المحتوى الرئيسى

مَنْ هو الفرنسى؟

04/16 08:02

تشتهر اللغة الفرنسية بالوضوح والدقة. غير أن المتحدثين بها يرتبكون أمام مسألة تبدو بسيطة: من الذى يمكن تعريفه بأنه فرنسى؟ وقد أثير هذا التساؤل من جديد فى أعقاب عمليات القتل فى تولوز. وليس هناك شك فى أن الجانى محمد مراح (23 عاما) نجل مواطن من أصل جزائرى. لكن هل كان مراح فرنسيا؟ أعلن أربعة من أعضاء البرلمان ينتمون إلى حزب الرئيس نيكولا ساركوزى يمين الوسط أنه من المستحيل أن يكون فرنسيا. وفى بيان مشترك أصر الأربعة أن مراح «ليس لديه أى صلة بفرنسا سوى أوراقه الثبوتية».

وترد صحيفة ليبراسيون اليومية اليسارية بأن ذلك هراء: «مراح وحش، بالتأكيد، لكنه كان وحشا فرنسيا». ويقدم أحد أصدقاء طفولة مراح توضيحا مؤثرا: «ربما تقول جوازات سفرنا إننا فرنسيون، ولكننا لا نشعر بأننا فرنسيون، فلم نكن مقبولين هنا من قبل. لا أحد يستطيع أن يبرر ما فعله، لكنه نتاج المجتمع الفرنسى، وشعوره بأنه لا يمتلك أملا وليس لديه ما يخسره. فلم يكن تنظيم القاعدة هو الذى أوجد محمد مراح، وإنما فرنسا».

وقد لمس هذان النهجان المتعارضان لما يعنيه أن تكون فرنسيا الأول متجذر فى الاستيعاب المثالى الخالص، والثانى يعتمد على الحقائق المربكة للتعددية الثقافية وترا حساسا لدى. وأثناء قراءتى لكتاب عن التنوع السياسى مع زوجتى، لم اصطدم بالنزعة الإقصائية السائدة فى باريس فحسب، ولكن أيضا بالنظرة العالمية الأكثر تسامحا التى تجسدها مدينة مارسيليا الساحلية وهى وجهة نظر عالمية ينبغى على بقية فرنسا تبنيها.

وبالنسبة للإقصائيين، فإن اختبار كون الشخص فرنسيا بسيط: هل تخليت عن أى هوية أخرى كانت لديك؟ وكما صاغها من قبل الرئيس ساركوزى فى عام 2011: «إذا أتيت إلى فرنسا، عليك أن تقبل الذوبان فى مجتمع واحد، وهو المجتمع القومى، وإن لم تكن راغبا فى قبول ذلك، فأنت غير مرحب بك فى فرنسا. لقد كنا نهتم للغاية بهوية الشخص القادم، ولا نهتم بما فيه الكفاية بشأن هوية البلد الذى يستقبله».

وهى معضلة قديمة. فمنذ أيام اليعاقبة إلى الجمهورية الخامسة اليوم، يختلف النواب البرلمانيون بشدة حول ما إذا كان يتم تحديد الجنسية بالولادة، أو بالنسب أو طول الإقامة أو الذوبان. وقد لاحظ الباحث الفرنسى باتريك ويل أن فرنسا غيرت قوانين جنسيتها «مرات أكثر وعلى نحو أكبر ممافعلته أى دولة ديمقراطية أخرى».

فكيف يصبح المرء مواطنا فى فرنسا الإقصائية؟ عبر معرفته مرجعيات فرنسا الثقافية، وأساليب حياة أهلها المعقدة، كما وصفها عام 1969 الكاتب سانشى دو جرامون: «الفرنسى ليس الشخص الذى يمتلك جواز سفر أزرق، ويتحدث لغة ديكارت، وإنما الشخص الذى يعرف من الذى حطم مزهرية سواسون، وماذا حدث لحمار بوريدا، ولماذا منح بارمنتييه اسمه لمحلات تجزئة، وكيف أنقذ تشارلز مارتل المسيحية» (المفارقة أن السيد دو جرامون غير اسمه عام 1977 إلى تيد مورجان وصار مواطنا أمريكيا).

وتبدو تأثيرات هذه العقلية الإقصائية واضحة. فلدى فرنسا اليوم أكبر أقلية إسلامية فى أوروبا، حيث تشكل نحو عشرة فى المائة من سكانها. غير أن المسلمين مازالوا شعبا منفصلا، كما سجل ذلك عام 2011، فريق عمل عينه معهد المجتمع المفتوح. ويلخص أحد الباحثين الأمر كما يلى: «فى فرنسا. يمكن أن تكون منتسبا لأى سلف، ولكن إذا كنت مواطنا فرنسيا، فلا يمكن أن تكون عربيا». وأضاف أن الهويات المتعارضة مثل العربى ـ الفرنسى «مستحيلة أيديولوجيا».

ومن ثم، هناك تناقض يشهده المرء فى مرسيليا، ثانى أكبر مدن فرنسا؛ وهو أن عدد سكانها البالغ 840 ألف نسمة، يضم نحو 240 ألف مسلم (أكثر من أى مدينة أوروبية أخرى). ومع ذلك فالمعروف أنهم موضع ترحيب. وهنا، كما قال لنا جان رواتا، وهو سياسى يمثل الوسط الراقى فى منطقة الميناء، «أنت تنتمى إلى مارسيليا قبل أن تكون فرنسيا». وفى خريف عام 2005، عندما اندلعت أعمال الشغب العرقى فى ضواحى باريس وامتدت إلى عشرات من المدن والبلدات الأخرى، كان السلام سائدا فى مارسيليا. ولاشك أنها لم تصبح بعد جنة الثقافات التعددية (المسلمين العاطلين عن العمل يشكون بحق من أنهم يعانون التمييز)، ولكن هذه المدينة الثانية مازالت مثلا يحتذى فى الترحيب بالقادمين. لماذا؟ لا شك أن الطقس الجيد والشواطئ الوفيرة تساعد فى الحفاظ على جو هادئ، ولكن السبب الرئيسى هو أنها كانت على مدى قرون نقطة جذب للمهاجرين. كما أن أقلياتها غير معزولة جغرافيا فى ضواح ولكنها تندمج فى الحياة اليومية لمارسيليا.

وبنفس القدر من الأهمية، وضع رؤساء البلديات المتعاقبة القواعد من أجل توفير وظيفة خاصة، وسكن ومكاسب سياسية للقادمين الجدد. وعلاوة على ذلك، هناك الرابطة القوية لشعبية فريقها لكرة القدم، أوليمبيك مارسيليا، الذى يضم العديد من اللاعبين من أصل أفريقى، والتأثير الإيجابى لمنتجها الثقافى الذى يمثل علامة تجارية: موسيقى الراب. وقد وصلت الراب إلى فرنسا فى الثمانينيات من القرن الماضى، وفى مارسيليا، سرعان ما يستطيع الشباب المهاجر التنفيس عن حزنه وإحباطه بالقصائد المختلطة بالعامية المحلية.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل