المحتوى الرئيسى

العراقى وابن رشد

03/06 09:41

كتب مفكرنا الراحل الدكتور عاطف العراقى عن عدد كبير من الفلاسفة العرب، والمفكرين القدامى والمعاصرين، مثل ابن سينا، وابن حزم، وابن طفيل، ومحمد عبده، ومحمد إقبال، وغيرهم لكنه توقف طويلا عند عميد الفلسفة العقلية فى تراثنا الفكرى، الفيلسوف ابن رشد (520 – 595 هـ)،فقد رأى أن فلسفته تعد تعبيرا عن ثورة العقل وانتصاره.

إذ اتفقا على أن العقل وحده هو الدليل والمرشد، وهذا من أهم خصائص الفكر الفلسفى. كما اشتركا فى حسهما النقدى، أو منهجهما النقدى، فالفكر الفلسفى لا بد أن يقوم على أساس النقد الموضوعى لفلسفات السابقين وأطروحات المعاصرين، فالمفكر ليس مجرد تابع لآراء آخرين.

وكذلك جمعهما الإيمان بالبرهان العقلى، والذى يعد -عندهما- أسمى صور الأدلة. واعتقدا بضرورة تأويل ظاهر النص الدينى حين يتعارض مع العقل. ومن ثم كانا من دعاة الاجتهاد والتجديد والتنوير.

وقد امتاز ابن رشد بنظرته الواسعة المتفتحة، وتجلى ذلك من خلال دعوته إلى الانفتاح على أفكار الأمم الأخرى، ووجوب الإقبال على علومهم، وقد استفاد ابن رشد من فلاسفة اليونان وفلاسفة العرب فى المشرق والمغرب، وهذه ذاتها دعوة أسـتاذنا لنا -كعالم عربى- للانفتاح على العلوم المتقدمة والثقافات العالمية، حتى نلحق بركب الحضارة الحديثة المنطلق بسرعة تزيد يوما بعد آخر.

ويؤكد لنا العراقى أن تقدم أوروبا حدث حين اتخذت من تعاليم ابن رشد وفلسفته نموذجا لها، وقامت فيها حركة رشدية قوية، تدعو لمنهج ابن رشد وفكره، بينما نحن -العرب- أهملناه تماما، ورفضنا فلسفته العقلية، ولجأنا إلى جماعات الجمود الفكرى واللا معقول والخرافة، وتفرغنا للهجوم على الحضارة الغربية!

وقد كان الفيلسوف ابن رشد فقيها، وعالما من علماء الدين، وتقلد منصب قاضى القضاة، ومع ذلك كان يرى أن الإسلام ليس فيه ما يسمى برجل الدين، وكان يدعونا إلى الأخذ بالعلم وأسبابه. ومن ثم يؤكد أستاذنا ضرورة الاهتمام بدراسة تراث ابن رشد آخر فلاسفة العرب وأعظمهم. إذ «يكفى فيلسوفنا فخرا أن فلسفته لم تكن محصورة فى نطاق العلاقة بين الدين والفلسفة، وكأنه أدرك أنه يجب النظر إلى الفكر الفلسفى فى حد ذاته، بصرف النظر عن اقتراب هذا الفكر أو ابتعاده عن موضوع العلاقة بين الدين والفلسفة». إذ إن خصائص الفكر الدينى تختلف تماما عن خصائص الفكر الفلسفى. ومن ثم كانت دعوة مفكرنا لاستخدام مصطلح «الفلسفة العربية» بدلا من مصطلح «الفلسفة الإسلامية» حتى لا يحدث خلط بين مفاهيم فلسفية حرة، ومفاهيم دينية مقيدة بنصوص مقدسة.

وعندما شاهد العراقى فيلم «المصير»، قال: «لم نجد إلا فيلما يتضمن أكبر الإساءة إلى فيلسوف التنوير ابن رشد». فلا ثمة التزام بالحقائق التاريخية المعروفة، ولا الحقائق الفلسفية الثابتة.

وكما تعرض ابن رشد لمحاكمة ظالمة وأحرقت كتبه ونفى، كذلك تعرض العراقى للوقوف كمتهم أمام محاكمة جنايات المنصورة بسـبب آرائه عن فلسفة ابن رشد!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل