المحتوى الرئيسى

خواطر حول المشهد السياسى الراهن

04/13 08:03

فوجئنا جميعا بأن عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات السابق، قرر ترشيح نفسه رئيسا للجمهورية، بعد أن كان قد أعلن فى اليوم السابق مباشرة، أنه فضل عدم الترشح لعدم رضاه عن المناخ الذى يسود الانتخابات، أو شيئا من هذا القبيل.

كان وقع المفاجأة قاسيا على عدد كبير من المصريين (وأنا منهم)، إذ إن الرجل بلاشك كان جزءا مهما من النظام الذى ثار عليه المصريون فى 25 يناير. ولا يقترن اسمه، بأى حال من الأحوال، بأى خبر سار فرح به المصريون طوال الأربعة عشر عاما التى قضاها رئيسا للمخابرات وقريبا من الرئيس المخلوع. وهو فضلا عن هذا وذاك، رجل غامض جدا، سواء فيما يتعلق بأعماله أو بمظهره. لم يكن يسمع عنه المصريون إلا أنه ذهب إلى هذه الدولة أو تلك (هى فى معظم الأحوال دولة إسرائيل)، دون أن نقرأ له تصريحا أو نسمع له صوتا. نسمع فقط الأخبار تتوالى أثناء ذلك عن اعتداءات إسرائيلية على الفلسطينيين. وعندما يأتى شخص إسرائيلى أو أمريكى مهم خلال أزمة تتعلق بإسرائيل والفلسطينيين، نقرأ أنه كان من بين من عقد معه اجتماع أو جرت محادثات، دون أن يقال لنا قط ما تم فى الاجتماع والمحادثات. ظللنا سنين طوالا لا نشك فى أنه رجل مهم، دون أن نعرف ما الذى يفعله بالضبط، وهل هو معنا أم ضدنا؟ وما موقفه مثلا من توريث الحكم لابن الرئيس؟ وما علاقته بالضبط بالوريث المحتمل جمال مبارك...الخ.

أما مظهره فليس أقل غموضا. انه يضع نظارة سوداء على عينيه تحجب أى مشاعر أو تعبير يمكن أن يرتسم على وجهه. ولا أذكر أننى رأيت له صورة واحدة يبتسم فيها (وهى علامة سيئة جدا). وإذا ظهر فى التليفزيون ليقرأ خبرا عن تنحى الرئيس يقرأ الكلام من ورقة ودون أيضا أن يظهر أى تعبير عن وجهه.

هل هذا هو الرجل الذى يمكن أن يقبله الناس رئيسا، سواء بعد ثورة رائعة أو قبلها؟ هل حُكم على المصريين أن يتولى مقاليدهم دائما شخص ليس من اختيارهم؟

لابد أن عمر سليمان يدرك كل ما ذكرته حالا. فالأمر ليس من الصعب تخمينه. فلماذا أقبل إذن على هذه الخطوة؟ إن شعورى الخاص، المستمد من المنشور عنه، ومن الصورة التى يظر بها فى الحالات النادرة التى نراه فيها، هو أنه ليس من النوع الذى يسعى إلى الشهرة بل ولا حتى إلى السلطة. فما هو الدافع إذن؟ الأرجح أنه يُستخدم لتنفيذ رغبات مهمة لأشخاص آخرين. فمن هم هؤلاء الأشخاص الآخرون؟ لاحظت على الصورة المنشورة له وهو فى طريقه إلى سيارته بعد أن تقدم بطلب ترشيحه لرئاسة الجمهورية، فضلا عن تجهمه المعتاد، أنه محاط بسياج منيع من الحراس الخصوصيين الأشداء، ومن رجال الشرطة العسكرية المصممين على ألا يصاب الرجل بأى سوء. فلأى هدف يحاط الرجل بكل هذه الحماية بينما يتعرض مرشحون آخرون أكثر منه شعبية بكثير، لمختلف الاتهامات القاسية والمضحكة فى الوقت نفسه، تتعلق إما بحصول والدة المرشح على جنسية أمريكية، أو بزواج والد مرشح آخر من الممثلة اليهودية راقية إبراهيم، أو حصول مرشح ثالث على جواز سفر قطرى، أو سورى..الخ، ناهيك عن تعرض بعضهم للضرب فى الطريق العام؟

قبل واقعة ترشح عمر سليمان بأيام قليلة أعلن الإخوان المسلمون عن ترشيح رجل مدهش آخر هو خيرت الشاطر، فأثار هذا الترشيح بدوره الكثير من الشجون والقلق. إنه رجل مختلف جدا عن عمر سليمان ولكنهما مشتركان فى شىء واحد على الأقل (عدا التجهم المستمر)، وهو أن لدى كل منهما فرصة كبيرة للفوز (ربما تفوق فرصة أى مرشح آخر للرئاسة)، ليست بسبب تمتع أى منهما بشعبية كاسحة، ولكن لاستناد كل منهما لقوة تنظيمية هائلة، مستمدة إما من تنظيم عقائدى قديم ومتماسك (هو جماعة الإخوان المسلمين)، وإما من صلة المرشح بجهاز الدولة وجهاز المخابرات لسنوات طويلة قبل وقوع ثورة 25 يناير، وهى صلة لا يبدو أنها انقطعت بحدوث هذه الثورة.

على عكس الغموض المطلق الذى يحيط بالأفكار التى تدور برأس عمر سليمان، يمكن التخمين بما يدور برأس خيرت الشاطر (أو بعض ما يدور برأسه على الأقل)، بحكم معرفتنا بالأيديولوجية التى يدين بها، وتعرض بسببها للاعتقال والسجن المرة بعد الأخرى ولمدد طويلة. ولكن معرفتنا بهذه الإيديولوجية لا تكفى لبث الراحة فى نفوسنا، إذ إننا لا نعرف بالضبط ما هى التفسيرات التى سوف يتبناها خيرت الشاطر لهذه الأيديولوجية. من الممكن جدا أن نراه (إذا حدث وأصبح رئيسا للجمهورية) يتخذ مواقف أقرب لمصالح الاغنياء، أو أقرب لمصالح الفقراء. يرجح الاحتمال الأول تاريخه الرأسمالى، بينما يرجح الاحتمال الثانى حاجته إلى اكتساب شعبية لا يتمتع بها حتى الآن. كذلك فإنه من الممكن جدا أن يتخذ موقفا ترضى عنه أمريكا وإسرائيل، أو بالعكس أن يتخذ موقفا وطنيا يرضى عنه المصريون والفلسطينيون. يرجح الاحتمال الأول ما سمعناه من مقابلات لسياسيين أمريكيين كبار، وبعض التصريحات الصادرة من إسرائيل والولايات المتحدة عن عدم ممانعتهما فى مجىء شخصية مثله لمنصب رئيس الجمهورية، بينما قد يرجح الاحتمال الثانى رغبته فى اكتساب شعبيته والحصول على تأييد عدد كبير من شباب الإخوان المسلمين.

لا يمكن الشعور بالاطمئنان إذن إلى ما سوف يفعله خيرت الشاطر إذا جاء رئيسا للجمهورية، كما لا يمكن الاطمئنان لما سوف يفعله عمر سليمان. ولكن هناك سببا إضافيا للقلق فى حالة خيرت الشاطر، وهو ما عبّر عنه المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، بمناسبة ترشيح خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية، وذلك فى تصريح مدهش أعاد إلى ذهنى، بمجرد سماعه، صورة المجتمع الأوروبى فى أشد العصور الوسطى إظلاما، إذ قال المرشد العام ما معناه إنه يحذر أى شخص من توجيه أى نقد أو اساءة إلى خيرت الشاطر، إذ إن هذا الرجل (أى خيرت الشاطر) دعاؤه مستجاب، فإذا دعا الله أن يصاب من يكرهه أو يسىء إليه بمصيبة، استجاب الله له.

ما صلتنا، والحال كذلك، مع رجل كهذا؟ كيف ننتقد ما يمكن أن يطبقه الرجل من سياسات اقتصادية أو خارجية ونبين أضرارها ما دام فى قدرته أن يدعو علينا بمصيبة فيستجيب الله لدعائه؟ هذا الرجل يخيفنا بقدرات خارقة يستمدها من علاقة خاصة يُدعى بوجودها بينه وبين الله تعالى، بينما يخيفنا عمر سليمان بقدرات خارقة مستمدة من رئاسته لمدة طويلة لجهاز المخابرات الرهيب، ومن علاقته الطويلة برجال العهد السابق كله الذين مازالوا، رغم وجود قلة منهم فى السجن، يتمتعون بقدرات بوليسية ومالية كبيرة؟

هذان المرشحان المخيفان (عمر سليمان وخيرت الشاطر) يبدوان فى الوقت الحاضر أكبر المرشحين فرصة للفوز بالرئاسة. وهو شىء لا يدعو بالمرة إلى الاغتباط، إذ لا يبشر نجاح أى منهما بأن تصبح حالة مصر بعد ثورة 25 يناير أفضل مما كانت عليه قبلها. ولكن، هناك مرشحان آخران على الأقل، استطاع كل منهما أن يعبئ عددا لا «بأس به» من المؤيدين، وإن لم يكن هناك أيضا أى سبب للاعتقاد بأنه من الممكن أن تكون الأمور فى ظل أى منهما أفضل مما كانت. أقصد بهذين المرشحين: عمرو موسى وأحمد شفيق. لقد دخل الاثنان مؤخرا فى عراك كلامى ما كان أغنى كل منهما عنه، إذ لا يستطيع أيهما بأى حال أن ينكر صحة ما يوجهه إليه الآخر من اتهام. كلاهما يتهم الآخر بأنه كان من رجال العهد السابق المقربين. ولا يمكن لأحد ممن تابعوا العراك أن يقرر أيهما أسوأ: أن تكون وزيرا للطيران فى عهد مبارك، ثم رئيسا للوزراء فى عهده أيضا، أم وزيرا لخارجيته لمدة طويلة ثم تصدر تصريحا يؤيد إعادة ترشيح حسنى مبارك لفترة خامسة أو سادسة؟

عندما يقرأ المرء فى الصحف ما معناه أن كلا من عمرو موسى وأحمد شفيق يتمتع بدرجة لا بأس بها من الشعبية، لابد أن يستولى عليه العجب من درجة تدهور الحالة السياسية فى مصر بعد هذه الفترة القصيرة من قيام ثورة عظيمة.

فالمفروض مثلا أن كلا الرجلين كانا قريبين من حسنى مبارك ومن صنع السياسة فى عهده بدرجة تجعل من المؤكد أن أهدافهما وآمالهما مختلفة تماما عن أهداف الثوار وآمالهم.

فكيف يحصلان على أى تأيييد شعبى بعد قيام الثورة؟ من أين يا ترى جاءتهما كل هذه الأموال للإنفاق على الحملة الانتخابية؟ بل والسؤال الأهم: من الذى يدعمهما ويقوى قلبيهما ويمنحهما أى أمل فى الفوز؟

بقى 18 مرشحا آخر، بعد انسحاب المغنى سعد الصغير الذى قال بعد أن أعلن عن ترشيحه، أنه لم يكن يقصد إلا الهزار والدعابة، وإن كان الناس قد أخذوا ترشحه مأخذ الجد بسبب كثرة ما رأوه فى المشهد كله من أشياء يحار معها المرء فيما إذا كانت جدا أم هزلا.

من بين هؤلاء الثمانية عشر مرشحا، اسمان شهيران (حازم أبوإسماعيل وأيمن نور) لا ندرى ما إذا كانت اللجنة العليا للانتخابات ستبقى عليهما أم ستستبعدهما استنادا لأسباب قانونية شكلية كان من أسهل الأمور ضرب الصفح عنها لولا ما يشكلانه من خطر، فيما يبدو لأسماء أخرى يراد تحصينها ضد المنافسة، كما أن هناك عشرة أسماء أخرى لا يكاد يعرفها أحد، ومن ثم فلابد أن يكون لأصحابها دوافع مجهولة للدخول فى المنافسة، ولا أجد فى الحقيقة فائدة كبيرة فى محاولة اكتشاف هذه الدوافع.

لم يبق لدينا إذن بعد هذا كله إلا ستة رجال من نوع مختلف تماما. لا يمكن اعتبارهم من رجال العهد البائد، بل كانوا كلهم معارضين معروفين قبل سقوط حسنى مبارك. ليس هذا فحسب، بل إن كلا منهم يحمل مجموعة من الأفكار الواضحة فى رأسه، يؤمن بها، ويهدف إلى تطبيقها. أحدهم طبيب له تاريخ سياسى مشرف، إسلامى الولاء وذو تفسير مستنير للدين (عبدالمنعم أبوالفتوح)، وآخر قاض جليل له سجل رفيع فى الدفاع عن استقلال القضاء (هشام البسطويسى)، وفقيه إسلامى لديه أيضا تفسير مستنير للدين (سليم العوّا) ومناضل ناصرى عتيد (حمدين صباحى)، ومناضل عنيد آخر يسارى النزعة (أبوالعز الحريرى) وأخيرا محام نشط فى الدفاع عن حقوق الإنسان وعن أهداف ثورة يناير (خالد على). كلهم رجال وطنيون، وكل منهم قادر على اجتذاب أصوات تيار من التيارات السياسية السائدة فى مصر اليوم، ولكنهم، فيما أرى، لا يشكلون تهديدا خطيرا للأربعة الذين ذكرتهم فى البداية، لسبب بسيط، هو أنهم لا يستندون إلى تنظيم قوى، ولا إلى دعم مالى من الخارج، وإنما يعتمدون فى الأساس على تمتعهم باحترام واسع لدى عدد كبير من المصريين، وهو رصيد عظيم ومحترم ولكنه لا يكفى عادة، وللأسف، للنجاح فى الانتخابات.

هل يمكن حقا أن يكون هؤلاء هم كل حصيلتنا من المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية، بعد 14 شهرا من قيام ثورة عبّرت تعبيرا رائعا عن آمال معظم المصريين، وبعد ثلاثين عاما من المعاناة من حكم فاسد وفاشل؟ هل يعقل أن  تعجز ثورة كهذه عن أن تنتج رجالا ونساء جديرين بتولى هذا المنصب الرفيع، وقادرين فى الوقت نفسه على تعبئة عدد كاف من الأصوات للحصول على المنصب؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل