المحتوى الرئيسى

صراع ليس على الماضي بل على الحاضر أيضاً بقلم:مروان صباح | دنيا الرأي

02/16 02:34

صراع ليس على الماضي بل على الحاضر أيضاً

كتب مروان صباح / بعد ليلٍ عسير تتفاعل به جميع الوسائل بهدف تنقية ما لوثه النهار بكل مكوناته المتداخلة من إشتباكات يصعب تحديد إن كانت سليمة أو غير ذلك إلا أنها تحقق الغرض لصباح ينعم به الإنسان من إستنشاق هواء يحمل في أسراره المتكررة العذرية المتجددة في كل فجر آتي ، كعادتي من على شرفة نافذتي الواسعة أراقب الذاهبون والقادمون لوضع أبناءهم أمانة في روضة تسكن قابلتي شعور ينتابني بالإستمتاع يتكرر عند كل شروق لشمس تضيىء لنا الأبصار بعد ظلام راهن اللصوص وقطاع الطرق والحالميين بخلط الحابل بالنابل معتمدين على إضاعات الفوارق للأفكار بين البصائر والأبصار .

إستوقفني مشهد يتكرر من سيدات أنيقات بلباسهن ومركباتهن التى يتنقلنا بهن كوسيلة للوصول إلى تلك الروضة باكرات الوقت رغم هذا أعتدنا إعداداً لائقاً للخروج ، أي يعني بأنهم من أصحاب الوظائف ذات الدخل العالي ، لكنني أُصبت بزلزال خلعني من سطحية المشهد لينقلني إلى الجذور بعد تكرار ذات التصرف من أكثر من سيدة يلتفتنا يميناً وشمالاً مع تداور أعينهم المغشية عليهم من الموت المؤقت لخوف لحظي يذهب بعد إلقاء محرمة معطرة على الأرض التى إستخدمت لدى أطفالهم بخفة يصعب على الماريين أن يلاحظوها لكن من هو في الأعلى يلتقطها بكل سهولة مع حركات تصل إلى درجة الشفقة لمن يحمل هذا السلوك المتأصل من حيث الفهم لحدود أوطانهم التى لا تتجاوز أبعاد أبواب سياراتهم وعتبات بيوتهم المتصدعة فما ترى عيناي تنوء حمله سلاسل الجبال من سيكولوجيات إستقرت داخل الإنسان وقد أعادني الموقف برمته إلى مكان قد ترسخ في الذاكرة عندما كنت ذات يوم في العاصمة السويسرية جنيف أحسب خطواتي في السير على كورنيش بحيرة جنيف لا أرغب المغادرة ففي كل خطوة إلى الأمام أعود إلى الوراء ثلاث متمسكاً بما يحيطها من قمم جبال وما أنتجه الإنسان السوي من معالم حضارية تحاكت الأزهار مع أرواح زارعيها ليتدخل في هذا المشهد الرائع رجل يرافقه إمرأة وأولادها يتزاحمون لدرجة الإلتصاق بأبويهم يحمل كاميرا يلتقط صوراً فورية لعائلته البريئة ويرمي غلاف الصورة على الأرض ، تتدخل دون أي تلكؤ عينتين رجل ثمانيني جالس على مقعد خشبي تتبادل أنفاسه بهدوء بين الشهيق والزفير تنقطع جميعها يقف ويسير بكل ثقة وإتزان دون أن يشعر به أحد يتناول تلك الجريمة التى أراد الآخر تلويث مدينته بها ليلحق الوباء التدريجي الذي يُخلع الفرد من سياقه الحضاري الإنساني ووضعه في وسط دوامات تتجاذب قدميه وهو فاقد الحول والقوة بحيث ينتشر الوباء ليتحول من الفرد إلى الجماعة .

من الإختزالات التى تورطنا بها بأن نتعامل مع التخلف بالمكابرة وأن الشعوب التى تمكنت من الحصول على شهادات عُلّقت على الجدران ورسخت محدود المعرفة في العقول كي يتراجع لحد التبخر على مدار الزمن كما قال شاعرنا النفري العلم المستقر هو الجهل المستقر ، أعتقدت بأنها إن أحسنت الشكل الخارجي حصلت على ورقة وببعض الكلمات من اللغة الأجنبية التى لا تصلح في واقعها إلا لآن يكون المرء صفرجي أوسائق لموزين أو شيال شنطة ، فالتعلم أداة الوعي الأول لإجراء أي تحول جذري ينعكس على السلوك اليومي ليس لكل آخر شهر للحصول على الراتب .

من الصعب أن نغمض أعيُننا بشكل دائم كي لا نشاهد ما يجري لمكشوفات من سيل الصور المنغصة التى إذا أغمضناها تسللت عن طريق السمع لأصوات باتت ماهرة في التحايل ، ثقافة عرجاء مبتورة مع وقف التنفيذ لا تصلح للنقل لأنها فائض فراغ وبعيدة عن أي مضمون للحضارة وتؤسس إلى مستقبل عاجز يحمل في طياته صفات كاذبة ، فالمسألة مرتبطة بالتكوين الآخر الأصغر الذي يشاهد أمه من خلال السلوكيات اليومية التى يتربى من خلالها لأنماط يسعون على الدوام إلى إخفاءها لهذا يلجأون إلى تضليل من طراز عجيب يشملهم هم أنفسهم بدايةً قبل الآخر معتمدين على صغر من يرافقهم والتواري خلف الظلام الأسود الذي يتوحد به لون البقر لتصبح جميعها باللون ذاته دون تمييز .

كيف نثق بهؤلاء وأحاديثهم البيتية من تربويات التى لا ينقطع اللسان عن ذكرها وعن المطالبة بحقوق منقوصة ومساعدة من لا يجيدون الكتابة والقراءة للوصول إلى حريات تنعكس على السلوكيات ، هل ينظر هؤلاء في المرآة أو عندما يضعون رؤوسهم على المخدة في آخر الليل يحاسبوا أنفسهم عما أقترفوا أو يختصر المرء وينام غالباً بالحبوب المهدئة حتى لا يستيقظ الضمير ويعود في كل مرة من دوائره المفرغة بالسلال الفارغة .

لقد سابقت سلالم الدرج حيث أسكن متوجهاً نحو منديلاً أبيضاً يحمل بعض البقع التى مَسحت عن وجه الطفل وسقط بفعل فاعل مجهول على أرض تحملني أنا ، إلتقطته بمنديل آخر نظيف ووضعتهما في الحاوية المخصصة وإلتفت إلى حيث إلتقطه فلم أجد الفاعل لكن شقراء في الطابق الثاني كانت تراقب العملية من أولها فابتسمت وأبتسمتُ وقلت ليس صراعاً على الحاضر وحده بل على الماضي أيضاً .

والسلام

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل