المحتوى الرئيسى

حول “رحلة جبلية، رحلة صعبة” لشاعرة فلسطين بقلم:أ. د. حسيب شحادة | دنيا الرأي

02/27 23:52

حول “رحلة جبلية، رحلة صعبة” لشاعرة فلسطين

أ. د. حسيب شحادة

جامعة هلسنكي


خطّت شاعرة فلسطين، فدوى عبد الفتاح آغا طوقان (١٩١٩/١٩٢٠-٢٠٠٣) النابلسية، ضمن ما أنجبت من كتب سيرتها بجزئين، يحمل الأول عنوان “رحلة جبلية، رحلة صعبة” وصدر عام ١٩٨٥ وعنوان الثاني “الرحلة الأصعب” ورأى النور عام ١٩٩٣. في الجزء الأول سجّلت “أم التمام” كما دعاها شقيقها، إبراهيم طوقان، ما نوت ممّا عايشته وخبرته في مسقط رأسها، “بلد التعصب والتقاليد العتيقة” (ص. ١٣٨) وخلال سنتي مكوثها في أكسفورد، أي منذ طفولتها وحتى حرب ١٩٦٧، وتناول الجزء الثاني هذا الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزّة وحتى بداية التسعينيات من القرن الماضي. خلال السنتين ١٩٦٢-١٩٦٤ درست فدوى طوقان اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعة أكسفورد ووجدت ضالتها المنشودة في الحرية. إبراهيم شقيقها كان أملَ فدوى الوحيد في أوّل حياتها، كان أول من قدّم لها هدية وأول من اصطحبها معه في سفر ووجّهها في مضمار نظم الشعر. بدأت فدوى بقرض الشعر بسنّ مبكرة ونشرته تحت اسم مستعار “دنانير” وانتزعت لقب شاعرة الحبّ والألم. ويُحكى أن موشيه ديان كان قد شبّه إحدى قصائد فدوى بمواجهة عشرين فردا من قوات الصاعقة.

بالإضافة إلى هذه السيرة الصريحة الواضحة كعين الشمس هناك ثمانية دواوين شعرية أولها “وحدي مع الأيام” (القاهرة ١٩٥٢) ثم تلته: وجدتها (بيروت ١٩٥٧)؛ أعطنا حبا (بيروت ١٩٦٠)؛ أمام الباب المغلق (بيروت ١٩٦٧)؛ الليل والفرسان (بيروت ١٩٦٩)؛ على قمة الدنيا وحيدا” (بيروت ١٩٧٣)؛ تموز والشيء الآخر (عمّان ١٩٨٩)؛ و“اللحن الأخير” (عمّان ٢٠٠٠). وفي آثارها النثرية هناك كتاب وحيد إضافة إلى سيرتها وهو “أخي إبراهيم”، يافا، المكتبة العصرية، ١٩٤٦. وقد حازت فدوى على الكثير من الجوائز والأوسمة مثل جائزة الزيتونة الفضية الثقافية لحوض البحر الأبيض المتوسط، باليرمو، إيطاليا عام ١٩٧٨؛ وسام القدس، منظمة التحرير الفلسطينية سنة١٩٩٠؛ جائزة البابطين للإبداع الشعري، الكويت عام ١٩٩٤؛ جائزة كفافس للشعر عام ١٩٩٦.

تتحدّر عائلة طوقان، وفق بعض المصادر، من التركمان الذين قدموا في الفترة السلجوقية إلى منطقتي نابلس وجنين، ويُشار إلى أن لفظة “طوقان” تركية الأصل، أي “دوكان، دوغان” وتعني “نوعا من الصقور”. ومصادر أخرى تذهب إلى أن آل طوقان من أصول قبيلة طيء المعروفة، كانوا استوطنوا بالقرب من حلب.

وفي هذه العُجالة وددت التطرق إلى عيّنات مختارة من سيرتها الأولى وفق طبعة عام ٢٠٠٥ (الإصدار الأول ١٩٩٩) والتي نقلت إلى الإنجليزية والفرنسية واليابانية والعبرية. لغة السيرة متينة وسلسة كما سيتجلّى من العيّنات أدناه وهي خالية من أية ألفاظ عامية اللهم إلا مرة واحدة “نيالهم” وتعني الكلمة بالفصحى: هنياً لهم” (ص. ٦٨). تتّسم الكاتبة في سيرتها هذه بجرأة نادرة وطاعة تامّة ومصداقية لافتة للانتباه وبحسّ شاعري مرهف.

يبدو لي أن قسما كبيرا من فتيات فلسطين وأخواتهن في العالم العربي اللواتي يطالعن هذه السيرة سيرين كم هن محظوظات اليوم مقارنة بما عانت فدوى طوقان في حياتها ولا سيما في مرحلتي الصبا والمراهقة. عاشت حياة قاسية وظالمة في قالب فولاذي صنعه الأهل المثقفون والأثرياء، كان لها خمسة أشقاء وأربع شقيقات وهي الرقم السابع، وأخذت تذبل وتذوب في اللاشيئية والانعزال الخانق. أمّها، فوزية أمين بيك عسقلان، لم تعرف مثلا تاريخ ولادة ابنتها هذه، فكل ما كانت تتذكره أنها كانت آنذاك تطبخ العكوب عندما أتاها الطلق. هذه الشاعرة العصامية لحد كبير أُرغمت على مغادرة مقاعد الدراسة الابتدائية وهي ابنة اثني عشر ربيعا بسبب “خطية كبيرة” اقترفتها، تسلمها زهرة فلّ من فتى يافع.

“كان غلاما في السادسة عشرة من العمر. ولم تتعد الحكاية حدود المتابعة اليومية في ذهابي وايابي فما كان لمثلي ان تزوغ يميناً أو شمالا. كانت الطاعة من أبرز صفاتي، وكنت مسكونة دائماً بالخوف من أهلي. كان التواصل الوحيد الذي جرى لي مع الغلام هو زهرة فُل ركض اليّ بها ذات يوم صبي صغير في (حارة العقبة) وأنا في طريقي الى بيت خالتي”. ما جرى بعد هذه “الجريمة النكراء” : “ثم حلت اللعنة التي تضع النهاية لكل الأشياء الجميلة. كان هناك من يراقب المتابعة، فوشى بالأمر لأخي يوسف. ودخل يوسف عليّ كزوبعة هائجة: (قولي الصدق) .. وقلت الصدق لأنجو من اللغة الوحيدة التي كان يخاطب بها الاخرين، العنف والضرب بقبضتين حديديتين، وكان يتمتع بقوة بدنية كبيرة لفرط ممارسته رياضة حمل الأثقال. أصدر حكمه القاضي بالاقامة الجبرية في البيت حتى يوم مماتي .. كما هددني بالقتل اذا أنا تخطيت عتبة المنزل، وخرج من الدار لتأديب الغلام” (ص. ٥٥).

ومن الأمور اللافتة للانتباه في تقديري تشير إلى ما يلي مما ورد في السيرة: لا ينام الوالدان في نفس الغرفة؛ والدها كان إذا خاطبها استعمل ضمير الغائبة أو طلب من زوجته إيصال رسالته للبنت؛ لا ضير علينا لو خسرنا المعركة، فالمهم ألا ننهزم أو تلقي السلاح؛ التقاليد الخالية من العقل، والتي تضع البنت في قمقم التفاهة؛ عاقبتني أمي ذات يوم بدعك شفتيّ ولساني بزرّ من الفلفل الحار؛ كانت أمي أول امرأة من جيلها ترفع الحجاب في نابلس؛ وعلى المرأة ان تنسى وجود لفظة “لا” إلا حين شهادة “لا اله إلا الله”؛ ...المسمى حبا، والذي ظل يشرنق حول وجودي الى ما لا نهاية؛ لكن مشاعري كانت تعب من الجو العاطفي للصوت والأغنية؛ لو نظرنا الى مخلوق سعيد لوجدناه إما يبني منزلا أو يضع لحنا أو يربي طفلا أو يزرع أرضا؛ وكان علي أن أخوض بالتالي في صراع مع تطلعاتي والواقع الذي أوجدني فيه مجتمع متخلف وأقارب لم يتحرر تفكيرهم قط؛ إن الانتقاذ التهكمي اللاذع صفة عامة للنابلسيين؛ والثرثرة رمز التخلف في المجتمعات التي لا تقرأ؛ ان الشيء الأكثر أهمية هو ما يحدث فينا لا ما يحدث لنا؛ تلك المقولة القديمة: (ان لم اكن لنفسي فمن يكون لي، وان أكن لنفسي فمن أنا؟)؛ لا طعم للحلوى في فم تعود مذاق العسل؛ ان كلمة عرب لا تعكس في خيال الغربين الا صورة الخيمة والصحرآء والجمل؛ ان الشيء الوحيد الذي يعرفونه عنا هو تعدد الزوجات؛ إن الطائر والغابة مثل الرجل وزوجته (أنظر ص. ١٠، ٢١، ٢٢، ٢٧، ٤٠، ٥٤، ٥٥، ٧٦، ٩٩، ١١٤، ١١٧، ١٢٨، ١٣٤، ١٧٥، ١٩٥، ٢٠٢).

وعن أقدم وأصغر طائفة لم تبرح موطنَها منذ القِدم وحتى اليوم كتبت ابنة نابلس تقول:

“ولقد اشتهرت نابلس بوجود الطائفة السامرية فيها، وفي هذه الطائفة تتوارث عائلة الكاهن السامري احتراف عمل السحر والتعاويذ والرقي، كما يحترف الكاهن قراءة الكف. ولا يزال هناك الكثيرون ممن يلجأون اليه في مختلف أنحاء المدن والقرى، ليس فقط لعمل السحر والتمائم بل للاستشارة في أمور الزواج وبعض الشؤون الحياتية الأخرى، وذلك عن طريق علم (التنجيم) الذي من المفروض ان يعرفه الكاهن السامري”. (ص. ٤٢).

يبدو لي أن بعض السامريين، على الأقلّ، لا يوافقون على نعتهم بـ”عمل السحر” ومن يقرّ بممارسة ذلك يقول إن المرمى منه للتقريب لا للتفريق!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل