المحتوى الرئيسى

لماذا يخاف الصهاينة "يوريبيا"؟

03/16 01:21

رغيد الصلح

بعد أن تمكنت مارين لوبن، زعيمة “الجبهة الوطنية” الفرنسية من توفير كافة الشروط القانونية للترشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية، ازدادت التكهنات عن حظوظها في النجاح وازداد الاهتمام بالاستراتيجية الانتخابية التي تتبعها .

ولقد لاحظ مراقبون معنيون بسياسة فرنسا الشرق أوسطية والعربية، أن لوبن بذلت جهداً ملموساً في التقرب إلى الأوساط المؤيدة ل”إسرائيل” في فرنسا، وخاصة بين اليهود الفرنسيين الذين أيد معظمهم نيكولا ساركوزي في الدورة الانتخابية الماضية . فقد أعربت عن رغبتها بزيارة “إسرائيل” قبل موعد الانتخابات، وسعت إلى التقليل من أهمية قول والدها جان ماري لوبن، الرئيس السابق ومؤسس الجبهة الوطنية، إن “المحرقة هي تفصيل من تفاصيل التاريخ” .

وفي تصريح أدلت به إلى صحيفة “هاآرتس”، أكدت أن “الإسرائيليين” مخطئون في نظرتهم إلى الجبهة الوطنية، لأنها كانت دائمة “صهيونية” Zionistic بالحرف الواحد ردود الفعل الأولية، بين المؤيدون ل”إسرائيل” في فرنسا لم تكن إيجابية، ولكن مع ازدياد حظوظ لوبن في ولوج قصر الإليزيه، ومع تفاقم الاتهامات التي وجهت إلى ساركوزي بأنه تلقى مساعدات مالية من القذافي، فإن مبادرات لوبن بدأت تلقى بعض التجاوب، إذ شكل مؤيدو “إسرائيل” اتحاداً جديداً بغرض دعمها . وفي ضوء المواقف الأخيرة التي أعلنتها، وجد سفير “إسرائيل” في الأمم المتحدة أنه من المناسب الاجتماع بها خلال رحلتها التي قامت بها مؤخراً إلى الولايات المتحدة .

لئن لفتت هذه التطورات نظر المعنيين بقضايا الشرق الأوسط، فإنها لم تشكل مفاجأة كبيرة عندهم . فالعديد منهم يتابع ما يعدونه تغيراً متبادلاً، وتقارباً ولو محدود الطابع بين الحركة الصهيونية و”إسرائيل”، من جهة، وبين المنظمات والجماعات العنصرية في أوروبا والولايات المتحدة، من جهة أخرى . وتتعدد التفسيرات لهذه الظاهرة، ويأتي في مقدمتها ما يلي:

المتغيرات الاجتماعية التي طرأت على أوضاع اليهود الذين هاجروا من أوروبا الشرقية، ومن البلاد العربية إلى أوروبا الغربية . ولقد انضم قسم كبير منهم عندما حلوا في دول أوروبا الغربية إلى الفئات الشعبية المحدودة الدخل، وكان من الطبيعي في هذه الحالة أن يعبّروا عن حاجاتهم وتطلعاتهم من خلال اليسار الأوروبي . ولم يجد هؤلاء مشكلة في تأييد “إسرائيل” لأن حزب العمل “الإسرائيلي” كان يحكمها . ولكن بعد أن استقر هؤلاء في دول الاغتراب واكتسبوا الجنسية، تمكن فريق واسع منهم من صعود السلم الاجتماعي، ومن الانضمام إلى الطبقة الوسطى أو إلى الطبقات الثرية . في ضوء هذا التطور، بدت أحزاب الوسط واليمين أقرب إلى التعبير عن مصالح هذا الفريق الأخير . وكما حصل في السابق، فإن صعود أحزاب اليمين في “إسرائيل” سهل على مؤيدي الوسط واليمين في أوروبا الغربية تأييد حكومات حزب ليكود وغيره من الأحزاب اليمينية في “إسرائيل” .

إن اليسار وبعض الأحزاب الليبرالية والوسطية الأوروبية، وخاصة بعد تراجع حزب العمل في “إسرائيل”، أخذت تراجع موقفها التقليدي تجاه مسألة الصراع العربي “الإسرائيلي”، باتجاه تأييد الفلسطينيين والتعاون مع منظمة التحرير الفلسطينية . ولقد عبّر توني بلير رئيس الحكومة البريطانية الأسبق، عن شعور الإحباط الذي أصاب الصهاينة مثله هو شخصياً الذين تمسكوا بعضويتهم في أحزاب اليسار مثل حزب العمال البريطاني، إذ قال إنهم “باتوا يشعرون بالخجل بسبب صداقتهم ل”إسرائيل” ودعمهم لها” .

الخوف من هيمنة العرب والإسلام على أوروبا، ولقد أمطر العالم الأطلسي بسيل من المادة الإعلامية التي تحذر الأطلسيين من هذا الخطر المحدق بأوروبا على الأقل . في هذا السياق، وضعت الكاتبة المصرية الأصل جيزيل وايتمان، والتي اتخذت لنفسها اسم “بات يائور”، كتاب “يوريبيا” الذي ادعت فيه أن القارة الأوروبية تسير على طريق التعريب، وأن الحوار العربي الأوروبي كان جزءاً من استراتيجية ماكرة رمت إلى إمساك العرب بمواقع النفود والسلطة في أوروبا، ومن ثم تحويلهم إلى ذميين في عهدة العرب والمسلمين . وفي السياق نفسه، وضع الكاتب الكندي المولد مارك ستاين كتاباً عام 2006 بعنوان “أمريكا وحدها: نهاية العالم كما نعرفه”، الذي ركز على الخطر الديمغرافي العربي والإسلامي على العالم، وعلى الغرب بصورة خاصة . إلى جانب ذلك نشطت مؤسسات إعلامية مؤيدة ل”إسرائيل”، وتملك نفوذاً كبيراً في العالم الأطلسي، مثل “نيوز إنترناشيونال” في الترويج لموجة متفاقمة من “الآرابوفوبيا” في المجتمعات الأطلسية .

هناك الكثير من الملاحظات على هذه التفسيرات وخاصة على التفسير الأخير الذي يقوم على التهويل والكذب والمبالغة . فبحسب دراسات حديثة أعدت عن عدد العرب في القارة الأوروبية، يتبين أنهم لا يزيدون على الخمسة ملايين، وأن عددهم في فرنسا لا يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف المليون، بينما لا يزيد في كل من ألمانيا وبريطانيا عن النصف مليون . فضلاً عن ذلك، فإنه ليس عند العرب أي شيء يقدمونه للاعتذار عن تكاثرهم الديمغرافي الطبيعي، سواء جاء عن طريق الهجرة الشرعية أو عن طريق التكاثر الإنجابي .

ما عدا ذلك يبقى أن السبب الأهم لتخوف الصهاينة في المجتمعات الأطلسية هو ليس تعريب هذه المجتمعات، ولكن اندماج العرب فيها وتحولهم من كم مهمل من سكانها، إلى عنصر فاعل في نسيجها الاجتماعي والسياسي، وإلى عامل مرجح في الانتخابات العامة يحرص المرشحون والأحزاب والجماعات السياسية على كسب تأييده . هذا المتغير لن يؤثر في هوية الأمريكيين والأوروبيين ولن يعرّب أوروبا، ولكنه سوف يحد من انحياز الولايات المتحدة وأوروبا إلى جانب “إسرائيل” في الصراع العربي “الإسرائيلي”، وذلك لمصلحة الأمريكيين والأوروبيين والعرب، وفي نهاية المطاف اليهود أنفسهم، وهذا هو السبب الحقيقي لخوف الصهاينة من تزايد عدد العرب في أوروبا .

* نقلا عن "الخليج" الإماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل