المحتوى الرئيسى

حسنى مبارك ضيفًا على زنزانتى

06/05 10:21

لانني جرّبت وكابدت عذاب السجون واعرف جيدًا طعم الحريه المفقوده وكيف تكون الحياه علي تخوم العدم وسط ابخره الزنازين الخانقه، لهذا لا اميل ولا احب بل اكره الشماته في اي انسان يُحشر في سجن مهما كانت جريمته ومقدار بشاعتها وثقلها، اذ يضحّي وهو رهين الحبس ضعيفًا هشًّا ويرتد هابطًا بحده من علياء التجبر والغرور الي تضاؤل وضعه يثيران الرثاء والشفقه.. حتي لا اقول التعاطف.

تلك مقدمه اظنها ضروريه لكي احكي للقراء الاعزاء عن خليط المشاعر التي هاجمتني وفيض الذكريات الذي تداعي الي راسي عندما قرات معلومه ان الاستاذ المخلوع حسنى مبارك يعيش منذ مساء السبت الماضي في افخم زنزانه اقمت بها في كل رحله الحبس الطويله (اربع مرات وسبعه سجون وعدد لا يُحصي من التخشيبات) التي بداتها قبل ان ابلغ عتبه العشرين عامًا.

فاما المشاعر فربما تستطيع ان تستشفها وتخمن نوعها من سطور المقدمه، لكن الذكريات اهم، ولو ان مبارك من النوع الذي يقرا اصلًا، فضلًا عن ان يكون من قراء العبد لله، لكان تسلّي في وحدته القاسيه (لن اقول اتّعظ لان موعد الاتّعاظ فات بكل اسف) بنُتَفٍ ساحكيها حالا من قصص وحكايات الزنزانه الطبيه التي هبط ضيفًا عليها من ايام قليله.. غير انني ابدا بوصف جغرافيا المبني الذي يحمل رسميا وطبقا للوحه الرخاميه المشعلقه فوق قوس بوابته الحجري اسم «مستشفي سجن مزرعه طره» بينما لم يكن له في الواقع (علي ايامي) اي علاقه بهذه الصفه التي استعادها مؤخرًا (بكلفه بلغت 4 ملايين جنيه) بمناسبه اختياره ليقضي فيه المخلوع عقوبه جرائمه.

يقع مبني المستشفي الصغير المزعوم هذا في زاويه قصيّه من سجن المزرعه تفصله عن العنبرين الرئيسيين المحشور في جوفهما دائما مئات المساجين، باحه رمليه واسعه نسبيًّا، وتبدو عمارته الايطاليه الانيقه (تذكرك بالدير الصغير الذي تحول الي مشفي حربي في فيلم «المريض الإنجليزي») غريبه تماما عن باقي مباني السجن القبيحه الرَّثَّه، وتحف بالمبني المكون من طابق واحد حديقه (او «برجوله») صغيره جدًا ابرز ما فيها تكعيبه عنب مهمله تنتصب في المنتصف تماما قباله البوابه الحديديه التي ما ان تعبرها حتي تصدمك كابه الضوء الواهن الملامس حدود الظلام والهابط بثقله علي طرقه او صاله ضيقه مربعه الشكل يطل عليها من اليمين بابان اولهما باب حجره بدت لي الدليل الوحيد اليتيم علي صدق تهمه المشفي المتهم بها المبني ذاك، فهي كانت مقر عياده اسنان معقوله التجهيز يزورها طبيب متخصص مرتين في كل اسبوع، ويجاورها مباشره باب عنبر يتسع لنحو عشرين سريرًا او اكثر قليلًا، هذا العنبر اقمت فيه لمده 6 اشهر (مجانًا لاسباب ساشرحها لاحقًا) مع مساجين اخرين كلهم من عِليه القوم وليس بينهم مريض واحد، لكني لاحظت ان نسبه كبيره من هؤلاء يتمتعون باسم ولقب «الحاج احمد».. لماذا؟ لا اعرف..!

اما علي يمين الصاله فهناك بابان اخران احدهما يفضي الي حجره مدير المستشفي الذي هو نفسه طبيبها الوحيد الدائم، وهو كان علي ايامي طبيبا متخصصا في امراض النساء، وقد نقل الي هذا السجن الرجالي علي سبيل العقاب بسبب ما شاع عن ارتكابه مخالفات اخلاقيه في سجن القناطر النسوي الذي عمل فيه فتره طويله!\nالباب التالي المجاور هو باب عنبر المستشفي الثاني والاخير، ولكي اكون منصفًا فان هذا العنبر لم يخل (عندما كنت مقيمًا هناك) من ثله مساجين غلابه كلهم مَرْضَي بامراض خطيره غير ان فئه المساجين المترفين المدلعين زاحموهم وتسببوا في اخراج بعضهم من تلك الجنه البائسه بحجه ضيق المكان.

و.. كما تري، فقد ضاق المجال وتاكلت المساحه، فاستاذنك ان اكمل باقي نُتَف الذكريات بعد غد، ان شاء الله.

اتصل بنا | شروط الاستخدام | عن الموقع

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل