المحتوى الرئيسى

جمال قطب يكتب: القول السديد أو المصلحة التي تثمرها الشورى هي تحقيق أقصى تقارب بين أكبر عدد من الشركاء حول نقاط التماس

06/01 10:30

جمال قطب ذكرنا سابقا ان الشوري فريضه مماثله لفريضتي الصلاه والزكاه، مستدلين علي ذلك بوضع القران الكريم للشوري بين هاتين الفريضتين في بيان توضيح صفات عباد الله المصلحين، حيث يقول (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَاَقَامُوا الصَّلَاهَ وَاَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).

 فالشوري قيمه اساسيه في منظومه القيم الاسلاميه، وفي نفس الوقت هي سمه من سمات الشخصيه المسلمه، ومعلم من معالم المجتمع، وركن ركين من اركان الدوله (وظيفه سلطه اساسيه)، لهذا نحاول التعرف علي حقيقه الشوري لنتعرف علي اركانها وشروطها.

ليست الشوري كما يتوهم البعض مجرد مظاهره حاشده لبعض او كل الاراء بغرض استدراجهم لتاييد وجهه معينه بما يعرض عليه من معلومات منقوصه، او ما يصطنع ويتضخم امامهم من عقبات بقصد توجيه الناس ودفعهم دفعا نحو وجهه معينه، ولو كانت تلك الوجهه في نظرنا هي الحق الصراح.

لكن الشوري في حقيقتها هي: «سعي جميع الفرقاء نحو جماعيه متوافقه تاتي من استمرار تقارب الفرقاء حول نقاط الالتقاء المتاحه توافقا او تقاطعا».

فالشوري جهد وجهاد مؤسسي لا يسعي لترجيح راي علي اخر، بل يسعي لتخليق راي جديد تلتقي عليه الاغلبيه الغالبه، وليس مجرد الاغلبيه المطلقه 51% وتؤتي الشوري اكلها كل حين باذن ربها اذا نتجت عبر ثلاثه اركان هي:

1ــ الجمع والتحليل 2ــ المقاربه والتعديل 3ــ السداد والتفعيل

الركن الاول: الجمع والتحليل هو: عمليه استدعاء وحشد لنسقين من المدخلات اولهما: حشد جميع ذوي الشان من (اــ التخصص العلمي ب ــ الاختصاص الوظيفي (العملي) جـ ــ المسئوليه السياسيه) وذلك مشروط بالمشاركه الفاعله لجميع التوجهات وتمكينها من العرض، وكذلك عدم اقصاء او عزل اي طرف، وعدم اهمال ايه رؤية مهما كان صاحبها او حجمها ولو كان كالهدهد بالنسبه لنبي الله سليمان (صلي الله عليه وسلم).

وثاني هذين النسقين: هو استدعاء وحشد جميع المقومات المباشره وغير المباشره وجميع الدراسات والاحصاءات للموارد والاليات والادوات ورصد جميع الغايات البعيده والوجهات المعروضه والمقاصد التي يهتدي بها، ولنا في رسول الله (صلي الله عليه وسلم) اسوه حسنه فقد استوعبت الشوري يوم بدر (المهاجرين والانصار) و(القاده والجنود) و(الرجال والنساء) و(الشيوخ والشباب) و(الاغنياء والفقراء) و(العرب وغير العرب) اذ سمعنا اصوات الحباب بن المنذر وسلمان الفارسي، صهيب الرومي وبلال الحبشي (رضي الله عنهم)، وفي اُحد التزم الرسول (صلي الله عليه وسلم) راي الشوري وترك رايه، وفي موقعه الخندق كان راي سلمان الفارسي هو اساس التخطيط وسر النصر، وفي البحث عن وسيله لحشد الناس للصلاه استمعت القياده لكل الاقتراحات رغم كونها اقتراحات تقليديه خاليه من الابداع ليدرك الجميع قيمه المشاركه واهميه المساهمه. بل ساهمت الاقدار الالهيه بانزال صيغه الاذان في رؤيه مناميه لرجل من غير القاده هو عبدالله بن زيد (رضي الله عنه) ليعلم الجميع ان مشاركه جميع المستويات هو شرط الوصول الي بر الامان، وهكذا فالركن الاول للشوري هو حشد (العقول ــ الرؤي ــ المعلومات)، والاستقصاء والرصد والاحاطه بالممكن، والدوافع، والمصاعب، والمانع والمستحيل، لتصوير المساله علي حقيقتها تصويرا يحدث اقصي مقاربه بين الفرقاء تحقيقا للاخوه الوطنيه والاحساس بمسئوليه المشاركه وايضا يوصلنا الي جميع مصفوفات البدائل مرتبه ترتيبا يدفع الجميع لاعاده النظر فيما يراه.

والركن الثاني للشوري: هو «المقاربه والتعديل».

واقصد به استئناف جميع الشركاء لعمليه الترجيح والاختيار بين البدائل المعروضه، وكذلك بحث امكانيه توليد بديل جديد بتلاقح وتداخل البدائل المعروضه وذلك بشرط:

< الوصول الي اعلي درجه توافق بين الشركاء من خلال تقارب الجميع حول نقاط التماس والتقاطع ولو ادي ذلك الي تدرج الانجاز، فارتفاع نسبه التوافق اولي من رجحان راي يهدر تراضي شرائح من الشركاء يمكن استقطابها بتحري التقارب معها.

وثالث اركان الشوري هو «السداد والتفعيل» والمقصود بالسداد هو اهتداء الشوري لراي سديد يسد (يغلق) الانسحاب او التشرذم، ويفتح التلاحم والتكامل، وهذا ما وصفه القران «القول السديد» وتعارف الفقهاء علي تسميته «بالمصلحه» والمصلحه شرعا تستوفي خمسه شروط هي:

1ــ راي صالح في ذاته (خالٍ من مسببات الفساد).

2ــ  مصلح لموضعه (دون آثار جانبية ضاره).

3ــ  مصالح للجميع (يحقق اعلي نسبه تصالح ولا يعزل احدا).

4ــ مصطلح عليه (مؤسس لمصطلح محدد مفهوم ومقبول يضمن استمرار التصالح).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل