المحتوى الرئيسى

الفتن الاربع في سورة الكهف وعلاقتها بفتنة المسيح الدجال | دنيا الرأي

02/18 10:22

المقدمـــــة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على نبينا محمد  خير من خلق الله في الأرض والسماوات، وعلى آله وصحبه وأزواجه وأتباعه ذوي المكارم والمروءات إلى يوم البعث بعد الممات.

أما بعد:

مما يلامس شغاف القلوب المؤمنة الصابرة المحتسبة التي حباها الله تعالى بنفحات تلو الأخرى ومن هذه النفحات المتكررة كل أسبوع هي قراءة سورة الكهف كل جمعة وبهذا تكون منهاجاً روحياً لا ينقطع ونوراً متدفقاً لا ينطفئ ومعيناً من الأجر والثواب لا ينضب وأنيساً للنفوس المتعبة لا يمل، وحصناً من الفتن والابتلاءات لايخترق، حتى قيام الساعة، لهذا فإن سورة الكهف تمتلك من التحصينات للنفس البشرية ما لا يعد ولا يحصى وقد ألفت مؤلفات عديدة في مجال موضوع الفتن ككتاب الفتن للحافظ نعيم بن حماد الخزاعي (ت 774هـ)، وكتاب الفتن في الملاحم للحافظ ابن كثير المتوفى (228هـ)، وكتاب الإشاعة لأشراط الساعة للشريف محمد بن رسول الحسيني البرزنجي (ت 1103هـ)، وكتاب الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة للشيخ محمد صديق حسن القنوجي (ت 1307هـ)، وكتاب إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة للشيخ حمود بن عبد الله التويجري وغيرها من الكتب والمؤلفات من الرسائل الجامعية. ورأيت أن أسلك في هذا البحث المتواضع مسلك الربط بين الفتن في القصص الأربعة الواردة في السورة العظيمة سورة الكهف وبين الفتن التي ستظهر على يد المسيح الدجال الذي سيظهر آخر الزمان والذي يعد من علامات قيام الساعة الكبرى.

واشتملت سورة الكهف على أربع قصص تشتمل على أربع فتن القصة الأولى تحكي قصة أصحاب الكهف والثانية قصة صاحب الجنتين والثالثة قصة موسى والخضر والقصة الرابعة قصة ذي القرنين.

وكل قصة من هذه القصص وراءها أهداف ومعان عظيمة و يربط القصص محور واحد وهو أنها تجمع الفتن الأربعة في الحياة، فتنة الدين (قصة أصحاب الكهف) وفتنة المال والنعمة (قصة صاحب الجنتين)، وفتنة العلم (قصة موسى مع الخضر)، وفتنة السلطة (قصة ذي القرنين) فجعلته الى مباحث سائلاً الله تعالى التوفيق والسداد.

المبحث الأول

معنى الفتنة والابتلاء

أولاً: الفتنة.

جاء في لسان العرب: جماع معنى الفتنة الابتلاء والامتحان والاختبار وأصلها مأخوذ من قوله: فتنت الفضة أو الذهب إذا أذبتهما لتمييز الرديء من الجيد أو إذا أدخلته النار لتنظر جودته.

والفتنة: الإحراق، والإثم، واختلاف الناس بالآراء، والجنون، والإزالة، ومنه قوله تعالى: ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﭼ( )، أي يميلونك عن الذي أوحينا إليك.

والفتنة الكفر كما في قوله تعالى: ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ( )، والفتنة ما يقع بين الناس من القتال، والفتنة: القتل كما في قوله تعالى: ﭽ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭼ( ).

وفي النهاية لابن كثير، الفتنة: الامتحان والاختبار وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه، ثم كثر حتى استعمل لفظ الفتنة بمعنى الإثم والكفر والقتل والقتال والإحراق والإزالة والصرف عن الشيء( ).

وفي المعجم الوسيط، الفتنة: الاختبار بالنار والابتلاء والاختبار: قال تعالى ﭽﯿ ﰀ ﰁ ﰂﭼ( ).

والفتنة: الإعجاب بالشيء، والاضطراب وبلبلة الأفكار والعذاب والضلال وفتنه: رماه في شدة ليختبره، وفتن فلاناً: عذبه ليحوله عن رأيه أو دينه( ).

وفي المفردات في غريب القرآن: أصل الفتن إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته، وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب فتنة فيستعملون هذا اللفظ فيه نحو قوله تعالى ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ( )، وتارة يستعملون الفتنة في الاختبار نحو قوله تعالى: ﭽ ﮈ ﮉ ﭼ( )، وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء وهما من الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالاً قال تعالى: ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭼ( )، وقال تعالى في الشدة: ﭽ ﮍ ﮎ ﭼ( )، أي أوقعتموها في بلية وعذاب وقوله تعالى: ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭼ( )، فقد سماهم ها هنا فتنة اعتبار بما ينال الإنسان من الاختبار بهم وقوله تعالى: ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ( )، أي لا يختبرون فيميز خبيثهم من طيبهم( ).

ثانياً:الفاظ لها صلة منها الابتلاء:

جاء في لسان العرب: بلوت الرجل وابتليته: اختبرته، وابتلاه الله: امتحنه والاسم البلوى والبلاء: الاختبار يكون في الخير والشر( ).

وجاء في المعجم الوسيط: ابتلاه: جربه وعرفه والبلاء: الحادث ينزل بالمرء ليختبره( ).

وفي النهاية لابن الأثير( ): الابتلاء في الأصل الاختبار والامتحان، يقال بلوته وابليته وابتليته، والمعروف إن الابتلاء يكون في الخير والشر معاً من غير فرق بين فعلهما، ومنه قوله تعالى: ﭽﯿ ﰀ ﰁ ﰂﭼ( ).

وفي المفردات في غريب القرآن: بلوته: اختبرته، وأبليت فلاناً إذا اختبرته وسمي المتكلف بلاء من أوجه (أحدها) أن التكاليف كلها تساق على الأبدان معاً.

والفتن الأربع التي وردت في سورة الكهف من خلال القصص القرآني المعجز هي الاختبار والامتحان للإنسان الذي هو مدار البحث، حيث إن للفتن التي ذكرت في السورة المباركة وقعاً على النفس البشرية لا يضاهيه وقع فلا تتعدى فتن الحياة الدنيا هذه الأربع المذكورة في سورة الكهف إلا أن من أعظم الفتن أن يفتتن الإنسان في دينه وفي سبيل دينه، قال تعالى: ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ( ).

وإن من سنة الله تعالى ابتلاء المؤمنين وامتحانهم بالشدائد ليميز الثابت منهم عن المرجف" ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﭼ( ).

قال أكثر المفسرين نزلت هذه الآية في معركة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة والبرد وسوء العيش وأنواع الشدائد، وقال بعض المفسرين نزلت هذه الآية تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين وآثروا رضا الله ورسوله، فأنزل الله تعالى هذه الآية تطييباً، واستدعاهم الله تعالى إلى الصبر ووعدهم على ذلك بالنصر( ).

و(البأساء) الشدة تصيب الإنسان في غير نفسه وبدنه كأخذ المال والإخراج( ) من الديار والتهديد بالقتل ومقاومة الدعوة، وهذا ما حصل في قصة أصحاب الكهف اذ كان هؤلاء الفتية المؤمنون محاربين من قبل ذلك الملك الكافر.

وقد امتحن الله سبحانه وتعالى المؤمنين في كل زمان ومكان قال تعالى: ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﭼ( ).

إن من سنة الله في عباده المؤمنين الداعين إليه المجاهدين في سبيله أن يبتلوا بأنواع البلاء يبتلوا في أموالهم بما يطلب منهم من الإنفاق منها في سبيل الله، ومن البلاء الذي يمتحنون به البلاء في أنفسهم بالقتل والجرح والأسر في قتال العدو ويلحق به الحبس في زماننا حيث يسجن الطغاة الظلمة المؤمنين الدعاة إلى الله تعالى( ).

ويكون البلاء على قدر إيمان المرء وأشد الناس قرباً إلى الله هم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهم أشد بلاءً، قال  فيما أخرجه الترمذي في جامعه عن مصعب بن سعد عن أبيه قال، قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء، قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقه ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)( ).

سبب نزول سورة الكهف

جاء في تفسير القرطبي أن سورة الكهف مكية في قول جميع المفسرين.

ذكر الواحدي في أسباب النزول عن سلمان الفارسي قال: جاءت المؤلفة القلوب إلى رسول الله  عيينة بن حصن الأقرع بن حابس وذووهما، فقالوا يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم، يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين، وكانت جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها، جلسنا عليك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله تعالى: ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ يتهددهم بالنار، فقام النبي  يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات( ).

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة فقالوا لهم سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى أتيا المدينة فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله  ووصفوا لهم أمره وبعض قوله فقالوا لهم سلوه عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم؟ فإنه كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح ما هو فأقبلا حتى قدما على قريش فقالا قد جئناكم نفصل ما بينكم وبين محمد فجاؤوا رسول الله  فسألوه فقال: أخبركم غداً بما سألتم عنه ولم يستثن فانصرفوا ومكث رسول الله  خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحياً ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة وحتى أحزن رسول الله  مُكث الوحي عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف وقول الله: ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﭼ( ).


مكان الكهف وزمان أصحابه:

أما عن مكان الكهف فقيل بالشام وقيل ببلاد الروم، وورد أن عالم الآثار الأردني (رفيق وفا الدجاني) اكتشف عام 1963م، عند منطقة الرحيب بالأردن، مغارة الكهف التي اتخذها أصحاب الكهف مرقداً لهم حيث دخلوها هاربين بأنفسهم( ).

وقال أبو حيان في البحر المحيط: إن بالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى (لوشة) كهفا فيه موتى ومعهم كلب وأكثرهم قد تجرد لحمه وبعضهم متماسك وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم أثاره، ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف، دخلت إليهم ورأيتهم سنة أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة وعليهم مسجد، وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم، كأنه قصر قد بقي بعض جدرانه، وهو في فلاة من الأرض خربة( ).

ولم يأخذ بهذا القول من المتأخرين أحد ويعود ذلك لبعد المسافة بين الأندلس وبلاد الشام والحجاز، والراجح هو ما ذهب إليه العلماء من أنه في الأردن، وقد ذكر السيوطي في كتابه التحبير في علم التفسير أنه غار في جبل بين أيلة وعمان.

والكهف: هو المغارة الواسعة، أما الرقيم: فهو العلامة أو الكتابة أو الرسم على الشيء ومعناه هنا قيل هو اللوح الذي سجلت عليه أسماؤهم، وقيل: كتاب دونت فيه أسماؤهم، وقيل: اسم الجبل، وقيل اسم القرية.

قال سعيد بن جبير ومجاهد: الرقيم لوح من حجارة، وقيل من الرصاص كتب فيه أسماؤهم وقصتهم وشد ذلك اللوح على باب الكهف( ).

وبراعة الاستهلال في قصة أصحاب الكهف رائعة.

إن لقصة أصحاب الكهف وقعاً شديداً على النفس البشرية وذلك لأسلوبها الشيق اذ بدأ السياق بهذا الأسلوب الاستفهام التعجبي ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﭼ( )، فالقصة هنا فيها من العجائب ما لا يعد وإن كان هناك ما هو أعجب منها فخلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وآيات أخرى يرفل بها القرآن الكريم فضلاً عن العالم الغيبي الذي يضم ما يضم من الحكم والأسرار ودقائق الأخبار وغيرها من عجائب صنع الإله العظيم.

قال الرازي (رحمه الله) اعلم أن القوم تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول  على سبيل الامتحان، وقد أشار القرآن الكريم عن عجبهم من آياته والتي منها قصة أصحاب الكهف فإن آياته كلها عجب فإن من خلق السموات والأرض وزينها بالنجوم والكواكب وملأ الأرض بأنواع المعادن والنبات والحيوان، ثم بعد ذلك يجعلها صعيداً جرزا خالية مما حملت على ظهرها، فكيف يستبعدون إن الذي يصنع هذه الصنائع ويقدر هذه المقادير أن يعجز عن حفظ طائفة من الفتية ثلاثمائة سنة وأكثر في النوم( ).

المناسبة بين قصة أصحاب الكهف والمقاصد الرئيسية للسورة:

إن من أهم المقاصد الرئيسة لسورة الكهف أنها خطت لنا طريق النجاة من الفتن اذ تعرض هؤلاء الفتية لفتنة عظيمة عصمهم الله تعالى منها فقد سعى الملك إلى فتنتهم في دينهم واستغل سلطانه وجبروته في سبيل مساومتهم على الحق وإغرائهم بكل المغريات كما استخدم فتنة التهديد والوعيد من أوجه عديدة حتى إنه استخدم أسلوب الضغوط العائلية، حيث أن هؤلاء الفتية ينتمون إلى أسر لها مكانتها وهذه المفارقة من العجائب حيث أن الغالب والمشهور عندنا أن أصحاب الدعوات والإصلاح هم من الضعفاء والفقراء، قال تعالى على لسان قوم نوح: ﭽﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﭼ( )، فعصمهم الله سبحانه وتعالى من هذه الفتنة وشرح صدورهم لقبول الحق والصبر على الاختبار.

وهكذا نجد أن السورة الكريمة تبرز لنا طريقاً واضحاً للنجاة من الفتن جميعها من فتنة السلطان وفتنة الأهل والعشيرة وفتنة الولد وفتنة العلم وفتنة الأعداء وفتنة إبليس اللعين وفتنة المال والولد من خلال قصة ذي القرنين وفتنة يأجوج ومأجوج ولهذا فلا عجب أن نجد من خواص هذه السورة الكريمة ومن جملة فضائلها أنها عصمة لقارئها من الفتن.

فضائل سورة الكهف كما وردت في السنة النبوية:

روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي الدرداء أن النبي  قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال)( ).

وعن أبي سعيد الخدري  أن النبي  قال: (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)( ).

ووردت عدة أحاديث في فضل هذه السورة العظيمة:

منها ما رواه البخاري بسنده عن البراء بن عازب  أنه قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف والى جانبه حصان مربوط بشطنين، فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما أصبح أتى النبي  فذكر ذلك له فقال: (تلك السكينة تنزلت بالقرآن)( ).

وروى مسلم بسنده عن أبي الدرداء  أن النبي  قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال)( ).

وروى الإمام احمد بسنده عن سهل بن معاذ عن أبيه  عن رسول الله  أنه قال: (من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نوراً من قدمه إلى رأسه ومن قرأها كلها كانت له نوراً ما بين السماء إلى الأرض)( ).

وقد كان  يستعيذ في صلاته من أربع والتي منها فتنة المسيح الدجال.

كما ورد عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي  كان يدعو في الصلاة اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)( ).

وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال)( ).

المبحث الثاني

القصة الأولى وتمثل فتنة الدين والصبر في سبيل الله

مثلت هذه القصة التضحية بالنفس في سبيل العقيدة وأشارت هذه القصة إلى أن المؤمن لابد له أن يجاهد من أجل دينه ويفر من بلده أن لقي ظلماً وإجباراً على ترك دينه الحق، وهذه الفتنة تتكرر على مر العصور والأزمنة والأمكنة فالحق مطارد.

روي أن النصارى عظمت فيهم الخطايا وطغت ملوكهم حتى عبدوا الأصنام وأكرهوا الناس على عبادتها، وأصدر الملك دقيانوس الأوامر المشددة في ذلك ومعاقبة من يخالفه، وأراد أن يلزم الفتية من أشراف قومه عبادتها وتوعدهم بالقتل فأبوا إلا الثبات على دينهم فنزع ثيابهم وحليهم، ولكنه رحم شبابهم فأمهلهم حتى يثوبوا إلى رشدهم، وهكذا ذهب الملك إلى مدن أخرى ليحث أهلها على عبادة الاصنام وإلا قتلوا.

أما الفتية فإنهم انطلقوا إلى كهف قريب من مدينتهم وأخذوا يعبدون الله فيه حتى إذا ما هجم عليهم الملك وقتلهم ماتوا طائعين لله، فلما مروا في الطريق إلى الكهف تبعهم راع ومعه كلبه فجعلوا هناك يعبدون الله، وكان من بينهم امرؤ يبتاع لهم طعامهم وشرابهم ويبلغهم أخبار الملك، وبعد مدة رجع الملك إلى بلاده بعد جولته فبحث عن هؤلاء الفتية الموحدين ليذبحهم أو يسجدوا للأصنام فسمع بذلك الشخص الذي كان يأتيهم بالطعام والشراب فأخبرهم بهذا الأمر فأصابهم الحزن والهم على هذا الأمر فرحمهم الله تعالى بكرمه أن ضرب على آذانهم فناموا ولم ينس الملك أمرهم فأرسل إلى آبائهم مهدداً ومحرضاً اياهم على أن يأتوا بهؤلاء الفتية فدلوه عليهم وأخبروه أنهم في الكهف فتوجه إليهم وقام بسد الكهف عليهم ليموتوا هناك وينتهي الأمر على ذلك.

ثم مضت القرون يتلو بعضها بعضاً ولم يبق للملك الكافر أثر ولا ذكر وبعدها ملك البلاد ملك صالح، فانقسم الناس في شأن البعث والقيامة إلى فريقين فرقة مؤمنة وأخرى كافرة، فحزن الملك الصالح حزناً شديداً وتضرع إلى الله تعالى أن يري الناس آية يرشدهم بها إلى أن الساعة آتية وأن الله يبعث الموتى، وتوافق هذا الأمر مع ارادة أحد رعاة الغنم أن يهدم ذلك الكهف ويبني به حظيرة لأغنامه فلما هدم باب الكهف استيقظ الفتية جميعهم فجلسوا مستبشرين وقاموا يصلون، ثم قال بعضهم لبعض كم لبثتم قال بعضهم يوماً أو بعض يوم، كما ورد في الآيات الكريمة فأرسلوا أحدهم ليشتري لهم طعاماً وأوصوه بالتلطف في معاملته للناس لكي لا يشعر بهم أحد، ثم وجد أن الأمر قد تغير رأساً على عقب بعدما رأى من إيمان الناس وتغير أوضاعهم وأن ملكهم مؤمناً موحداً بعدما اقتادوه إليه وفرح هذا الملك بهذه المعجزة أيما فرح فطلب من هذا الفتى أن يريه الكهف فوصلوا إلى الكهف ووجدوا كل ماا دعاه الرجل الى جانب ما وجده الملك من تابوت من نحاس مختوماً بخاتم وبداخله لوحات مكتوب عليها قصة هؤلاء الفتية وكيف هربوا من ظلم الملك حرصاً على دينهم، فلما رأى الملك الصالح هذه الحقيقية الملموسة والآية الباهرة أخذ الملك أهل المدينة وحاشيته حتى أتوا الكهف وكان يوماً مشهوداً وحين رأى الفتية خر ساجداً لله تعالى ثم اعتنقهم وبكى وهم لا يزالون يسجدون ثم قال الفتية له أيها الملك نستودعك الله ونعيذك من شر الإنس والجن ثم رجعوا إلى مضاجعهم وقبضت أرواحهم فأمر الملك أن يجعل كل واحد منهم في تابوت من ذهب وحين جن الليل رآهم في منامه يقولون له: اتركنا كما كنا في الكهف ننام على التراب حتى يوم البعث فأمر الملك أن يوضعوا في تابوت من خشب وأن لا يدخل عليهم أحد وأن يبنى على باب الكهف مسجداً يصلي به الناس وجعل لهم ذلك اليوم عيداً عظيماً... هذه القصة أثبتت للنصارى حقيقة البعث والنشور، أما في ديننا وقرآننا فإن الآيات البينات على حقيقة البعث كثيرة وعديدة وليست مقصورة على هذه القصة فقط.

فالقرآن يقول أيها الناس اقرؤوا صحائف هذا الوجود التي لا تعد ولا تحصى ولا تقتصر على صحائف أهل الكهف والرقيم على الرغم ما فيها من آيات الإعجاز( ).

وإن قصة أصحاب الكهف مع التهديد والوعيد الذي حدث لهم في حياتهم فإنهم حافظوا على دينهم في أنفسهم فلم يفتنوا، وآمن بسببهم قوم لا حصر لهم منذ عثروا عليهم بعد 309 سنة ونحن من بعد أن ذكرهم القرآن الكريم لسيرتهم العطرة ما زلنا عبر كل زمان ومكان يتلى فيه القرآن تشع قصتهم للناس نوراً جديداً حتى قيام الساعة، حيث روى الإمام احمد بسنده عن سهل بن معاذ عن أبيه  عن رسول الله  أنه قال: (من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نوراً من قدمه إلى رأسه ومن قرأها كلها كانت له نوراً من السماء إلى الأرض)( ).

منهجية الإصلاح والتغيير في ضوء القصة:

نجد هنا في هذه السورة الكريمة المنهجية في الإصلاح والتغيير في سورة الكهف تتدرج من الاستضعاف إلى الحوار ومنه إلى التمكين، وتتضح هذه المنهجية كما يتضح من عنوانها ثلاث مراحل متدرجة من الصراع بين الحق والباطل تتمثل أولاها في مرحلة الاستضعاف الذي تمثله قصة الفتية أصحاب الكهف الذين آمنوا بربهم وتعرضوا للتهديد بالقتل رجماً إن لم يعودوا مثل بقية الناس عباداً لغير الله تعالى، ونستنبط من هذه المجموعة المؤمنة من الفتيان أنه ليس من الحكمة في بداية الدعوة أن يقف المستضعفون القلة عددا وعدة في مواجهة تلك الأنظمة الفاسدة والقوية فى الوقت نفسه بل الحكمة والشجاعة في التروي والأخذ بالأسباب وإتباع منهج ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ ويعتبر هذا المنهج في التعبير والإصلاح منهجاً منضبطاً مهماً ينفع في كل زمان ومكان وعلى مدى الدهر إلى يوم القيامة لأن الصراع بين الحق والباطل لا ينتهي، لهذا فإن قصة أصحاب الكهف درس وقانون لأي حالة تتكرر فيها الظروف نفسها مع الدعاة، ويعد تجاوزاً من الدعاة إن هم تخطوا هذه الآية إذا انطبقت عليهم الظروف نفسها.

ويستدل على ذلك ما فعله الرسول  في المرحلة المكية التي استأسدت فيها قوى الشر والكفر على الجماعة المؤمنة فأذاقوهم ألواناً من العذاب والمطاردة حتى حينما هاجروا إلى الحبشة وكان المنهج آنئذ ﭽ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ( )، وقتلت سمية بحربة شهيدة وكذا زوجها قتل شهيداً ولم يملك الرسول  إلا قوله (صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة)( ).

ثم تنتقل إلى مرحلة التمكين حينما فاجأ بني قينقاع بالغزو عندما كشفت عورة امرأة مسلمة في سوق من الأسواق في المدينة لأن هناك دولة وقوة وتمكين وحماية الأفراد جزء من سيادة وكرامة الدولة، إذا ما قارناها بمرحلة الضعف في زمن سيدتنا سمية والدة عمار بن ياسر ، فجريمة كشف العورة أقل من القتل إذا ما قورنت( ).

المبحث الثالث

القصة الثانية: قصة صاحب الجنتين وتمثل فتنة المال والنعمة

تمثل هذه القصة فتنة المال والنعمة التي قد تؤدي بصاحبها إلى الغرور فنجد صاحب هاتين الجنتين يباهي بما لديه ويتفاخر بنفسه وماله على محدثه الذي يحاوره وهنا بدأت الفتنة وصار يظلم نفسه من خلال تصوراته فأخذ ينسب الى نفسه قدرات لا يملكها إلا الله تعالى، فالله هو الذي أعطاه هذه الخيرات من مال وأولاد وأخذ يتعدى من خلال كلامه وافتخاره وأخذ يتكلم على الغيب في أن الجنة لن تبيد أبداً وإنها باقية.

قوله تعالى: ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ.

إن الله سبحانه لما أمر نبيه بتصبير نفسه مع المؤمنين وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين الذين طلبوا منه  طرد هؤلاء الفقراء من المؤمنين وأن يعين لهم مجلساً وللسادة مجلساً آخر حتى لا يؤذوهم بمناظرهم وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال أن السادة وموالين يجتمعون في صعيد واحد ويتحدثون وإياهم حديث الند للند وفي ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم... أردف ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغي أن يكون موضع فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيراً ما يصير الفقير غنياً والغني فقيراً وإنما الذي يجب أن يكون أساس التفاخر وعمدة التفاضل هو طاعة الله وعبادته والعمل على ما يرضيه في دار الكرامة، حيث لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

التفسير: لقد ضرب الله تعالى المثل ليبين حال الفريقين المؤمنين والكافرين من قبل أن الكفار مع تقلبهم في النعيم قد عصوا ربهم وإن المؤمنين مع مكابدتهم للشدائد والبأساء قد أطاعوه قال تعالى: ﭽ ﯯ ﯰ ﭼ، أي أن كل من البستانين ﭽ ﯱ ﯲ ﭼ، أي أعطت وأخرجت ثمرها كل عام وبلغ مبلغاً صالحاً للأكل والأفراد( )، ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ ، أي ولم تنقص منه شيئاً، أي من أكلها وثمرها على خلاف ما يحصل من بعض البساتين من أنها تعطي ثماراً في عام ولا تعطي بالقدر نفسه في عام آخر.. ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﭼ ، كان نهراً واحداً ولفظ التفجير لغرض أن يكون أغزر وأكثر نبعاً ﭽ ﯹ ﭼ أي وسطهما، أي وشققنا وسط الجنتين نهراً كبيراً تتفرع منه عدة جداول ليدوم سقيها ويزيد بهاؤهما وتكثر غلتهما( ).

وإنه سبحانه وتعالى أنعم عليه بخيرات الدنيا وكان له مزارع يستخدم فيها أعوانه وخدمه ولا يستعصي عليه شيء من مسرات الدنيا ومباهجها ولذاتها ونعيمها ومن بعدها أخذ يحاور صاحبه فالمحاوِر هو صاحب الجنتين والمحاوَر هو الرجل المؤمن الفقير، ويكلمه بالكلام الذي يتضمن ويصرح بالافتخار بالمال والخدم وإنكار البعث والإشراك بالله تعالى: ﭽ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ( )، أي فقال لصاحبه المؤمن حين حاوره وراجعه الحديث أنا أكثر منك مالاً كما ترى من جناتي وزروعي المختلفة وأعز عشيرة ورهطاً تقوم بالذب عني( ).

وحاصل معنى الآيتين أي ودخل هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب وأشجار ونخيل ومعه صاحبه هاتين الجنتين، وطاف به فيهما مفاخراً وقال حين عاين ما فيهما من أشجار وثمار وزروع وأنهار مطردة، ما أظن أن تفنى هذه الجنة أبداً ولا تخرب، كما قال وهو شاك في المعاد إلى الله والبعث والنشور ما أظن أن يوم القيامة كما تقولون، وقد كان في كل ذلك ظالماً لنفسه إذ وضع الشيء في غير موضعه فقد كان أليق به أن يكون شاكراً لتلك النعم متواضعاً لربه لا أن يكون كافراً به منكراً لما جاء به الوحي وأقرته جميع الشرائع.

وقد لحقته الخسارة من وجهين:

الأول: ظنه أن تلك الجنة لا تهلك ولا تبيد مدى الحياة.

الثاني: ظنه أن يوم القيامة لن يكون ثم تمنى أمنيه أخرى كان في شك منها فقال ﭽ ﭢ ﭣ ﭼ ، أي والله لأن كان معاد ورجعة إلى الله ليكونن لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي والذي جرأه على هذا الطمع وعلى تلك اليمين الفاجرة اعتقاده إنما حباه الله بما حباه به في الدنيا لما له من كرامة لديه ولما له فيه من مزايا استحق بها أن ينال ما ناله.

فتنة الأموال والأولاد:

قال تعالى: ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ( ).

والمعنى هنا أن الله سبحانه وتعالى جعل الأموال والأولاد فتنة أي اختباراً وامتحاناً منه لبني آدم ليعلم ا يشكرون عليها ويحافظون عليها من خلال المحافظة على حدوده وأوامره أم يشتغلون بها عنه، كما قال سبحانه وتعالى: ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ( ).

إن الله سبحانه وتعالى هو المتفرد بامتحان عباده وبجميع ما يتعلق بهذا الامتحان من جهة مفرداته وزمانه ومكانه ومدته، وإنه لا يجوز الاعتراض عليه في شيء من ذلك أو يعترض على الامتحان نفسه ولكن يجوز للمسلم أن يسأل الله تعالى ويدعوه ويتوسل إليه أن لا يمتحنه بما يشق عليه وبما لا ينجح فيه، وأن يقيه شر الفتن التي قد يتعرض إليها، ولذلك جاءت الأدعية المأثورة في الاستعاذة بالله من الفتن من ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي  كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال)( )، لذا على المسلم أن يدعو بهذا الدعاء ولا ينقطع به الرجاء لله تعالى أن يجنبه الفتن( ).

منهجيه الحوار في قصة صاحب الجنتين:

يتبين من خلال قصة صاحب الجنتين أثر الاغترار بنعمة الله تعالى وكذلك تبين الآيات مرحلة ثانية من مراحل الصراع بين الحق والباطل والتي يمثلها في سورة الكهف قصة الصاحبين الذين لا يملك أي منهما سلطاناً على الآخر، لكن اختار أحدهما طريق الإيمان، واختار الآخر طريق الكفر وكان أمام الصاحب المؤمن هنا أحد ثلاثة اختيارات أما أن يعتزل صاحبه كما اعتزل أصحاب الكهف المستضعفون قومهم، وأما أن يحاربه بالقوة ويقتله، وأما أن يحاوره ويستخدم الأسلوب العقلي الاقناعي ومجابهة الحجة بالحجة والدليل بالدليل، واختار الصاحب المؤمن الاختيار الثالث ليكون منهجاً مثالياً في الدعوة إلا وهو الحوار الذي يكون مستساغاً ومقبولاً حتى من الخصوم إن صدقت النية والدعوة، وهنا لا يجوز في هذه الحالات إلا الحوار لذا فإن الآية الوحيدة التي تعبر بصدق وواقعية عن منهج الإصلاح والتغيير هنا ﭽ ﰁ ﰂ ﭼ ، وهي الكلمة الوحيدة المكررة مرتين في القصة اذ أظهر الكفر عند الحوار فبادله صاحبه حوارا بحوار، اذ تساوت كفتا القوة البشرية بوصفهم اشخاصا أما سلطان الحجة والتفوق والإيمان فكانت تميل للصاحب المؤمن، إذاً الآن نحن هنا أمام تجربة مثيرة للإعجاب في المثالية للدعاة في سبيل الله تعالى حيث تدعو هذه التجربة إلى اعتماد مبدأ الحوار والانفتاح على العالم لتوصيل رسالة الإسلام إلى أبعد مدى في أصقاع الأرض مقتدين بالصحابة  الذين هاجروا الى في حوارهم اللطيف مع النجاشي وحاشيته حيث كان الحوار العلمي المقنع بالأدلة والآيات البينات، وكذلك حالة الحوار التي فتحها النبي  مع ملوك الأرض ورؤساء القبائل والعشائر مما وسع دائرة الدعوة والقبول لهذا الدين( ).

وهنا تتضح لنا صورة واضحة لفتنة المال من خلال صاحب الجنتين الذي آتاه الله كل شيء فكفر بأنعم الله وأنكر البعث فأهلك الله الجنتين بما فيهما من زروع وثمار وأنهار، اعطاه وللبشريةدرسا وتنبيه على عدم الاغترار بنعمة المال والأولاد فإنها في أي لحظة وبمشيئة خالقها تكون كما قال تعالى: ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ( ).

والعصمة من فتنة المال والأولاد تكون في فهم حقيقة الدنياوانها فانية، وتذكر الآخرة وانها هي الباقية.

المبحث الرابع

القصة الثالثة: قصة موسى  مع الخضر وتمثل فتنة العلم والتواضع

المناسبة:

قوله تعالى: ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﭼ ، مناسبة هذه الآيات لما قبلها أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار وامتنعوا عن حضور مجلس النبي  لئلا يشتركوا مع أولئك الضعفاء والفقراء في مجلس واحد ولئلا يؤذوهم بمناظرهم وروائحهم، قفى على ذلك بذكر قصص موسى  مع الخضر ليبين بها أن موسى مع كونه نبياً صادقاً أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيراً ونذيراً وهو كليم الله أمر أن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه ما لم يتعلمه وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.

والفتى الذي كان مع موسى هو يوشع بن نون بن افراشيم بن يوسف  وقد كان يخدمه ويتعلم منه والعرب تسمي الخادم فتى لأن الخدم أكثر ما يكونون في سن الفتوة كما يطلقون على العبد فتى وجاء في الحديث الصحيح (ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وعبدتي)( ) وهذا من محاسن الآداب الشرعية.

والخضر: بفتح الخاء وكسر الضاد وسكونها: لقب لصاحب موسى واسمه بليا بفتح الباء وسكون اللام... ومن العلماء من يقول أنه نبي. من قال بهذا السيوطي في كتابه الاتقان(2)0

ولهم أدلة على ذلك منها:

1. قوله: ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭼ، والرحمة النبوة بدليل قوله تعالى: ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ.

2. قوله تعالى: ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ، وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم ولا إرشاد مرشد وكل من كان ذلك كان نبيا.

3. إنه قال له موسى: ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ، والنبي لا يتعلم من غريب.

4. إنه قال: ﭽ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ ، أي بل قد فعلته بوحي من الله وهذا دليل النبوة.

رويت في قصة الخضر مع موسى المذكورة في الكتاب العزيز أحاديث كثيرة وروايات مختلفة وإن من أتم الروايات وأصحها ما روى الشيخان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال: قلت لابن عباس: إن نوناً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله  يقول: إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال: أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى: يا رب فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثمَّ، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم انطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا صخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سرباً وأمسك الله عن الحوت جريه في الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ قال موسى لفتاه ﭽ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭼ ، قال: ولم يجد موسى الرجل حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ ، قال فكان للحوت سرباً ولموسى وفتاه عجباً فقال موسى ﭽﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭼ ، قال سفيان يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة لا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش، قال: وكان قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوبه، فسلم عليه موسى فقال الخضر وأتى بأرضك السلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل، قال: نعم، قال: أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً، قال: ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ ، يا موسى أني على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من الله علمك به لا أعلمه، قال موسى: ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ ، فقال له الخضر: ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭼ ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نولٍ فلما ركبوا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخربتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً امرا، قال: ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ ، فقال موسى: ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﭼ، قال: وقال رسول الله  فكانت الأولى من موسى نسياناً قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا ما نقص هذا العصفور الذي وقع على حرف السفينة من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل اذ ابصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله فقال موسى: ﭽ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭼ ، ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭼ ، قال وهذه أشد من الأولى ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ ، ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭼ ، قال مائل فقال الخضر بيده هكذا فأقامه، فقال موسى: ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ، ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ ، فقال رسول الله  وددنا أن موسى كان يقص الله علينا من خبرهما( ).

قال سعيد بن جبير وكان ابن عباس ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ ، وكان يقرأ ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ ، وبقية روايات سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب موافقة لهذه الرواية في المعنى.

وتمثل قصة سيدنا موسى مع الخضر ملخصاً لفتنة العلم حينما ظن سيدنا موسى  أنه أعلم أهل الأرض فأوحى الله تعالى له أن هناك من هو أعلم منه فذهب للقائه والتعلم منه فلم يصبر على ما فعله الخضر لأنه لم يكن له علم بالحكمة والمقاصد من وراء الأفعال التي حدثت على يد الخضر وإنما أخذ الأفعال بظاهرها فقط، وتأتي بعد ذلك العصمة من هذه الفتنة بقوله تعالى: ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ( )، فالعصمة من هذه الفتنة هي التواضع وعدم الغرور بالعلم والصبر والتحمل وعدم الحكم على الامور بظواهرها فالله اعلم بخائنة الاعين وبما تخفي الصدور ولا يستثنى من هذه القاعدة احد مهما كانت منزلته .

المبحث الخامس

فتنة السلطة

قصة ذي القرنين:

لما أجاب سبحانه وتعالى عن سؤالين من سؤالات اليهود وانتهى الكلام حيث انتهى ما شرع سبحانه في السؤال الثالث والجواب عنه، فالمراد بالسائلين هم اليهود أو كفار قريش بتلقينهم، فقال: (ويسألونك)، أي يسألك يا محمد اليهود، أو كفار قريش بتلقين اليهود سؤال اختبار وامتحان (عن ذي القرنين)، فأشار سبحانه وتعالى لنبيه  (قل سأتلو عليكم منه ذكرا)، سأقص عليكم قصصاً وافياً جامعاً لما تريدون أعلمنيه ربي وأخبرني به ثم بدأ بالتفصيل (إنا مكنا له)، أي لذي القرنين كيف يشاء بحيث يصل إلى جميع مسالكها ويظهر على سائر ملوكها: أي جعلنا له قدرة على التصرف في الأرض من حيث التدبير والرأي وعلى الأسباب حيث سخر له السحاب وبسط له النور وكان الليل والنهار عليه سواء في الضوء، وسهل عليه السير في الأرض وآتاه الله من كل الأسباب ليصل إلى المقصود بإذن الله تعالى ليملأ بقاع الأرض عدلاً حتى إذا بلغ منتهى الأرض ، أي بلغ منتهى الأرض من جهة المغرب بحيث لا يمكن له مجاوزته ووقف على حافة البحر ، أي الشمس كأنها تغرب في عين (حمئة) أي ذات طين أسود شديد السخونة، والمفيد هنا أنه بلغ بلاداً لا بلد بعدها تغرب عليها الشمس إذ لم يكن عمران إلا ما عرفوه عن بحر الظلمات فهو قد سار إلى هذا المكان فوجد الشمس كأنها تغيب فيه( ).

لما ذكر الله سبحانه وتعالى قصة الخضر أعقبها بذكر قصة ذي القرنين ورحلاته الثلاث إلى الغرب والشرق ومن ثم بناء السد في وجه يأجوج ومأجوج وهي القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة وجميعها ترتبط بالعقيدة والإيمان والتمكين لعباده المؤمنين ممثلا بالملك الصالح ذو القرنين وهو الهدف الأصلي للقصة.

أسباب نزول الآيات:

قوله تعالى: ﭽ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ

سبب نزوله ما روي عن قتادة قال إن اليهود سألوا النبي عن ذي القرنين فأنزل الله تعالى: ﭽ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ

والمراد بذي القرنين في الآية الكريمة هو ذي القرنين الأكبر( )، واسمه اسكندر بن فيلقوس اليوناني ملك الدنيا بأسرها كما قال مجاهد ملك الأرض أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان سليمان وذو القرنين، والكافران نمرود وبختنصر، وكان ذو القرنين بعد نمرود في عهد إبراهيم  على ما يأتي لكنه عاش زمناً طويلاً ألفاً وستمائة سنة تقريباً على ما قالوا.

قال ابن كثير في البداية والنهاية( ): (والصحيح أنه ما كان نبياً ولا ملكاً وإنما كان مليكاً صالحاً عادلاً ملك الأقاليم وقهر أهلها من الملوك وغيرهم وانقادت له البلاد.

منهجية الإصلاح في القصة:

من المفيد هنا أن نلتفت إلى أهمية قصة ذي القرنين ودراستها لأنها تمثل نموذج الحاكم والسلطان العادل وإن الوقوف عندها أمر ضروري جداً خصوصاً في هذا الوقت الذي تعيشه الأمة الإسلامية. ألا وهي مرحلة التمكين لأهل الحق ويمثلها في سورة الكهف قصة ذي القرنين الذي يمثل ذروة القمة للحق الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭼ( )، أي استفاد من هذه الأسباب المتمثلة بالإمكانات الهائلة في الأخذ بالأسباب والنزول إلى الناس في مغرب الشمس ومشرقها وما بين ذلك، ودخل إلى مناطق الأنهار والبحار والسدود كي يحقق العدل وينشره وكان شعاره في هذا ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ( )، وهذا هو أعلى مستويات الإصلاح والتغيير بأكبر الإمكانات المتاحة واستخدام السلطة القضائية والتنفيذية لإقرار العدل ومكافأة المحسنين الصالحين... فحينما شكا الناس من يأجوج ومأجوج كان المنهج المناسب والمقنع لمن طلبوا ﭽ ﯾ ﯿ ﭼ، وهنا القوة تمثل كل جوانب القوة المادية والمعنوية، قوة مواجهة الظلم والطغيان والاعتداء( ).

وهذا ما فعله النبي  بعد الهجرة وتأسيس الدولة حيث كان له خطاب مع المارقين وتمثل في قوله بعد غزوة الأحزاب (الآن نغزوهم ولا يغزوننا)( ).

وقتل مئات من ناكثي العهود والمواثيق من يهود بني قريظة وعفا عن أهل مكة (اذهبوا فأنتم الطلقاء)( ).

وعفا عن النساء والأولاد الذين اسروا من غزوة حنين، ولم يتصرف كما تفعل دول إسلامية برمتها كأنها جماعة مستضعفة في النظام العالمي الجديد.

وتعد قصة ذي القرنين مثالاً لفتنة السلطة والمُلك إلا أن هذا الملك يمثل العدالة والقوة في شخصيته التي حباها الله له ومكنه من جميع الأسباب التي تعينه على نشر العدل والخير في مجتمع كان تسوده الغوغائية المتمثلة بيأجوج ومأجوج حيث ملك هذا السلطان العادل العلم والقوة ومكنه الله تعالى من أن ينتقل من مشرق الأرض إلى مغربها وينشر الخير حتى وصل إلى قوم وقع عليهم الظلم فأعانهم على بناء السد الذي ما زال قائماً رغم أنه من الغيبيات التي الله أعلم بها وبمكانها فإن هذه السلطة تعد من الفتن التي ابتلى بها العديد من الملوك في عصرنا الحالي وغيرهم من الذين يتسنمون ويترأسون ويتسلطون على رقاب الغير ولم يراعوا فيهم حقوق الله تعالى.

وتأتي آية العصمة من هذه الفتنة وما يشابهها ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ( )، فالعصمة من هذه الفتن هي الإخلاص لله في الأعمال وتذكر الآخرة.

لهذا تجد أن العصمة من هذه الفتن نجدها في آخر آية من سورة الكهف تركز على العصمة الكاملة من الفتن بتذكر اليوم الآخر ﭽ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﭼ( ).

المبحث السادس

علاقة آيات سورة الكهف وعصمتها لقارئها من فتنة الدجال

أرشد النبي  أمته إلى ما يعصمها من فتنة المسيح الدجال فقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فلم يدع  خيراً إلا دل أمته عليه، ولا شرا إلا حذرها منه، ومن جملة ما حذر منه فتنة المسيح الدجال لأنها أعظم فتنة تواجهها الأمة إلى قيام الساعة وكان كل نبي ينذر أمته الأعور الدجال واختص محمد  بزيادة التحذير والإنذار وقد بين الله له كثيرا من صفات الدجال ليحذر أمته، فإنه خارج في هذه الأمة لا محالة، لأنها آخر الأمم ومحمد  خاتم النبيين وقد أرشدنا النبي  ببعض الإرشادات العظيمة لتنجو أمته من هذه الفتنة الكبيرة والتي نسأل الله تعالى أن يعافينا ويعيذنا منها.

1. التمسك بالإسلام والتسلح بسلاح الإيمان ومعرفة أسماء الله وصفاته الحسنى التي لا يشاركه فيها أحد، فيعلم أن الدجال بشر يأكل ويشرب، وإن الله تعالى منزه عن ذلك وإن الدجال أعور والله ليس بأعور وإنه لا أحد يرى ربه حتى يموت والدجال يراه الناس عند خروجه مؤمنهم وكافرهم.

2. التعوذ من فتنة الدجال، لاسيما في الصلاة، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة، فمنها ما رواه الشيخان والنسائي عن عائشة زوج النبي  (أن الرسول  كان يدعو في الصلاة اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال)( ).

وروى البخاري عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال كان سعد يأمر بخمس ويذكرهن عن النبي  إنه كان يأمر بهن منها (وأعوذ بك من فتنة الدنيا) يعني: فتنة الدجال( ).

وفي إطلاق فتنة الدنيا على فتنة الدجال إشارة إلى أن فتنة الدجال أعظم الفتن الواقعة في الدنيا( ).

وروى مسلم عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال( ).

وورد أن الإمام طاووس( ) يأمر ابنه بإعادة الصلاة إذا لم يقرأ بهذا الدعاء في صلاته، وهذا دليل على حرص السلف على تعليم أبنائهم هذا الدعاء العظيم.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل