المحتوى الرئيسى

تكاثر المرشحون على خراش !

03/08 11:11

خراش هذا أعرابي خرج ومعه قوسه وجعبة سهامه ليصطاد ظبيا – أي غزالا - سمينا ، وكمن في انتظار الصيد ، إلى أن لاح له ظبي فوضع سهما في القوس وأراد التصويب عليه ، وعندئذ ظهر له ظبي آخر أسمن فحول قوسه إليه ، ثم فوجيء بظبي ثالث أحسن من سابقيه ، فتحول إليه ،

وهكذا تكاثرت الظباء على خراش وصار في حيرة من أمره ، إلى أن انتهى الأمر بأن فرت منه الظباء كلها ، فعاد خائبا ، فلا هو قعد وأراح نفسه ، ولا هو رجع بأي شيء !

وهذه القصة ذهبت مثلا من أمثال العرب ، تضرب فيمن كثرت الخيارات أمامه ولم يعد يستطيع اتخاذ قرار ، ويلخصها بيت شعر شهير وطريف هو :

تكاثرت الظباء على خراش               فما يدري خراش ما يصيد !

وخراش الآن هو شعب مصر جميعا ، لا يكاد يمر يوم إلا ويعلن شخص ما ، من المشهورين والمغمورين على السواء ، اعتزامه الترشح لمنصب رئيس الجمهورية !

وحتى لا يسيء أحد فهمنا ، فنحن بالطبع لا نصادر حق أحد ، كائنا ما كان ، في أن يرشح نفسه رئيسا مادام مصريا وتنطبق عليه الشروط الدستورية والقانونية ،ولكننا كنا نتوقع ممن يتصدر لهذا الأمر الجلل الخطير أن يتعامل معه بما يستحقه من شعور عظيم بالمسئولية ، فلا يكفي أن تنطبق على أحد ما الشروط  القانونية ، بل لابد أن يكون قد فكر مليون مرة قبل أن يبادر بهذا الإعلان الخطير ويتيقن أنه هو بالذات أفضل من غيره ، بحيث يكون مقصرا أمام الله تعالى وأمام المصريين وسيحاسب حسابا عسيرا إذا لم يتصدر لهذه المسئولية.

فهل تشعرون بالله عليكم في كثير من المرشحين أنهم فكروا بهذه الطريقة ، أم أنكم تحسون أن كثيرا منهم يعلن ترشحه بينما سيرته وشخصيته وماضيه وسنه وصحته ومسيرته كلها تدل على أنه يستعد لمباراة جولف في النادي ، أو لعشرتين طاولة على القهوة ، وليس لحكم شعب مصر العظيم ، بكل تاريخه وجغرافيته ، وبالذات في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها ، وبتعقيداتها الرهيبة وربما غير المسبوقة ، أو بتشابكات الأوضاع الداخلية والخارجية ، وصراع القوى ونقاط النفوذ ، وتربص الجميع بالجميع ؟!

وهل لا تتوجسون معي أن بعضهم "مدفوع" أو "مزقوق" للترشح لتفتيت الأصوات ضد آخرين بعينهم ، وأن بعضهم "مدعوم" بقوة من قوى معينة "لتمرير" الفترة القادمة بطريقة معينة ؟! بل ، وأن بعضهم نازل انتخابات الرئاسة عشان يتسلى ويسلي حبايبه ويفرح العيال بس !

ثم ما هذا الهجوم الرهيب علينا من فئة السبعينيين والثمانينين للترشح لرئاسة مصر ، وكأن المصريين ليس فيهم شباب واعدون بالملايين ، وهم الذين لم يفيقوا بعد من حكم ذلك العجوز الذي جثم على أنفاسهم وهو في سن 53 ولم يتركهم حتى وهو في سن 83 إلا بطلوع الروح وبثورة شعبية عارمة نزل فيها الشعب كله تقريبا وكان الشعب مستعدا أن يمشي هو ويترك له البلد إذا أصر على البقاء ؟!

وهو ما جعلني أكتب "تغريدة" على صفحتي بموقع تويتر منذ أيام أقول فيها ، بعد أن فاض الكيل من طابور العواجيز المتعطشين للرئاسة فجأة على كبر :

بالنظر إلى أعمار الساسة عندنا ، ومعظم مرشحي الرئاسة ، وأعمارهم في أوروبا والدول المتقدمة ، أشعر أنهم مشغلين فيلم "انتصار الشباب" ونحن مشغلين فيلم "جدو حبيبي" !   

وكنا نفضل أن نكتب فكرتنا هذه دون أن نتعرض لأسماء ، حتى لا يظن أحد أننا مع شخص بعينه ضد الآخرين ، فكاتب هذه السطور ، مع كونه محسوبا على من يسمون "النخبة" بحكم كونه كاتبا وباحثا وصحفيا ، لم يكون رأيه بعد فيمن يمكن أن ينتخب  رئيسا للجمهورية ، ولديه تحفظات على جميع المرشحين تقريبا ، فهو حتى الآن نموذج حي وصارخ لشخصية الأخ خراش المذكور! ويعتقد أنه بذلك ينضم مع ملايين آخرين لنادي أتباع خراش . لكن لابد مما ليس منه بد ، إذ لن تتضح الفكرة الخراشية إلا بذكر أمثلة ل"الظباء" التي تكاثرت على المواطن الخراشي !

كلنا تعودنا على أسماء مرشحين بعينهم ، لأنهم والحق يقال طرحوا أنفسهم من فترة طويلة نسبيا ، وبعضهم حتى أعلن ذلك خلال حكم المخلوع نفسه. فلدينا مثلا – وباستثناء الدكتور محمد البرادعي لانسحابه من فترة ، اللهم إلا إذا غير رأيه فجأة – ومع حفظ الألقاب ، وبترتيب عشوائي ، كلا من :

عبد المنعم أبو الفتوح

حمدين صباحي

عبد الله الأشعل

عمرو موسى

أحمد شفيق

حازم صلاح أبو إسماعيل

سليم العوا

بثينة كامل

هشام بسطاويسي

أيمن نور

حسام خير الله

والآن ومنذ فترة قصيرة ، انضم للسباق كل من :

سامح عاشور

محمود الشريف

ممدوح قطب

توفيق عكاشة

مرتضى منصور

يحيى حسين عبد الهادي

خالد علي

منصور حسن

أبو العز الحريري

المستشار حسام الغرياني

ه

وربما آخرين أيضا لأنه من كثرة الأسماء من الطبيعي أن يسقط بعضها من الذاكرة ، وطبعا كل هذا ناهيك عن طرح اسم د. نبيل العربي من فترة كمرشح توافقي ، قبل أن يقضى على الفكرة بالفشل. وإن كان طرح اسم المستشار الغرياني من يوم أو يومين جاء أيضا في سياق مشابه ، وهو اتفاق الإخوان والسلفيين عليه ، بما يعيدنا مرة أخرى إلى مربع المرشح "التوافقي" ، ليس بمعنى "توافق" الشعب عليه ، ولا حتى كل القوى السياسية ، ولكن فقط الإخوة "الإخوان" والإخوة "السلفيين" ، وغالبا والله أعلم ، الإخوة "المجلسيين" أي أعضاء المجلس العسكري. ولا يهم رأي الشعب نفسه كما يبدو ، مادام من يعنيهم الأمر يعتبرون الشعب قاصرا ويحتاج إلى وصايتهم ، لأنهم يعرفون مصلحته أفضل منه !

والآن كيف يمكن للشعب المصري المسكين وسط هذا الزحام في المرشحين وهذا الصداع في وسائل الإعلام وبرامج التوك شو وهذه الغيوم الرهيبة في المشهد السياسي أن يكون رأيا مستقلا ناضجا ، خاليا من الشكوك والهواجس ، وقائما على الاختيار الموضوعي بعيدا عن الشخصنة والخيال والأوهام وأساطير البطل الشعبي  المنقذ والقادر على كل شيء مثل أبو زيد الهلالي ، بحيث يعطي صوته وهو مقتنع مائة في المائة ؟

وهنا أتذكر بيتا آخر من الشعر ربما تكون له علاقة بموضوعنا ، وهو :

وكل يدعي وصلا بليلى                 وليلى لا تقر لهم بذاكا

فكل المرشحين يقولون كلاما جميلا ويعدون بوعود براقة ويؤكدون حبهم لليلى التي هي هنا مصر ، فهل تصدقهم ليلى ؟!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل