المحتوى الرئيسى

بين فرنساوي مصر.. وأسكوتلندي اليابان

02/21 12:07

يحلو لبعض المهتمين بأخذ العبر من التاريخ، مقارنة المسار الذي أخذته الدولة المصرية الحديثة التي أسسها الألباني محمد علي في القرن التاسع عشر، بمسار اليابان التي شهدت إعادة سلطات إمبراطورها وثورتها الصناعية انطلاقا من الفترة التاريخية نفسها، رغم اختلاف الثقافة والظروف والجغرافيا والتشابه في المشاعر المتشككة في الأجانب. كان التوجه واحدا في البلدين؛ وهو محاولة التحديث وعلاج التخلف القائم في المجتمعين باستيراد العلوم والمعارف وإرسال البعثات إلى القوى الاستعمارية الغربية في أوروبا وتطبيق نظمها في الاقتصاد والعسكرية. وهو ما تم فعلا، ونجحت اليابان في بناء قوة صناعية جبارة ما زالت قائمة حتى اليوم، رغم هزيمتها في الحرب العالمية بعد محاولتها التوسع والعدوان على جيرانها، بينما قصة الدولة المصرية الحديثة مختلفة؛ خطوتان للأمام، ثم خطوة للوراء.. وهكذا.

التشابه أيضا يشمل الدور المحوري الذي لعبته بشكل فردي شخصيات غربية، هي في الأغلب مغامرة، في صناعة التاريخ في البلدين وبناء الدولة الحديثة، وما زال تاريخ البلدين يذكرها، مثل التاجر الأسكوتلندي توماس جلوفر في اليابان، وسليمان باشا الفرنساوي أو الكولونيل سيف أحد ضباط جيش نابليون الفرنسي، الذي يعتبره البعض مهندس بناء الجيش المصري الحديث بعد عقود من الحكم العثماني.. لم يكن في مصر جيش خاص بها. ولا يزال الناس في مصر يستخدمون اسم «ميدان سليمان باشا» على الميدان الذي كان فيه تمثاله ثم نقل بعد ثورة 1952 لتعاد تسمية الميدان باسم الصناعي ورجل الأعمال طلعت حرب.

توماس جلوفر كان تاجرا أسكوتلنديا مغامرا أرسلته شركته البريطانية وهو في العشرينات تقريبا إلى شنغهاي ومنها عبر عام 1829 إلى ناغازاكي في اليابان التي كانت تنظر بعداء شديد إلى الأجانب بسبب معاهدات غير عادلة مفروضة عليها، وكان هدفه أن يتاجر في الشاي الأخضر، ووجد نفسه يقع في غرام تقاليد الساموراي اليابانيين ويدخل في صراعات جماعاتهم التي أرادت إعادة الهيبة إلى إمبراطور اليابان، وتاجر في السلاح والبارود، وكان وراء إرسال أولى البعثات من طلبة يابانيين متفوقين إلى الغرب، وجلب أول خط سكة حديد خلال حكومة ميجي، وكان وراء بناء أول حوض جاف للسفن وبناء أول سفينة حربية حديثة، ويعتبره البعض أحد العناصر الأساسية في تصنيع اليابان، وأطلقوا عليه لقب «الساموراي الأسكوتلندي»، وحصل على وسام «الشمس الساطعة».

قصة الكولونيل سيف، أو سليمان باشا الفرنساوي، الذي وقع هو أيضا في غرام البلد وأشهر إسلامه فيه، تتشابه مع «الساموراي الأسكوتلندي»، فهو مغامر أعجب به محمد علي وعهد إليه بتدريب النواة الأولى من الجيش المصري الحديث على الأساليب الغربية الحديثة في عام 1819، وأسس أول مدرسة للحربية، وكان لاعبا أساسيا في الدولة المصرية الحديثة، وحصل على لقب باشا، ويعد الجد الأكبر للملكة نازلي أم الملك فاروق آخر ملوك مصر.

ولم يكن جلوفر وسليمان باشا الشخصيتين الوحيدتين من المغامرين الأوروبيين أو الأميركيين الذين احتكوا بالتاريخ في مصر واليابان وأثروا فيه، فهناك شخصيات أخرى أقل نجومية أو دورا.. فهذه كانت سمة العصر، ولم يكن من الممكن أن تحدث نهضة في مجتمعين تقليديين للغاية وقتها، ما لم يجر الاحتكاك بالعالم الخارجي واكتساب المعارف من الخارج. جلوفر لا يزال منزله في اليابان بوصفه معلما يزوره نحو مليوني شخص سنويا الكثير منهم طلاب مدارس، وسليمان باشا نقل تمثاله من وسط القاهرة إلى المتحف الحربي لأسباب تتعلق برغبة النظام الجديد عام 1952 في محو ما سبقه. ولعل هذا ما يفسر اختلاف المسارين، لأن البناء عمل تراكمي يصحح ويشيد ويطور على ما قبله، والثمار تأتي بعد عشرات السنين، أما إذا بدأنا كل عدة عقود من الصفر من جديد.. فلا أمل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل