المحتوى الرئيسى

(قلمى وألمى) .. وجوه من سوريا الثورة

03/09 13:08

«لا أعرف متى سيسقط النظام السورى»، لكننى كنت أقول لهم فى سيارة المخابرات بينما يرحلوننى «أنتم سبب سقوط نظامكم، لأنكم تطردوننى سيسقط النظام.. لم أكن أعنى أننى قضية كونية تتوقف عليها مصائر الدنيا. لكننى نموذج.. عن قلم وألم سورى» ــ كلمات لصحفية لبنانية، فى مقتبل العمر، مواليد 1989، قررت أن تقضى مائة يوم فى سوريا الثورة، لتنقل لنا صورة أعمق من تلك التى نراها فى من تسريبات الانترنت عن التظاهرات والمذابح، صورة تحمل ملامح المواطن السورى على اختلاف توجهاته ومعتقداته، بين دفتى كتاب جمع اللغة الصحفية المهنية مع بلاغة الأديبة الشابة، غدى فرنسيس، تحت عنوان «قلمى وألمى».

 

لا تنكر غدى فرنسيس أنها كانت من «محبى» الرئيس السورى قبل الثورة، بل وتعتبر نفسها من «جيل بشار الأسد» إلا أنها تجردت من كل تحيزاتها عندما قررت أن تكتب عن الثورة السورية، أو هكذا أدعت، إذ اعتبرت أن «أى حكم مسبق يظلم سوريا وأبناءها مهما كان اتجاهه وحرصه وصدقه، وعلى كل من يريد ان يعطى رأيه بالأزمة السورية أن يزور درعا ودوما وتلبيسة ودمشق أولا ثم الخروج بحكم. سوريا ليست مصر».

 

لذا سترى فى سياق تحليلها لمجتمع سوريا الثورة لوحة فسيفسائية تحمل تعليقات من توجهات وتيارات شتى داخل، فهناك من يؤيد الرئيس إلى حد الهوس، مثل موظفة فى وزارة الثقافة السورية تقول «نحن لا نحب الرئيس فقط، نعبده عبادة، لأنه أعطانا كرامة أن نكون آخر وطن عربى يحارب إسرائيل»، وآخرين كأميرة أبوالحسن، شاعرة شابة ترفض «أى رأى داعم للنظام من أينما أتى فبرأيها عندما تكون الدماء فى الأرض لا يحق لأحد ألا يتضامن»، وشادى، المناضل العشرينى الذى «يمارس لعبة اللقيطة مع قوات الأمن منذ عام 2007»، ويعتبر الثورة مسألة «كرامة» فهو «يتكلم بنبرة واضحة قاسية من قلب دمشق وعلى مسمع الجميع أريد كرامتى. أريد أن يجرد الأمن من أخذنى إلى السجن اعتباطيا كلما أراد».

 

بل وتنقل فرنسيس صورة الاستقطاب على الانترنت بين مجموعة معارضة أطلقت على نفسها اسم «المندسون» تثابر على السخرية من كل روايات النظام والإعلام السورى واتهام شباب الطرف الآخر بأنهم مخابراتيون، ومجموعة موالية أطلقت على نفسها اسم «الله سوريا والأسد حاميها». تثابر على تخوين كل من يقول لا. ومبادرة ثالثة تصالحية لشباب اللاذقية على فيس بوك تحت عنوان «اللاذقية بتجمعنا».

 

وبغض النظر عن حالة الانقسام داخل المجتمع السورى، فالمؤكد أن سوريا هذه الأيام تتغير «فى المقاهى والصحف والشوارع علا سقف الكلام والمطالب وحتى الشتائم، الأمر الذى كان غائبا كليا عن سوريا منذ بضعة أشهر.. لم يعتد السورى طرح الأسئلة الكبرى»، وهو الزخم الذى خلقته «حركة شعبية أشعلها قمع دام سنوات، ابتدأت فى المناطق البعيدة حيث المحافظ المستبد والأمن الخانق» كما تنقل فرنسيس على لسان أستاذ فلسفة سورى، الذى يؤكد «لا أحد يستطيع أن يقف فى وجه التاريخ».

 

إلا أن معضلة الثورة السورية لا تقتصر على الانقسام بين المتطلعين للتغيير، والموالين للأسد بحكم العاطفة القومية أو المصلحة، ولكن هناك من يشعر بالقلق من تصاعد النبرة الطائفية بين شرائح من الثوار، خاصة أن السوريون ينظرون للتجربة الديمقراطية بعين التجربة اللبنانية، حيث يقول منذر مصرى، شاعر ورسام ثائر «إذا مددت رأسى لأنظر إلى الحراك لا أجد لنفسى مكانا، كنا ننتظر أن يتطور الحراك بما يجمع الشعب السورى بمكوناته لكنه اتخذ دربا آخر.. نتيجة العنف لا نجد مكانا... لبنان المثل، السياسة فيه ولدت الطائفية، وهنا أيضا حين يبدأ الموضوع السياسى تظهر الطائفية. الناس يعيشون معا ولم يكن هناك فرز فى ما بينهم من قبل».

 

ويجمع مشهد الثورة السورية «إخوانجيون بعضهم يريد إسقاط النظام والبعض الآخر يريد تسوية تجعله شريكا فى الحكم» و«سلفيون يريدون إسقاط الحكم العلوى»، ومسيرة مؤيدة للأسد «تحمل صليبا مع صورة الرئيس فى دمشق» وعماد يصرخ فى وجه تظاهرة تأييد «أنزلوا الصليب».

 

وتفسر فرنسيس ارتفاع صوت الطائفية فى المشهد السورى بأن «ألم المعارضة الوطنية الأكبر هو أنها لم تترك لتعمل على تحسين دولتها لمدة خمسين عاما، فوصلت إلى يوم أصبح فيه المعارض الذى يصرخ فى الشارع هو الجهادى المذهبى ومن لا يملك أفقا سياسيا».

 

وبحسب التقديرات التى تعرضها فرنسيس ينقسم الإسلام السورى إلى ثلاث شرائح «إسلام المدينة» بحوالى 25% من سوريا وهو إسلام معتدل، و«إسلام العشائر» بحوالى 50% وهو مزيج بين عادات وتقاليد وموروثات حضارية اجتماعية ودينية و«إسلام الأرياف» بنسبة 25% وهى الشريحة التى يظهر فيها التيار السلفى المتشدد، وتصاعد دور ممثلى الطوائف فى الحراك السورى، دفع شاب جامعى إلى التزام الحياد تجاه الثورة، صنفته فرنسيس ضمن «الأغلبية الصامتة»، حيث يتساءل «لما الاستماع إلى من يملك القواعد الشعبية فقط؟ لما لا يعطى المفكرون المعارضون مكانا لإيجاد الحل.. لا شيوخ العشائر والقبائل والطوائف؟».

 

فيما يندفع قطاع آخر من المجتمع السورى متعطشا للتغيير، واثقا من أن الثورة ستسمو على كل العقبات الطائفية، وسترسم ملامح مجتمع جديد حرا وموحدا، كشاب من درعا، التى أطلقت الشرارة الأولى للثورة، يقول «لا أعرف الحرية التى أريدها لكننى أعرف أننى لست حرا.. ربما لم نبدأ بحركة واعية لها إطار جامع لأننا بدأنا من غضب لكننا يوما بعد يوم نعى حريتنا أكثر بالحوار ولوأد الفتنة وحفظ الأرواح. ولا مكان للمؤامرة بيننا».

Comments

عاجل