المحتوى الرئيسى

مكعب روبيك المصرى

02/28 10:18

مكعب روبيك هو مجسم له ستة أوجه مختلفة الألوان. كل منها على شكل مربع بداخله تسعة مكعبات صغيرة تدور حول محاور يتعامد بعضها مع بعض بما يسمح باختلاطها فى كل الأوجه بعد إدارتها عشوائيا لعدة مرات متتالية. معضلة ذلك المكعب تكمن فى صعوبة إعادته إلى صورته المتجانسة. هل تشعر مثلى بأن الحالة المصرية تشبه مكعب روبيك إلى حد بعيد؟ ألا توافقنى أن العسكر والتيارات الإسلامية والقوى الديمقراطية المدنية، يتخاطفونه كلهم ويديرون محاوره فى اتجاهات مختلفة تتناسب مع تصورات كل فريق منهم عن طريقة الحل، زاعما أنه الوحيد القادر على فك شفرته المعقدة؟! يحدث ذلك بينما إدارتهم العشوائية لمحاوره فى حقيقة الأمر تلغى أى إمكانية للوصول به إلى حالته متجانسة الألوان التى يفترض أنها تمثل الصورة المثالية للوطن الذى نتمناه. تلك الصورة التى لم يكن عليها فى أى وقت طوال تاريخه القديم والحديث! ذلك بافتراض أن أوجه هذا المكعب تمثل: العدالة، والديمقراطية، والحرية، والتقدم، والمواطنة، والاكتفاء. ما رأيكم فى أن نحاول تفسير الأزمة الراهنة التى وصلنا إليها والتى ربما يساعدنا فهم تفاصيلها على محاولة فك شفرة ذلك المكعب.

كلنا نعرف أن المؤسسة العسكرية كانت ترغب فى التمتع بوضع خاص فى الدستور الجديد وقد جاهرت بذلك صراحة فى وثيقة الدكتور علِى السلمى لأنها كانت تراهن على انبهار النخبة المصرية بالتجربة التركية، ومحاولتها للعمل على استنساخها لدينا. لكن سارت الأمور على غير هوى العسكر وأعلنت كل القوى السياسية بلا استثناء رفضها وثيقة السلمى، رغم أن التيارات الليبرالية واليسارية، وكل مؤسسات المجتمع المدنى وجمعيات حقوق الإنسان المؤيدة للدولة المدنية كان بإمكانها أن تتخذ موقفا براجماتيا بالموافقة على مطالب المؤسسة العسكرية، شريطة أن يتم النص صراحة فى الدستور الجديد على حماية الجيش للنظام الجمهورى وقيم الدولة المدنية بما يضمن استمرار تداول السلطة ديمقراطيا. بالفعل كان يمكنهم الموافقة على تلك المقايضة التى كانت ستدفع حتما بالأمور إلى صدام مبكر بين العسكر والتيارات الإسلامية، ويميل البعض إلى الاعتقاد بأن العسكر كانوا يتأهبون لذلك الصدام لاتخاذه ذريعة لإلغاء الانتخابات البرلمانية على اعتبار أنهم كانوا يراهنون على أن وضع الجيش كحارس لمدنية الدولة على غرار النموذج التركى هو مطلب تسعى إليه القوى العلمانية فى مواجهة التيارات الإسلامية التى لا تخفى سعيها نحو دولة الخلافة وتطبيق الحدود وخنق الحريات، بل وتحريم الديمقراطية ذاتها بما يؤدى حتما إلى إفساد الحياة السياسية، ووقوع الوطن رهينة لديكتاتورية جديدة. تبعا لذلك السيناريو كان الرفض مفاجأة لم يتوقعها الجنرالات، أطاحت بحساباتهم، وأدت إلى تورطهم فى ما بعد فى موقعة «محمد محمود» وأحداث «مجلس الوزراء». المفارقة المثيرة هى: أن التيارات العلمانية التى يصِمها دائما خصومها من الإخوان والسلفيين بأنها «لا دينية» وانحلالية وإلحادية، لكى يفقدوها مصداقيتها الأخلاقية لدى رجل الشارع، هى نفسها التى اتخذت موقفا أخلاقيا مبدئيا برفضها الوثيقة! رغم أن موافقتها عليها كانت ستعجل بالصدام بين العسكر والتيارات الإسلامية، التى تمثل حماية الجيش لمدنية الجمهورية إجهاضا لأحلامها فى دولة الخلافة! حدث هذا بينما أثبتت كل المواقف التالية لذلك والسابقة أيضا أن تيارات الإسلام السياسى كانت دائما ما تتخذ موقفا انتهازيا براجماتيا يتنافى مع ما ترفعه من لافتات بالتزاماتها الأخلاقية. تُرى هل جاء قرار العسكر بتبنى النموذج الباكستانى ردا على رفض النخبة العلمانية سيناريو دولة مدنية تضمن المؤسسة العسكرية استمرارها؟ أم أنهم كانوا يبيعون ذلك الوهم بينما تتطلع عيونهم فى حقيقة الأمر إلى إقصاء الجميع والاستئثار بالكعكة بأكملها؟ أسئلة كثيرة ستجيب عنها الأيام القادمة، خصوصا بعد أن ظهرت بوادر قبول الطعون الدستورية فى شرعية الانتخابات البرلمانية. يرى البعض أن رفض القوى المدنية تلك المقايضة أهدر محاولة واعدة لحل مشكلة مكعب روبيك المصرى، الذى تكمن الصعوبة فى استحالة استعادة أوجهه لألوانها تباعا واحدا بعد الآخر بمعزل عن الباقية. بل يكمن الحل كما تعرفون فى استعادتها كلها معا بطريقة منهجية مركبة. تاريخ البشرية أثبت إمكانية حل شفرة مكعب روبيك حتى وإن بهتت ألوانه بعض الشىء خلال عملية إدارة صفوف مكعباته الصغيرة وكثرة احتكاكها واصطدام بعضها ببعض! فى نهاية الأمر كل شىء له ثمن، وكل فشل قد يقود إلى نجاح. كل محاولات الآخرين التى أسفرت عن فك شفرة مكعبهم الخاص كانت تبدو لمن ينظر إليها بلا فهم وكأنها محاولات لهدم بعض الأوجه التى اكتملت ألوانها! رغم أن تركهم لها على حالها كان سيؤدى إلى استحالة الوصول بباقى الأوجه إلى حالة متجانسة، لأن الحل يعتمد على منهج تراكبى فى البناء لا يمكن معه إكمال كل وجه بمفرده بمعزل عن الباقية. قد يرى البعض أن النموذج التركى كان واحدا من مناهج حل شفرة مكعب روبيك المصرى التى لم تشأ القوى الديمقراطية أن تدفع بالأمور فى اتجاهها. فهل هم على حق؟ يرد آخرون باستحالة ذلك التصور باعتبار أن المؤسسات العسكرية غير ديمقراطية بطبيعتها. لكن أنصار الرأى الأول يحيلونهم مرة أخرى إلى التجربة التركية التى أثبتت إمكانية مقرطة العسكر بإبعادهم عن التدخل فى إدارة العملية السياسية والاكتفاء بدورهم فى حراستها، ويدللون على ذلك بأن العسكر يفقدون الآن فى تركيا المكانة المتميزة لمؤسستهم بعد أن توطدت دعائم الدولة المدنية. هى وجهة نظر براجماتية لا أتبناها لكن قد يطرحها البعض للمناقشة بعد أن أوشك مكعب روبيك المصرى على التفكك بين أيادى اللاعبين!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل