المحتوى الرئيسى

خالد عبيد حسين يكتب: رفاعة الطهطاوى وثورة 25 يناير

04/07 21:15

وصلت حملة نابليون، لغزو مصر فى أواخر القرن الثامن عشر الميلادى، لتجد بلداً غارقاً فى تخلف هائل ويغط فى ثبات عميق، ووصل الفارق الحضارى إلى حد أن من ماتوا من المدافعين عن مصر من المماليك فى معارك كبيرة، مقارنة بالقتلى من جيش نابليون كان ما يقارب نسبته ألف مقابل كل عسكرى فرنسى واحد، رغم شجاعة المماليك الفائقة باعتراف نابليون نفسه.

وإذا قرأت تاريخ الجبرتى إندهشت أكثر حين تعرف مثلاً أن تفسير علماء الأزهر لبعض تجارب الفرنسيين الكيميائية، لم يتعد أنه استعانة بالجن والشيطان!

انتهت حملة نابليون، بفشل عسكرى وانسحاب مهين بلا شروط على يد الإنجليز بشكل رئيسى بعد ما يزيد قليلاً على ثلاث سنوات، لكنها تركت آثاراً ضخمة وعميقة على" شعب النيل المسكين" كما سمانا نابليون.

بدأت تساؤلات تتبلور نتجت عن حيرة المصريين من هؤلاء القوم، الذين أتوا من أقاصى الدنيا وفعلوا الأعاجيب فى تلك المدة الوجيزة من عمر الزمن، تساءل المصريون عن سر التفوق الهائل لهؤلاء الناس ونظامهم وقوانينهم وفنونهم، كيف جاب هؤلاء البشر البلاد طولا وعرضا حتى باحت لهم بأسرارها؟

لم يمض وقت طويل حتى أدرك المصريون أن العلم والنهم إلى المعرفة، هو سر تلك العظمة والتفوق، علم المصريون أن لفظ عالِم يطلق أيضا على خبراء العلوم الدنيوية، وقت أن كان لفظ عالِم مرادفا فى يقينهم للفقيه فى الدين فقط، وكان تقدير الفرنسيين أن أقل من ثلث البالغين كان قادراً على القراءة، وهؤلاء لم يكونوا يقرأون إلا القرآن الكريم فقط.

بعد فترة وجيزة تسلم محمد على، زمام حكم مصر وقرر بدء نهضة شاملة للنهوض بالبلاد، ولم يجد بداً من ضرورة إيفاد بعثات تنهل من علوم الغرب لتعود وتكون أساسا لنهضة شاملة.

لم يك محمد على وحده مَن فكر فى سر تفوق الفرنجة، فقد كان هناك شيخ من شيوخ الأزهر اسمه حسن العطار، يعقد مجالسه العلمية فى ركن من أركان الأزهر الشريف، يتدارس أحوال البلاد وسبيلها للنهضة بعدما اضطلع على حضارة الفرنسيين وعلمهم، وكان من بين تلاميذه فتى أتى من أقاصى الصعيد اسمه رفاعة الطهطاوى، وجد فيه الشيخ العطار نباهة وذكاء دفعته لترشيحه ليصبح واعظ البعثة المكونة من عشرات الطلاب التى رأى محمد على إرسالها لفرنسا.

ومن مفارقات القدر أن ذلك القروى الأزهرى أصبح أهم شخص فى تلك البعثة، بل وأعتبره رائد التنوير الأول فى عصر مصر الحديث، رغم عدم تعدى مهمته الأصلية الوعظ وإقامة الشعائر الدينية!

لم يقف رفاعة الطهطاوى عند حدود الدهشة مما رأى وسمع، بل بدأ من فوره تعلم الفرنسية وأتقنها، وفى الاختبار النهائى قدم للجنة الامتحان ترجمة وافية لبعض فروع العلم الفرنسية بمختلف فروعه، شملت اثنا عشر كتابا، كما قدم لهم مخطوطة كتابه الذى سيصبح فيما بعد واحدا من أشهر كتب العربية وهو تحفته" تخليص الإبريز فى تلخيص باريز".

فى ذلك الكتاب وصف بلاد "الفرنجة" وصفاً دقيقاً بارعاً شاملاً ومتفحصا،ً لا يخلو من تعليق ووجهة نظر ذكية مقارِنة، وصف الطهطاوى فرنسا وصفا تصويرياً بديعاً بقوانينها ونظامها وعلومها وأدابها وملبسها ومشربها ومأكلها ودروبها، وخلص إلى نتائج العالِم الرصين المتأصل فى العلم.

وقف الطهطاوى على سر نهضة الفرنسين، وهو العلم وتطبيق النظام والقانون، لكن كتابه لم يخل من نقد لبعض سلوكياتهم رغم ما يغلب على الكتاب من فرط إعجاب واحترام.

عاد طهطاوى محملاً بالمعرفة والرؤية الثاقبة، فساهم مساهمة فاعلة فى نهضة وصلت بالدولة المصرية إلى أن شارفت على احتلال الأستانة ذاتها عاصمة الإمبراطورية العثمانية المهيبة.

وللأسف لا يتسع المجال هنا لتفصيل مساهمات الطهطاوى، الذى أصبح مديرا لمدرسة الترجمة، التى أصبحت بدورها المورد الأول لإطلاع المصريين على أحدث علوم الدنيا لكن فى قصة الطهطاوى لنا عبرة وأسوة فى تلك الأيام التى نتطلع فيها إلى نهضة شاملة بإتباع أساليب علمية ودفع شبابنا إلى تعليم حقيقى يكون عجلة للتقدم والرقى.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل