المحتوى الرئيسى

"بعض حملات مقاطعة التطبيع تنم عن سذاجة سياسية عربية"

05/24 16:54

حمله اخري من حملات مناهضه التطبيع بين العرب واسرائيل تخطئ هدفها هذه المره ايضا، وتصيب الموسيقي الاسرائيلي دانيييل بارينبويم، المعروف علي الصعيد العالمي، بمواقفه الشجاعه تجاه القضيه الفلسطينيه والإحتلال الإسرائيلي للضفه الغربيه والاراضي المحتله عام 1967، تجعله في المعسكر المناهض للاحتلال ولليمين الاسرائيلي المهيمن علي السلطه منذ عقود من الزمن.

فقضيه دعوه قائد الاوركسترا وعازف البيانو الاسرائيلي الشهير، بمرافقه فرقه الديوان الغربي الشرقي للاوركسترا السيمفوني، لاحياء حفل موسيقي في دولة قطر، ضمن مهرجان "الموسيقي والحوار"، ثم التراجع عن هذه الدعوه فيما بعد، بضغط من حملات مناهضه التطبيع، تثير اسئله كثيره تتعلق بنجاعه هذه الحملات والدور الذي تؤديه في محاصره اسرائيل، والشخصيات والمؤسسات التي تختارها هدفا للمقاطعه.

فهذه الحملات، التي تثور بين حين واخر، علي خلفيه زياره اكاديمي اسرائيلي لاحدي الجامعات العربية، او مشاركه كاتب اسرائيلي في فعاليه ثقافيه يحضرها عرب في احدي العواصم او المدن غير العربيه، لم تنجح الا في حالات محدوده في منع التطبيع الاقتصادي والتجاري بين العالم العربي واسرائيل. فهذا النوع من التطبيع قائم علي قدم وساق بين الدول العربية، التي وقعت معاهدات سلام مع اسرائيل وتلك التي لم توقع بعد؛ وتعلم هذه الدول علم اليقين ان البضائع الاسرائيليه تغمر اسواقها عن طريق وسطاء ينتمون الي جنسيات اخري، ولكنها لا تحرك ساكنا.

يخلص الكاتب والناقد الادبي فخري صالح الي ان التعامل مع موسيقي اسرائيلي متعاطف مع الفلسطينيين وشكل مع الراحل ادوارد سعيد فرصه الديوان الغربي الشرقي التي انطلقت من المانيا ومن مدينه فايمار تحديدا هو شيء بلا معني، ويدل علي سذاجه سياسيه وعدم قدره علي رؤية الصراع بصورته الحقيقيه السياسيه والثقافيه

الموسيقار الاسرائيلي دانييل بارينبويم رسول سلام

لكن ما تستجيب له هذه الدول هو منع شبهه التطبيع بسحب الدعوه من موسيقي في حجم وموقف دانييل بارينبويم يحمل الجنسيه الارجنتينيه الي جانب الاسرائيليه، وقد منحه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات جواز سفر فلسطينيا كذلك، تقديرا لمواقفه من القضيه الفلسطينيه ودفاعه المستمر عن حق الفلسطينيين في اقامه دولتهم علي الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. كما ان الموسيقي الاسرائيلي ووجه بحملات مسعوره في اوساط اليمين الاسرائيلي بسبب مواقفه من القضيه الفلسطينيه، وسبق ان طالب نواب في الكنيست بضروره تجريده من جنسيته الاسرائيليه لكونه قبل ان يحمل الجنسيه الفلسطينيه، ونعتوه بانه معاد للساميه وكاره لليهود.

في المحاضره الافتتاحيه التي القاها في جامعه كولومبيا الامريكيه عام 2005 تحت عنوان "فاغنر واسرائيل وفلسطين"، احياء لذكري صديقه ادوارد سعيد، قارن بين افكار كل من هرتسل وفاغنر، وانتقد العمليات الأنتحارية الفلسطينيه، لكنه اعادها الي الاحباط السياسي لدي الاشخاص الذين يقومون بتلك العمليات او يشجعون علي القيام بها، وقال ان ما تفعله اسرائيل في الاراضي الفلسطينيه المحتله يشجع علي تزايد مشاعر اللاساميه في العالم.

من هنا تبدو حاله بارينبويم في موضوع مناهضه التطبيع غريبه بالفعل، خصوصا انه عزف وقاد اوركستراه في مدينتي رام الله وبير زيت عده مرات، ونسق بصوره سريه مع الامم المتحده ليذهب ويعزف في غزه عام 2011 مع فرقه من المتطوعين العاملين في عدد من اشهر فرق الاوركسترا السيمفوني في العالم، مسميا الفرقه "اوركسترا غزه"، حيث عزفت بعضا من اعمال موزارت. ولهذا فهو لا يبدو، من خلال نظرته الي القضيه الفلسطينيه وتعاطفه مع عذابات الشعب الفلسطيني وايمانه بضروره ايجاد حل عبقري للصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، الهدف المناسب لاثاره كل هذه الضجه حوله. لكن المبرر الوحيد لما حصل يرتكز فقط الي كون بارينبويم اسرائيلي الجنسيه.

دانييل بارينبويم مؤسس اوركسترا "الديوان الغربي الشرقي"

في كتاب "توازيات ومفارقات ضديه: محاولات استكشاف في الموسيقي والمجتمع" Parallels and Paradoxes: Explorations in Music and Society الصادر عام 2002، والذي يجمع سلسله من الحوارات والنقاشات التي جرت بين كل من الناقد والمفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد ودانييل بارينبويم، نقع علي نقاش عميق لقضايا متصله بالموسيقي وكذلك علاقه الموسيقي بالمجتمع، والرضّات الجماعيه الكبري مثل الهولوكوست ونكبه الشعب الفلسطيني 1948، والحلول الممكنه للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، والفروق القائمه بين رؤيه السياسي لقضايا السياسه والعيش اليومي ورؤيه المثقف والفنان لهذه القضايا.

وعلي الرغم من ان بارينبويم لا ينكر اسرائيليته، فقد عاش معظم حياته بعد 1948 متنقلا بين مناطق عديده في هذا العالم لكنه ظل اسرائيليا يدافع عن حق اسرائيل في الوجود. يصفه ادوارد سعيد، وبسبب قامته الشامخه كقائد اوركسترا سيمفوني وعازف بيانو مميز ادي كامل الطيف الموسيقي الكلاسيكي الغربي، بانه راسمال ثقافي اسرائيلي.

الا ان هذا الوصف لم يمنع ادوارد سعيد، الذي امن طوال حياته بضروره ان يتعلم البشر كيفيه العيش مع بعضهم بعضا رغم الاختلافات الاثنيه والدينيه والفكريه، من اقامه صداقه عميقه مع بارينبويم وتاسيس اوركسترا "الديوان الغربي الشرقي" عام 1999 بالتعاون معه بحيث ضمت هذه الاوركسترا، التي قادها بارينبويم في عواصم ومدن عديده في العالم، موسيقيين فلسطينيين وعربا واسرائيليين. وقد استمرت صداقه سعيد ـ بارينبويم الي نهايه حياه المفكر والناقد الفلسطيني البارز، واستمدت هذه الصداقه قوتها واستمراريتها من تشابه الافكار حول امكانيه التغلب علي الام الماضي من اجل بناء مستقبل مختلف، خصوصا ان بارينبويم اصر علي عزف موسيقي ريتشارد فاغنر الذي ظل وحتي هذه اللحظه يعد من التابوهات التي يحظر الاقتراب منها بعزف موسيقاه لكونه لاساميا معاديا لليهود ويمثل فكره التفوق الالماني التي الهمت هتلر والنازيين.

الموسيقي الاسرائيلي دانييل بارينبويم خلال ورشه موسيقيه في رام الله: كان من الاجدي، كما راي ادوارد سعيد، استقطاب المثقفين والشخصيات السياسيه الاسرائيليه المتعاطفه مع الفلسطينيين بدلا من استبعادها ورفض التعامل معها لمجرد كونها اسرائيليه.

لكن بارينبويم لم ير في موسيقي فاغنر ايه اشارات معاديه للساميه، كما راي ان فكره شيء وموسيقاه شيء اخر، وهو يمثل واحدا من عمالقه الموسيقيين في تاريخ الغرب كله، ومن الصعب تجاهله ومناصبته العداء بهذه الصوره الفجه الطالعه من ذاكره جماعيه مرضوضه بالالم. وقد جرّ عليه هذا الاصرار علي اداء فاغنر في اسرائيل الكثير من المتاعب، وحملات المقاطعه والاتهام باهانه مشاعر اليهود.

التخلص من ارث الماضي لكي نستطيع ان نعيش الحاضر

ينطلق ادوارد سعيد في مقاله كتبها عن بارينبويم وفاغنر، ونشرت كملحق في كتاب "توازيات ومفارقات ضديه"، لتحليل موقف بارينبويم الشجاع من اداء فاغنر في اسرائيل بدءا من عام 2001، من رؤيه تجمعه مع بارينبويم تتمثل في ضروره التخلص من ارث الماضي لكي نستطيع ان نعيش الحاضر. فضغط الماضي المربك والمهيّج للحظه الحاضر يدفع الشعوب الي البقاء اسيره هستيريا الالم الجماعي الذي يستعصي علي النسيان.

مسابقات الاغاني العربيه - استنساخ لبرامج اوروبيه؟

الموسيقي وسيله لمساعده المهاجرين علي الاندماج

مهرجان الربيع - موسيقي عالميه ومناقشه المستقبل العربي

"الو اوبرا"- الغناء الاوبرالي عبر الهاتف

"اسابيع المانيا في مصر" تعكس تنوع العلاقات الالمانيه- المصريه

ولذلك فان فصل بارينبويم بين فاغنر الانسان وفاغنر المؤلف الموسيقي هو بمثابه علاج غير مباشر لرضّه الهولوكوست ومحاوله للخروج من ذاكره الماضي بالنسبه لليهود. ويمكن القول ان ادوارد سعيد يقترح طريقا مشابهه بالنسبه للفلسطينيين لكي يتغلبوا علي الام الذاكره ويتوصلوا الي برنامج سياسي ثقافي عملي يمكنهم من فرض قضيتهم كقضيه ضمير عالمي تشبه ما حصل مع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. فادوارد يري في حملات مناهضه التطبيع عملا نافلا وجهدا ضائعا لم يؤد الي اي ربح سياسي او ثقافي بالنسبه للفلسطينيين، فقد ظلت هذه الحملات تركز علي العالم العربي ونسيت اننا نعيش في عالم اوسع وفي محيط سياسي اكثر ديناميه وتاثيرا في موضوع الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل