التي جاءوا الان ليؤدوها في برلين.

ممثلون شباب من جنين علي خشبه المسرح في برلين

تدفق الجمهور في العاصمه الالمانيه لدرجه ان جميع مقاعد المسرح حجزت. ولذلك يجلس حوالي 30 زائرا علي الارض بجانب حافه المسرح. الممثل الكوميدي المعروف عدي خليفه يحييهم باللغة الألمانية: "اذا اردت ان اسافر الي برلين، فانني احجز خمسه ايام في المدينه وثلاثه في المطار. لان الاسرائيليين يفتشوني ويحققون معي طوال تلك المده". خليفه، هو واحد من فلسطينيي 48، وبالتحديد من الناصره. يعتبر جوكر الفرقه. يحل دائما محل الممثل المتغيب، الذي لا يسمح له بالمغادره. ويقول خليفه: "لدي اسرائيل مشاكل مع المسرح اكثر من لو اننا رميناهم بالحجاره"، ثم يضيف " يمكنهم ان يحاربوا ضد الحجاره، ولكن عندما يصبح الفلسطينيون في مستوي ثقافي مشابه، فانهم يخافون".