المحتوى الرئيسى

بأي لغة ينبغي أن نكتب؟

02/20 12:43

بعد أن قمت بتغليف وحزم كل كتبي ومخطوطاتي ومجلاتي، وأضفت بعضاً من القصاصات الورقية دون أن أتكبد عناء التدقيق فيها، وأتبين ما إذا كان هناك أي شيء لا أريده حقاً ويمكنني أن أتركه ورائي، وصلت إلى وجهتي في مراكش، وأمضيت الكثير من وقتي في إعادة الاطلاع على مجموعة من الكتب والمجلات.

في صبيحة اليوم الذي سطرت خلاله هذه الكلمات فحسب، وجدت نفسي أطل على عدد كبير من أعداد مطبوعة "لندن مغازين"، بل ونسخ قديمة من الكتب التي ألفها والدي عندما كان يعمل محامياً، وبعضها يحتوي مقدمات قصيرة تنتهي بملاحظة وجيزة قوامها توجيه الشكر لي على مساعدته في الكتاب.

ثم وجدت نفسي أنظر إلى الغلاف الأمامي لمجلة باللغة العربية لم تكن مألوفة بالنسبة لي، ورأيت أن هذه المجلة كان اسمها "الكتاب"، وأن هذا العدد من أعدادها كان مؤرخاً في أبريل 1946. فنظرت في فهرس المحتويات.

ووجدت أسماء شهيرة مثل عبدالقادر المازني وأحمد أمين بيك وبنت الشاطئ وسيد قطب وزكي طليمات وعباس محمود العقاد، كما وجدت كذلك مقالاً بقلم وزير الصحة آنذاك، ولكنني لاحظت عندئذ ولدهشتي الشديدة، أن هذا العدد من المجلة قد احتوى بدءاً من صفحة 845، مقالًا بعنوان "طلائع القصة القصيرة في الأدب الغربي" بقلم دنيس جونسون ديفز.

لم أكن أدرك على الإطلاق أنني كتبت ذات يوم في اللغة العربية، دع جانباً أن أكون قد نشرت ما كتبته بتلك اللغة، ولم يكن هناك مؤشر في المجلة إلى أن المقال كان مكتوباً أصلاً في اللغة الإنجليزية ثم قام أحدهم بترجمته إلى العربية، على الرغم من أن هناك مقالاً آخر في المجلة يتضمن بالتحديد إشارة إلى أنه قد ترجم، ويورد اسم المترجم.

بكثير من الشغف والفضول، مضيت أقرأ الصفحات الخمس المخصصة لهذا الموضوع، وهو يبدأ بذكر السمات المميزة للقصة القصيرة بالمقارنة بسمات الرواية، ويشير إلى أن الأمر ليس متعلقاً بطول العمل فحسب، ثم يتناول المقال قصص الأديب الأميركي "إدغار ألان بو" والروسي غوغول.

والروسي أيضاً تورجنيف، قبل أن يصل إلى أعمال غي دي مونباسان وأنطون تشيكوف، الذي يعزى إليه أنه المعلم الحق لمدرستين منفصلتين في كتابة القصص القصيرة. ويورد المقال قصصاً محددة من إبداع كل كاتب من هؤلاء الكتاب، ويميز بين المناهج المختلفة للغاية، والأساليب التي يتبناها كل كاتب.

ويوضح المقال أن تشيكوف هو الأعظم بين هذين الكاتبين، ويدعو القارئ إلى أن يبذل جهداً فكرياً أكبر، وأن يكون أكثر دقة في فهم وتقدير قصصه. ويقارن المقال بين قصص تشيكوف وأعمال رسام يكتفي برسم الخطوط العريضة للوحاته، ثم يضيف تفاصيل معينة صغيرة بداخلها، تاركاً للمشاهد أن يبذل الجهد الضروري لتقديم باقي عناصر اللوحة.

وأمضي في ذلك المقال، إلى القول بأن قصص تشيكوف تبدو في بعض الأحيان مجردة من الأحداث الفعلية، حيث يترك لخيال القارئ أن يقدم هذه الأحداث بالاستعانة بإيحاءات أوردها الكاتب، ثم أمضي إلى القول بأن تشيكوف هو الذي أدخل في القصة القصيرة الحديثة العناصر الشعرية التي تميز القصة القصيرة الآن على نحو ما تكتب اليوم (والمقصود بالطبع عام 1946 الذي ظهر فيه المقال).

وأتساءل أيضاً في ذلك المقال، عن القصة القصيرة في إنجلترا، وأشير إلى أنه في ذلك الوقت كان التأليف الإنجليزي معنياً بالروايات الطويلة على نحو ما كانت تكتب في العصر الفكتوري، ثم أمضي إلى تناول روديارد كيبلنغ باعتباره كاتباً قدم بعض القصص الجديرة بالإشادة.

والذي أصبح على الصعيد المالي الكاتب الأكثر نجاحاً في عصره، وذلك رغم أن رؤيته للحياة لم تكن مما يروق للقراء الأكثر حداثة. ولكن مع وضع الحرب لأوزارها، فإن القصة القصيرة في انجلترا اكتسبت حياة جديدة أكثر حساسية وشعرية، على نحو ما يبدو في أعمال كاثرين مانسفيلد وكوبارد ولورنس.

وأتيت كذلك في تناولي للقصة القصيرة في أميركا، على مواهب جديدة في شكل كتاب من أمثال إرنست همنغواي وويام سارويان، كانوا قد أطلوا على الساحة الأدبية العالمية، وذكرت أنني في مقالي المقبل سأتناول القصة القصيرة على نحو ما يكتبونها، وذلك ككاتب معني بالقصة القصيرة في العالم العربي.

على الرغم من ذلك، فإنه يبدو إما أنني ليست لدي نسخ من أعداد مجلة "الكتاب" التي تضم هذه المقالات الإضافية، وإما وهو الأكثر احتمالًا، أنني وجدت الكتابة باللغة العربية بالغة الصعوبة والإرهاق، والنتيجة ليست مرضية كما كنت آمل، وبالتالي قررت ألا أواصل تنفيذ هذا المشروع.

ومن المؤكد أنه في العالم العربي في تلك الأيام، ظهر كتاب معينون كانوا يقدمون قصصاً قصيرة جديرة بالنشر في أي مجموعة، وقد كرس بدايات القصة القصيرة في العالم العربي محمود تيمور، ولكن في وقت لاحق فحسب، قام كتاب مصريون في شموخ قامة يوسف إدريس، بالإطلال على هذا الجنس الأدبي.

وفي حقيقة الأمر، فإن الأديب نجيب محفوظ، الفائز بجائزة نوبل للأدب، على الرغم من أنه ينظر إليه باعتباره روائياً في المقام الأول، إلا أنه كتب العديد من القصص القصيرة، وينصرف ذهني بشكل خاص إلى قصة "الزعبلاوي" التي أدرجت في مجموعات مميزة من الأعمال الأدبية العالمية، مثل "مختارات نورتن من الأدب العالمي".

دعني أختتم المقال الماثل بين يدي القارئ هنا، بلفت الانتباه بالتواضع الواجب، إلى الحقيقة القائلة إنه هنا يتجلى مثال آخر للطريقة التي قدمت بها الترجمة خدمة جليلة للأدب العربي الحديث.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل