المحتوى الرئيسى

الكتاب الفسفورى

05/05 09:58

عندما قامت الهند باجراء تفجيرها النووي الاول عام 1998 فان الرد الباكستاني لم يتاخر.. اذ قامت بدورها باجراء تفجير عقب التجربه الهنديه باسبوع واحد.

في ذلك الوقت شهدت بعيني الفرحه العارمه والاحتفالات الصاخبه لكلا الشعبين بالانجاز العظيم، وذلك علي ارض جمعت جانبا من الشعب الهندي وجانبا اخر من الشعب الباكستاني.. هي ارض الكويت! لم يكن المرء يستطيع المرور من ساحة الصفاة بالكويت، وهي التي شهدت احتفالات الهنود بالانجاز العلمي العظيم الذي تحقق في بلادهم، فخرجوا يمرحون ويرقصون ويطلقون العنان للسعاده العارمه. وفي الاسبوع التالي مباشره كان دوار الشيراتون بنفس العاصمه الكويتيه يعج بمئات الالاف من الباكستانيين الذين اندفعوا الي الشوارع تحدوهم الفرحه الهستيريه، بعد ان استجابت بلادهم للتحدي الهندي وردت عليه سريعا فاجرت تفجيرها النووي الذي فرض توازن الرعب في وسط اسيا ومنع الهنود من ان يهنؤوا بتفجيرهم الاول الا لايام معدوده. كان المُشاهد للتظاهرات الهنديه الباكستانيه يشك في انه موجود في بومباي او لاهور، وليس ببلد عربي.. ولكن هذا هو الحال في معظم بلاد الخليج!

وقتها لم استطع ان امنع نفسي من التساؤل عن جدوي سباق التسلح الذي يضغط علي الخزينه العامه في الهند وباكستان ويحرم المواطن من اللقمه ويضطره الي السفر للعمل في الخارج في وظائف الخدم وما شابه، وكنت امضي في التساؤل عن جدوي التقدم العلمي الذي لم تتم ترجمته الي تقدم في الخدمات التي يحصل عليها المواطن، وفي مستوي معيشته، وكانت تحيرني المفارقه في ان يقوم ابناء بلد يمتلك القنبلة النووية، بما يعني امتلاكهم قاعده علميه وصناعيه جباره بالعمل بالملايين في اعمال متدنيه في بلاد لم تحرز اي تقدم علمي او انجاز تكنولوجي علي اي صعيد، هي بلادنا العربية السعيده.. تلك التي تري نفسها -رغم الوكسه- خير امه اخرجت للناس!

في ذلك الوقت اعترض تدفق تاملاتي احد الاصدقاء عندما توجه اليّ بسؤال مباشر عما يجب علي دوله اصبحت نوويه ان تفعل لاسعاد شعبها، وعما كنت اقدمه لشعبي لو انني كنت قائد احد البلدين، وهو في حاله انتشاء بالانجاز العلمي العظيم؟ في الحقيقه انني قد عجزت عن الرد، ولم افهم ماذا يعني بسؤاله، لكنه انقذني من حيرتي وتطوع بالاجابه عن الفعل الذي يتعين ان يقوم به الزعيم مستجيبا لدواعي الوضع الجديد.. قال صديقي: ان المواطن يجب ان يشعر ان الحياه بعد النووي قد اختلفت عنها قبله، ويجب ان يلمس ان تضحياته وشقاءه قد اثمرا، وان اوان الحصاد قد ان.. لو انني رئيس وزراء الهند او باكستان لقمت بدعوه شعبي كله الي العشاء من مطعم مكسيم في باريس! وسوف اطلب لهم فيليه مكسيم الشهير بالخلطه، وسيكون الحلو عباره عن سوفليه جلاسيه من «لاروش».. يتعين علي شعبي ان يذوق الطعام الفاخر، وان يعرف ان ايام الشقاء والحرمان قد ولّت بغير رجعه، والا ما قيمه النووي الذي يمكن ان يمسح الكرة الأرضية في لحظات. عندما لمس الصديق ذهولي مما يقول اشار اليّ بان انتظر، ومضي في اكمال نظريته: في اليوم الاول ستقوم اساطيل الطيران والبواخر والسفن في العالم كله بتحويل طعام العشاء من المطعم مباشره الي السكان في عششهم الصفيح، وسنقوم بتصويب صواريخنا النوويه ونجعلها مستعده للانطلاق الي العواصم الغربية، حتي تلك التي ليس لها نصيب كبير في السياسه الدوليه كالسويد وسويسرا وفنلندا.. كل هؤلاء يجب ان يحملوا الينا الطعام في تلك الليله المباركه.. في اليوم الثاني بعد ان نستقر علي «منيو» الطعام الذي سيحمله العالم لنا كل يوم نبدا في التعامل مع بيوت الازياء الراقيه ونجعل الاخوه إيف سان لوران وبيير كاردان وفرساتشي والاخت كوكو شانيل.. نجعلهم يسارعون بتوريد كل ما يطلبه شعبي من ازياء حتي يصيروا اكثر شعوب العالم اناقه.. وهكذا في باقي الامور سنحصل من الغرب علي كل ما نريد ونستمتع لعده سنوات بالحياه المخمليه الجميله حتي نمل من الترف، ثم يكون لكل حادث حديث. ومضي صديقي في نظريته: طبعا انت تظن ان هذا كلام مجانين ولا تصدق بامكانيه حدوثه، ولكن مهلا.. الم تقم القوي الاستعماريه باحتلال بلادنا ونهب المواد الخام منها لعقود طويله، استنادا الي القوه المسلحه؟ الم يقم العمال الهنود ببناء شبكه مترو لندن للانفاق بالمجان والبنادق مصوبه الي رؤوسهم؟ ان نظريتي هذه رغم غرابتها مرشحه للتفعيل والتطبيق لو ادرك القوم في الغرب ان حاكما مثلي لا يهزل، وانه سوف لا يتردد في افناء العالم وهدمه علي رؤوسهم لو انهم ترددوا او تقاعسوا للحظه في ارسال الطعام الفاخر لشعبي كل يوم.. ويمكن ايضا ان نطلب شركاتهم لتاتي وتقوم بتعمير بلادنا، وقد نسمح لعمالهم بتناول ما يفيض من طعام مائده مكسيم! عندما لمحني صديقي اضحك قال: اذا لم نفعل هذا يا رجل واكثر منه، فما قيمه السلاح النووي بالله عليك؟

ادهشتني نظريته وتركته بعد ان اكد لي انه ينوي ان يضع افكاره فور صياغتها علي شكل نظريه متكامله في كتاب ينوي تسميته «الكتاب الفسفوري» سيرا علي نهج الزعيم المشبوح معمر القذافى عندما وضع كتابا ملونا اخر هو الكتاب الاخضر!

اتصل بنا | شروط الاستخدام | عن الموقع

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل